ما حقيقة “الحضارة المفقودة” في مصر؟ وهل يعود تاريخ إنشاء أبو الهول إلى ما قبل الفراعنة؟

15
ما حقيقة
ما حقيقة "الحضارة المفقودة" في مصر؟ وهل يعود تاريخ إنشاء أبو الهول إلى ما قبل الفراعنة؟

منة جميل

أفريقيا برس – مصر. عاد الجدل مجددا بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر على خلفية ما يسمى “الحضارة المفقودة”؛ المصطلح الذي يظهر ويختفي بين فترة وأخرى نتيجة بعض النظريات والفرضيات غير الشائعة في علم المصريات.

تختلف الآراء بشكل واضح وعلى نطاق واسع بين داعمي النظريات العلمية المتفق عليها وتعتمدها الجهات الرسمية -وفي مقدمتها الدولة المصرية- وبين من يعتقدون أن هناك “َضرورة للتفكير” في ما تناقلته الأجيال حول الحضارات المختلفة، وتفنيد الشبهات.

الحضارة المفقودة

مصطلح “الحضارة المفقودة” ليس جديدا على علماء الجيولوجيا والمصريات، بل وبعض المدونين والمهتمين بالفرضيات غير الشائعة، التي صبغ بعضها بصفة “العلم الزائف”؛ إذ نجد -مثلا- أن عالم العلوم الطبيعية في كلية الدراسات العامة بجامعة بوسطن الأميركية روبرت شوش أصدر عام 2012 نسخة أولى من كتاب يحمل اسم “حضارة مفقودة” (Forgotten Civilization).

وتبنى شوش في كتابه النظرية التي ترجح وجود حضارة حقيقية قبل 6 آلاف عام قبل الميلاد، وصلت لمدى زمني يقدر بنحو 10 آلاف إلى 12 ألف عام، وأن هذه الحضارة لم تكن كما صورها العلماء، وبينهم الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز الذي وصف حياة الإنسان آنذاك بأنها كانت “منعزلة وفقيرة وقذرة ووحشية، وأن البشر كانوا مجرد صيادين وجامعي طعام”.

وجدد شوش تأكيد اقتناعه التام بأن الحضارة المصرية -وفقا لبيانات جمعها بداية التسعينيات خلال دراسته بمنطقة هضبة الأهرام مع الباحث توماس دوباكي، لا سيما تلك المتعلقة بتمثال أبو الهول، وأخرى من منطقة شانلي أورفا (جنوبي تركيا)- “يعود تاريخها إلى نهاية العصر الجليدي الأخير (نحو 12 ألف عام)”.

ورأى أن فرضيته لا تلغي قيام حضارة أخرى في مصر بين 5 آلاف و6 آلاف عام (ق.م)، على خلفية دمار الحضارة السابقة “بشكل كارثي بسبب الأحداث الطبيعية”.

وأضاف “كانت هناك أمطار غزيرة وفيضانات مفاجئة أسهمت في تآكل التمثال الذي نعرفه الآن باسم أبو الهول العظيم”.

وأشار إلى أن هذا الوقت جيولوجيًّا “كان فترة زلازل كثيرة ونشاط بركاني”، موضحا أن العامل المسبب لذلك الوضع “هو نهاية العصر الجليدي الأخير، وتعرض الأرض لانفجار شمسي كبير (يشار إليه أحيانا باسم ميكرونوفا)”.

كذلك فإن فرضية وجود حضارة مفقودة بفعل كارثة طبيعية ضربت الأرض أدت إلى انقطاع علومها تبناها الباحث البريطاني غراهام هانكوك، الذي تحدث في نظريته عن إمكانية وجود حضارة أخرى “أكثر مجدا وتطورا” قبل الحضارة البابلية والمصرية القديمة.

ونسج هانكوك فرضيته استنادا إلى اكتشافات لآثار قُدّر عمرها بآلاف السنين في عدد من بقاع العالم، بينها موقع”غوبكلي تبه” الأثري (جنوبي تركيا) الذي يعرف بأعمدته الحجرية الضخمة التي تأخذ شكل حرف (T)، وقدر العلماء عمره بنحو 11 ألفا و500 عام.

