الجزائر الجديدة؛ صعود لافت وتحولات جذرية

3
الجزائر الجديدة؛ صعود لافت وتحولات جذرية
الجزائر الجديدة؛ صعود لافت وتحولات جذرية


محمد مسلم

أفريقيا برس – الجزائر. انقضى أكثر من نصف عهدة الرئيس عبد المجيد تبون على رأس الدولة، وبات تقييم المنجزات متاحًا من أجل الوقوف على الحصيلة الأولية عبر حصر المكاسب، من أجل البناء عليها فيما تبقى وتقويم المسار.

وخلال هذه المسيرة، شهد العالم تطورات مؤثرة، كانت البداية بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، الذي ترك تداعيات كبيرة على اقتصاديات العالم بسبب الإغلاق، ثم تبعتها العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وخلفت بدورها تحولات كبرى في المشهد الدولي، عرفت الجزائر كيف توظفها بما يخدم مصالحها.

وعلى الرغم من تلك التحديات، شهدت الجزائر “تطورا كبيرا وتحولات جذرية”، على أكثر من صعيد، وفق ما يراه الكثير من المراقبين، كان اللافت فيها العودة الاستعراضية للدبلوماسية الجزائرية على المسرحين الإقليمي والدولي.

وفي تقييم أولي حملته برقية لوكالة الأنباء الرسمية، فـ”الجزائر تعرف بالفعل ثورة حقيقية تجلت من خلال إعادة هيبة الدولة، ووضع بناء مؤسساتي في مستوى كبرى الديمقراطيات، ناهيك عن إطلاق إصلاحات اقتصادية وتعزيز السياسة الاجتماعية لحماية الطبقات الهشة، فضلا على التحول الرقمي وإعادة بريق الجزائر على الصعيد الدولي”.

ففي نوفمبر 2020، استفتي الجزائريون في دستور جديد، صحح الكثير من الأخطاء السياسية التي تضمنها دستور 2008 وعززها دستور 2016، والذي أرسى نظام الفرد الواحد، وكان بذرة التحول الذي حدث في عام 2019، كما اختار الجزائريون مجالس منتخبة محلية ووطنية، هي التي تعكف اليوم على إدارة الشأن التشريعي في البلاد، وتسيير شؤون الجزائريين على المستوى المحلي، بعد اختزال مجالس موروثة من رحم النظام السابق.

وحدث كل هذا، رغم المقاومة التي أبدتها ما أسمتها الوكالة الرسمية “بقايا العصابة ومعاول الهدم”، التي فشلت على مدار نحو عقدين، من إحداث النقلة النوعية، وذلك بالرغم من البحبوحة المالية التي كانت تعيشها البلاد، بفضل ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، بحيث قدر مختصون قيمة ما أنفق بنحو أكثر من ألف مليار دولار، وهو مبلغ كان يمكن أن ينتشل البلاد من أزماتها المتعددة الأبعاد، لو تم ترشيد أوجه الإنفاق من جهة، وتأمينه من وصول أيدي الناهبين إلى هذه الثروة التي يتحسر عليها الجزائريون اليوم بشدة.

وعلاوة على النجاحات المحققة على المستوى الداخلي، وعلى الصعيد الاقتصادي خاصة، كما أشر على ذلك صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له، بفضل الاستغلال الأمثل للموارد النفطية التي تشهد أسعارها طفرة نوعية، بسبب العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فالجزائر باتت بلدا محوريا، على الصعيد الإقليمي، ودولة يسمع صوتها في المحافل الدولية، بفضل الاستراتيجية الجديدة، والتي تنطلق من توظيف الأوراق الرابحة التي بيدها، وعلى رأسها ورقة الغاز، ناهيك عن حسن التموقع في نظام عالمي جديد قائم على تعدد الأقطاب، بعد تراجع نظام القطب الواحد، بزعامة الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

وتجدر الإشارة هنا، إلى تحول الجزائر إلى قبلة للعديد من زعماء العالم تأكيدا على هذا التحول، فقد زارها أكثر من رئيس في ظرف وجيز. فقد زارها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، ورئيس حكومته، ماريو دراغي، كما زارها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس حكومته، إليزابيت بورن، ورئيس فنزيلا نيكولاس مادور، ورئيس كوبا، ميغال دياز كانيل، فيما لا يزال رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، ينتظر موافقة الجزائر لينزل ضيفا عليها، كما قال هو بلسانه من العاصمة الألمانية برلين، كما تسلم الرئيس تبون دعوات لزيارة دول كبرى مثل روسيا، بعد ما زار دولا شقيقة وصديقة، مثل مصر والمملكة العربية السعودية وقطر وإيطاليا وتركيا.

كل هذه المعطيات، سمحت للجزائر بإقناع بكين بتوقيع اتفاقية “خطة خماسية ثانية” للتعاون الاستراتيجي بين البلدين ستكون لها آثارها البالغة على الشراكة والمنطقة برمتها بتعزيز قوة الجزائر على كافة المستويات.

كما يرتقب الوصول إلى توقيع اتفاقية مماثلة مع روسيا خلال زيارة الرئيس تبون المرتقبة إلى موسكو قبل نهاية العام الجاري، وفق تلميحات المسؤولين من الجانبين.

ومهد تقدم الجزائر السريع الطريق من أجل انضمامها لواحدة من أكبر التجمعات الاقتصادية والسياسية في العالم، هي مجموعة “بريكس”، التي تضم عمالقة العالم الجدد، مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وهي نافذة الكون المقبلة على عالم جديد يرفض الهيمنة الغربية التي تسير في اتجاه خسارة امتياز، لطالما فشلت في حسن توظيفه لضمان وضع يصون حقوق الآخرين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here