جبال الأوراس؛ مهد ثورة التحرير الجزائرية

5
جبال الأوراس؛ مهد ثورة التحرير الجزائرية
جبال الأوراس؛ مهد ثورة التحرير الجزائرية

أفريقيا برس – الجزائر. جبال الأوراس، مهد الثورة الجزائرية، حاضنة “الشاوية الأمازيغ” في البلاد. واحدة من أكبر سلاسل الجبال شمال أفريقيا. تشمل مساحتها ولايات باتنة، خنشلة، أم البواقي، وصولا إلى تبسة على الحدود مع دولة تونس.

في تاريخها محطات بارزة، قد تبدأ من “مملكة الأوراس” في العهد النوميدي، ولا تنتهي بـ “ملحمة الأوراس” في العهد الحديث.

الموقع

تقع سلسلة جبال الأوراس جنوبي ولاية قسنطينة في الشرق الجزائري، وترتسم حدودها مع جبل “بعزيز” باتجاه “القنطرة” ثم جبال “ششار” و”أحمر خدو” حتى جبل “إيش أزيزا” (تعني بالأمازيغية “الجبل الأخضر”).

شمال السلسلة، تمتد السهول الكبيرة الخضراء، وصولا إلى “عين البيضاء” باتجاه الشرق، حيث تظهر الجبال التونسية.

يقف جبل “شيليا” وسط السلسلة، متوجا بأعلى قمة، بارتفاع 2328 متر، فوق قمم “إشمول” و”آريس” وجبال “النمامشة” مع غطاء متنوع من أشجار البلوط والصنوبر الحلبي والتنوب النوميدي والسنديان الأخضر والسدر الجبلي والأرز الأطلسي، والعديد من الأشجار المثمرة.


مشهد لمدينة أم البواقي بالجزائر من إحدى قمم جبال الأوراس (شترستوك)

المجتمع

يتكون مجتمع “أوراس الشاوية” من جيبين كبيرين، هما “هوارة” ومن قبائله “آث داود” والنمامشة والحراكتة، و”الزناتة” ومن قبائله “آيت سعادة” و”آيت عبدي”.

يتكلم أهل الأوراس الشاوية، وهي من اللهجات الأمازيغية الزناتية، بالإضافة إلى العامية العربية.

عُرف سكان المنطقة بامتهان الرعي والارتباط بماشيتهم، باعتبارها مصدر طعامهم الأول، بالإضافة إلى موارد الزراعة.

ومن أشكال الحياة التي ميزت المجتمع الأوراسي، ولا تزال مظاهرها ماثلة “قلاع الأوراس” وتُعرف في المنطقة باسم “إيقليعين” ومنها “قلعة كباش” و”قلعة بالول” و”قلعة إيغلفن”.

كانت القلاع بمثابة حصون للأهالي، في مواجهة الاعتداءات الخارجية، ولتخزين المواد الغذائية كالتمور والقمح والشعير وزيت الزيتون، وكان لكل عرش (مدشر أو قرية صغيرة) في الأوراس قلعته الخاصة.

الثروات الطبيعة

تزخر أرض الأوراس، بثروات طبيعية كبيرة وتنوع جيولوجي وبيولوجي خاص، يجعل منها واحدة من أكثر الأراضي استقطابا للحياة في شمال أفريقيا، بغطاء نباتي يشمل أكثر من 1800 صنف من النباتات، 93 منها لا يتواجد إلا في هذه المنطقة، بالإضافة إلى ثروة حيوانية تتجاوز 1000 نوع من الحيوانات والحشرات والطيور، يرتكز أغلبها في محميتي “بلزمة” و”شيليا”.

وتعد محمية “بلزمة” الوطنية التي تقع على بعد حوالي 7 كلم عن مدينة باتنة، وتضم سلسلة جبال كلسية، من أكبر المحميات الطبيعية في الجزائر، باحتوائها على 5.700 هكتار من أشجار الأرز الأطلسي، والنباتات النادرة، منها 120 نبتة طبية ذات مواصفات عالية.

كما تضم المحمية ثروة أركيولوجية نادرة، تتمثل في آثار فريدة يعود أغلبها إلى العهدين الروماني والبيزنطي في الجزائر، أبرزها “ضريح الأمراء النوميديين” في فترة ما قبل الميلاد، غير بعيد عن مدينة “تيمقاد” الأثرية.

ومثلما يظهر على سطح الأرض الأوراسية؛ ثراء الطبيعة، يحفظ باطنها أيضا ترسبات كبيرة من الزئبق والحديد والزنك والنحاس والفضة والرصاص، بالإضافة إلى الأنتيمون والفوسفات والنفط والغاز، وفق تقارير الديوان الوطني للبحث الجيولوجي والمنجمي في الجزائر.

التاريخ

يبدأ المؤرخون تدوين تاريخ حاضنة الأوراس من مطلع القرن السادس الميلادي، مع نشأة “المملكة” في عهد “ماستيوس” حامل لقب الإمبراطور، خلال فترة حكمه بداية من 516 م، ثم جاءت فترة حكم الملك “بيداس” بين 530 و546 م، والذي خاض حربا مع الحاميات البيزنطية.