بيد أن حقيقة وجود حضارة مفقودة “عظيمة” في مصر يمكنها تشييد منشآت ضخمة ما زال غير متفق عليها، لعدم وجود أدلة كافية قادرة على تحقيق هذا الإقناع العلمي، وهو التوجه السائد بين علماء الآثار.

النهر المتوحش

في هذا السياق، أكد الباحث المصري عبد الله زكي أن عمر البشر في القارة الأفريقية ومصر يقدر بآلاف السنين، وليس فقط 12 ألف عام.

وقال -في حوار عبر تطبيق “زووم”- إن الدراسات تشير إلى أن الإنسان نشأ في القارة الأفريقية -وفق نظرية الخروج من أفريقيا- وانتشر بعدها في الأرض، عبر نهر النيل والبحر الأحمر ومضيق باب المندب.

وفي المقابل، شدد على أن وجود الإنسان في منطقة ما “لا يعني أنه بنى خلال تواجده حضارة عظيمة”، وهو رأي يحتمل الخطأ وفقا لباحثين آخرين، وفرضيات أخرى.

وكان زكي عضوا في فريق بحثي تابع لجامعة جنيف السويسرية عندما خلص إلى أن البشر “كانوا يتواجدون بكثافة في منطقة حوض النيل قبل 12 ألف عام، وتبعت ذلك هجرة جماعية إلى الصحراء المصرية شديدة الجفاف استمرت حتى 5 آلاف و300 عام (ق.م) عادوا بعدها إلى منطقة حوض النيل”.

وأوضح زكي أن الدراسة أجريت في منطقة الصحراء التي شملت مصر وتشاد وليبيا والسودان بفحص نحو 150 عينة، وأظهرت أن مجموعات البشر هاجرت بشكل جماعي من منطقة حوض وادي النيل إلى الصحراء في الفترة الزمنية التي تتراوح بين 8.5 آلاف و5.3 آلاف عام (ق.م)، بعدما تحسنت الظروف المناخية الملائمة للحياة، وبينها نمو العشب على خلفية سنوات من الأمطار الهائلة.

وأضاف أنه استنادا إلى ملاحظاتهم، فإن منطقة حوض النيل تحولت في الفترة الفاصلة بين 8.5 آلاف و5.3 آلاف عام (ق.م) إلى منطقة كارثية؛ مما دفع معدي الدراسة إلى وصف النيل آنذاك “بالنيل المتوحش”.

ولم توضح الدراسات الجيولوجية -وفقا لزكي- طبيعة الكارثة التي حدثت في منطقة وادي النيل وأدت إلى الهجرة الجماعية نحو الصحراء.

وكان علماء تحدثوا عن احتمالية حدوث كارثة مائية، والأكثر ترجيحا هو فيضان عارم في النيل. ولاحظ زكي والفريق البحثي أنه بينما كانت المنطقة المحيطة بالنيل تشهد كارثة أجبرت مجموعات البشر على الهجرة، كانت الأمطار هائلة في الصحراء، لكن “يبدو أن الحياة في الصحراء كانت ملائمة أكثر للناس في ذلك الوقت”.

وكشف زكي عن أنه مع زملائه عثروا على “بقايا 6 أنهار قديمة في الصحراء المصرية قرب منطقة أبو سمبل وبحيرات توشكى (غربي مصر)، وحصى كبيرة تكشف عن أن هذه الأنهار كانت شديدة التدفق”.

ولفت أيضا إلى أن الأنهار القديمة كانت تمتد على مساحة نحو 20 ألف كيلومتر، وأن أقدمها قدر عمره بنحو 53 ألف عام (ق.م).

وكان المؤرخ المصري بسام الشماع كرر في كثير من لقاءاته ضرورة تصحيح المعلومات التي تحصر الحضارة المصرية في 7 آلاف عام.

وقال الشماع -في لقاء إعلامي قبل 3 سنوات- إن الحضارة المصرية حُصرت في 7 آلاف عام نتيجة أن بعض العلماء يرون أن التاريخ “يبدأ مع الكتابة حيث أُرخت بداية اللغة المصرية القديمة قبل 3.2 و3.5 آلاف عام فقط (ق.م)”.

لغز أبو الهول

ويواصل الجيولوجيون وعلماء الآثار وعلماء المصريات وغيرهم مناقشة “لغز” تمثال أبو الهول الدائم، وكم كان عمره بالضبط.

وتقول النظرية الأكثر شيوعا، واتفق حولها عدد كبير من المؤرخين وعلماء المصريات؛ إن هذا التمثال العملاق من الحجر الجيري في مجمع أهرامات الجيزة يبلغ من العمر نحو 4500 عام، وتم بناؤه للملك خفرع (فرعون من الأسرة الرابعة)، وهرمه هو ثاني أطول الأهرامات التي بنيت في الجيزة، بجانب الهرم الأكبر لوالده خوفو.

ومع ذلك، تكمن المشكلة في عمر أبو الهول في غياب أي نقوش معاصرة تربطه مباشرة بالملك خفرع، إضافة إلى التآكل واسع النطاق للحجر الجيري الذي يتطلب -وفقا للجيولوجيين- أمطارا غزيرة حتى تسبب هذا النوع من التآكل.

الوضع الذي ظهر عليه “أبو الهول” دفع بعض العلماء الأجانب -وبينهم روبرت شوش- إلى ترجيح أن عمر أبو الهول يزيد على 7 آلاف عام، وأنه بُني قبل عهد الأسر الفرعونية.

ويرى روبرت شوش -الذي حدد عمر أبو الهول بنحو 12 ألف عام- وغيره من داعمي هذه النظرية أن هناك “احتمالية كبرى” بأن يكون أبو الهول “كان قائما في منطقة هضبة الجيزة، وأنه بقايا حضارة سابقة طُمست، وأن الملك خفرع ربما هو من أمر بإزالة الرمال عنه”.

هذه الجدلية حول لغز عمر أبو الهول ليست جديدة على دارسي علم المصريات، فقد قتلت بحثا في كثير من الدراسات، ونسجت حولها العديد من الفرضيات، التي لم تغير الفرضية الأكثر شيوعا عالميا بأنه “صورة من الإله أتون أكبر الآلهة المصرية وهو الشمس”.

ووفقا للنظرية الشائعة، فإن أبو الهول نحت بعد إقامة الطريق الموصلة بين المعبد الجنائزي ومعبد الوادي للملك خفرع، أي أن أبو الهول لا بد أن يكون قد نُحت في عهد خفرع، وهذا أول تاريخ ثابت في عمر أبو الهول.

وما عزز فرضية “إلهية أبو الهول” أنه في عصور مختلفة كانوا يصنعون تماثيل لهذا الإله ويعدونها تذكارا في الحفلات الدينية.

وترفض الدولة المصرية أي شبهات حول عمر أبو الهول، متمثلة في وزير آثارها الأسبق زاهي حواس، بالإشارة إلى أن أبو الهول “نحت من حجارة محاجر كانت متواجدة في مكان بنائه، وأنه عبارة عن صخرة صماء لا توجد تحتها أي مدن مفقودة كما تزعم بعض الآراء”.

وأشار علماء مصريات إلى أن السراديب الحالية في هيكل أبو الهول نتاج محاولات للسرقة أو أعمال باحثين كانوا يدرسون التمثال، أبرزهم المغامر الإيطالي كافجليا الذي قام بالحفر في أوائل القرن 19، أسفل صدر أبو الهول حيث عثر على “لوحة الحلم” تغطي فجوة عمقها 3 أمتار (وهي لوحة تذكارية أمر بوضعها الملك تحتمس الرابع بين اليدين الممتدتين لتمثال أبو الهول في الجيزة، تخليدا لحلم حلم به هذا الملك قبل تتويجه).