ولا يعرف من حكم مملكة الأوراس بعده، حتى ظهور الكاهنة “ديهيا” في قبيلة جِراوة الزناتيَة، نهاية القرن السابع الميلادي، بعد مقتل ملك ألطافا “أكسيل” أو “كسيلة” عام 690 م.

تعتبر “الكاهنة” آخر حاكمة للبربر الأمازيغ، بعد مبايعتها من قبائل الأوراس، ارتفع صيتها بسبب الشدة التي واجهت بها جيوش الفتح الإسلامي بقيادة حسَان بن النعمان، قبل أن تُهزم على يده سنة 78 هـ، في معركة أخيرة. وبعد مقتلها خضع بربر الأوراس للفاتحين، وأعلن 12 ألفا منهم إسلامهم.

مع بداية الغزو الفرنسي للجزائر، سنة 1830، انتعشت المقاومة الشعبية المسلحة في مختلف مناطق البلاد، وكانت منطقة الأوراس من بين أهم حاضنات المقاومة وقلاعها الجبلية.

قاد الشيخ محند الصالح بن عبد الرحمن، زعيم الطريقة الرحمانية في المنطقة، سنة 1879، مقاومة شعبية ضد الفرنسيين، عرفت بـ “ثورة الأوراس”.

بدأت المقاومة، بالهجوم على المتعاونين الجزائريين مع الإدارة الفرنسية، الذين يُطلق عليهم اسم “القياد” (جمع قائد) فلجأ الجيش الفرنسي إلى انتهاج القتل وسياسة “الأرض المحروقة” وتمكن من اعتقال العديد من المقاومين، مما دفعهم إلى الهجرة نحو تونس.

في يونيو/حزيران 1880، حوكم محند صالح بن عبد الرحمان ورفاقه، في محكمة عسكرية بمنطقة سطيف شرق الجزائر، بعدما سلمتهم السلطات التونسية آنذاك للفرنسيين، وصدر الحكم بإعدامه، ونفي العشرات من أتباعه، وتم ترحيل عائلاتهم إلى الصحراء.


مشهد من آثار قرب مدينة باتنة بجبال الأوراس (غيتي إيميجز)

أيقونة الثورة

قبل ثورة التحرير الجزائرية التي اندلعت مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1954، شهدت جبال الأوراس أربعينيات القرن الماضي، فصلا جديدا من المقاومة التي قادها أفراد من المنطقة اعتبرتهم السلطات الفرنسية “خارجين عن القانون” واعتبرهم سكان الأوراس أبطالا متفردين.

يذكرهم المؤرخون باسم “لصوص الشرف” وأنهم حملوا السلاح بشكل فردي، واحتموا بالجبال، واتخذوها منطلقا لعملياتهم الهجومية ضد مصالح السلطات الفرنسية ومعاونيها.

من بين أسماء المجموعة، يُذكر حسين برحايل والصادق شبشوب وعلي درنوني ومسعود بن زلماط وعيسى المكي وقرين بلقاسم، وآخرون.

مع اندلاع الثورة شكلت جبال الأوراس عرينا حقيقيا لرجال جبهة التحرير الوطني، فمنها أطلقت أول رصاصة في الثورة ليلة 31 أكتوبر/تشرين الأول 1954، وفيها اجتمعت النواة الأولى للجبهة بقيادة ابن المنطقة مصطفى بن بولعيد (1917-1956).

كما كانت جبال الأوراس حيزا نظاميا لما عُرف بالمنطقة العسكرية الأولى إبان الثورة، وكانت بفضل تضاريسها وموقعها الجغرافي منفذا للحدود الشرقية للبلاد، مما ساهم في جمع السلاح والتمويل لإمداد المجاهدين المتمركزين في الجبال.

من أهم المعارك التي شهدتها جبال الأوراس خلال حرب التحرير معركة “أم لكماكم” وهي أول معركة كبرى جرت وقائعها بجبال النمامشة في 23 يوليو/تموز 1955 بقيادة المجاهد بشير شيحاني.

وتبقى معركة “جبل الجرف الكبرى” في 22 سبتمبر/أيلول 1955، والتي يطلق عليها “أم المعارك” من بين كبريات المواجهات التي فرض خلالها أفراد جيش التحرير الوطني إستراتيجية عسكرية فعالة ضد الجيش الفرنسي، كلفته خسارة 700 عسكري، كما ساهمت بشكل كبير في تدويل القضية الجزائرية بالأمم المتحدة.

قامت السلطات الاستعمارية، بقيادة الجنرال شاريير، بتعيين 100 ألف جندي فرنسي لتمشيط جبال الأوراس ومحاولة القضاء على المقاومة وإحراق حاضنتها بآلاف قذائف “النابالم” لكن الثورة استمرت متّقدة بجبال الأوراس حتى استقلال البلاد في 5 يوليو/تموز 1962.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here