وكان المؤرخان البريطانيان مالكوم هوتن وجيري كانون قالا في كتابهما الرابع “أسرار هضبة الجيزة وأبو الهول الثاني” (The Giza Plateau Secrets and a Second Sphinx Revealed)؛ إن أبو الهول “قائما على مدينة سرية تحت الأرض، ومن المتوقع أن تكون ثمة عدة أنفاق وممرات تفضي إلى تلك الحضارة المختفية، إلا أن الدولة المصرية تتعمد عدم الإفصاح عن الأمر”.

وزعم المؤرخان أن هذه الفرضية ظهرت أول مرة في مارس/آذار 1935 مع بدء أعمال حفر للوصول إلى المدينة التي قدر عمرها -آنذاك- بـ4 آلاف سنة.

وفي مايو/أيار 2021، نشرت صحيفة “المصري اليوم” المصرية موضوعا يتحدث عن عزوف اهتمام الأثريين في مصر بالمدينة “المفقودة”.

وجاء في الموضوع “نعلم أن حواس نزل سلالم من المدخل الخلفي لأبو الهول إلى غرفة عميقة على طبقة وسطى، ثم نزولا إلى الغرفة السفلية، التي يبدو أنها تحتوي على تابوت كبير جدا، كان مملوءا بالماء. مثل هذه المشاهد كلها في فيلم وثائقي من إنتاج شركة “فوكس”. من الصعب أن نتخيل كيف يمكن أن يعتقد أنه يستطيع لاحقا إنكار كل ما أنجزه سابقا”.

واتفق الباحث الجيولوجي في جامعة ألبرتا الكندية نادر أسامة مع الرواية الرسمية بشأن عمر أبو الهول، مشككا في الفرضيات الثانوية والشبهات حول هذا التمثال.

وقال إن تحديد عمر أبو الهول بأنه ينتمي لآخر عصر جليدي “ثانوي بعض الشيء”، مشيرا إلى وجود آراء جيولوجية “تتكامل مع الأدلة الرسمية الحالية، توضح أن عوامل التعرية المائية الظاهرة على الصخور الرسوبية حدثت قبل نحت أبو الهول”.

وتساءل “في حال تعرض أبو الهول للتآكل بسبب الأمطار، فلماذا لا نرى آثار التآكل المائي المذكور على صخور الهرم مثلا، وهي أكثر بروزا ومساحتها أكبر؛ وبالتالي تكون عرضة أكثر للتآكل؟”

صورة للسماء على الأرض

تعد فرضية أن مصر -لا سيما منطقة هضبة الجيزة- عبارة عن “صورة للسماء على الأرض” استنادا إلى نظرية “ارتباط حزام الجبار-أوريون”، وهي أبرز المسائل الخلافية والشبهات التي تحيط بالحضارة المصرية القديمة.

وتعود هذه الفرضية بشكل رئيسي إلى المهندس البلجيكي روبرت بوفال الذي يقول إن هناك “ارتباطا بين موقع بناء الأهرامات وحزام الجبار (أوريون) في السماء، في زمن بناء الأهرامات وليس الوضع الحالي للنجوم”.

ورغم أنه عالميا تم تصنيف الطرح الذي قدمه بوفال عام 1989 بأنه “نظرية هامشية في علم المصريات البديل”، فإن الألغاز الكثيرة حول بناء الأهرامات واصطفافها على هذا النحو واختلاف أحجامها دفع باحثين إلى تقييم احتمالية صحتها، وإمكانية كونها فقط محاولة لمحاكاة 3 نجوم في السماء.

ويعتقد بوفال وداعموه أن الوضع الحالي للأهرامات كان محاكاة للصورة التي ظهر عليها حزام أوريون منذ 10.5 آلاف عام (ق.م) عندما كانت تشاهد مجرة درب التبانة كأنها تقطع السماء من الشمال إلى الجنوب.

لكن هذه الفرضية لم يؤكد صحتها روبرت شوش الذي قدر عمر أبو الهول بنحو 12 ألف عام صحتها.

وقال “نظرية ارتباط أوريون التي طورها روبرت بوفال تفترض أن الأهرامات الثلاثة الكبرى يمكن النظر إليها على أنها تمثل نجوم الحزام الثلاث لأوريون، وأن النيل هو الانعكاس الأرضي لمجرة درب التبانة في السماء، وأن أهرامات الجيزة تعكس ما شوهد في السماء قبل 12.5 ألف عام”، لكنه شدد في حديثه على أن هذا الطرح “يفتقد لأدلة دامغة تثبت صحته”.

وأضاف “إذا كان صحيحا (هذا الافتراض) وتوجد أدلة تدعم صحة النظرية، فهناك توافق بين أهرامات الجيزة وإعادة تأريخ عمر أبو الهول العظيم، وأن هناك أصلا للحضارة المصرية قبل آلاف السنين”.

وفي إطار البحث في فرضية حزام أوريون لبوفال، نشر باحثون في جامعة “ديل سالنتو” الإيطالية عام 2016 دراسة قائمة على اختبارات فيزيائية وفلكية تقول إن بناء الأهرامات وارتباطها بحزام الجبار “لا يبدو أنها مصادفة، وأنها تتوافق مع قياسات العين المجردة والقياس الضوئي لنجوم هذا الحزام”، مستبعدين فرضية التطابق التي أشار إليها بوفال.

غير أن هذا الاستنتاج لا يعد إثباتا لفرضية بوفال، حيث لم يستبعد علماء مصريات إدراك المصريين القدماء حركة النجوم وتفوقهم في علم الفلك ووسائل قياس الزمن.

وكانت نظرية ارتباط الجبار افترضت أن انعكاس السماء على أرض مصر لا يرتبط فقط بالأهرامات الثلاثة ونهر النيل، بل أيضا ببقية الأهرامات (معظمها بني في أسر لاحقة) ولها صورة في السماء، وأن أبو الهول له انعكاس في السماء متمثل في كوكبة الأسد.

ويؤكد علماء مصريون أن أبو الهول الموجود حاليا في هضبة الأهرام له مثيل ثانٍ، لكنهم لم يميلوا إلى فرضية ارتباط الجبار، وذهبت الترجيحات إلى وجوده على صخرة شبيهة بتمثال أبو الهول المتعارف عليه، لكنها تبدو في حالة سيئة من الحفظ.

يذكر أن الانتقاد الأكثر شيوعا لهذه النظرية ويتبناه عدد من رافضيها هو أن الصورة التوضيحية التي اعتمد عليها بوفال لإظهار نظريته شهدت تعديلات بقلب الصورة الملتقطة لأهرامات الجيرة “رأسا على عقب” حتى تتطابق الأهرامات مع نجوم حزام الجبار قبل 10.5 آلاف عام قبل الميلاد.

كما شمل الانتقاد أن الزاوية التي شكلها هرما خوفو وخفرع في الوقت الذي تحدث عنه بوفال في نظريته كانت 45 درجة مئوية، بينما كانت زاوية نجوم الجبار متراصة بزاوية 54 درجة مئوية.

وجاء هذا الانتقاد من قبل عالم الفلك إد كروب من مرصد جريفيث في لوس أنجلوس، ضمن وثائقي عرضته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عام 1999 بعنوان (Atlantis reborn).

واعترض عدد كبير من علماء الفلك والفيزيائيين البريطانيين -آنذاك- على الحجج التي اعتمد عليها كروب في انتقاده نظرية (ارتباط حزام الجبار) واتهموه بعدم “الإنصاف” في التناول، وفق ما ورد في ورقة بحثية نشرها موقع “أكاديميا”.

الأهرامات وتوليد الطاقة

ازدحمت منصات التواصل الاجتماعي من جديد بجدلية آلية بناء الأهرامات والهدف الفعلي منها، علاوة على كيفية قدرة حضارة قديمة لا تعرف التكنولوجيا والآلات المتطورة على تشييد صروح عظيمة يبلغ وزنها أطنان الكيلوغرامات يدويا باستخدام طرق بدائية.

وذهبت هذه المزاعم إلى ما هو أبعد، بتبني طرح أن الأهرامات لم تكن مقابر للملوك، بل شيدت لتكون محطات لتوليد الطاقة. ورغم عدم وجود داعمين كثر لهذه الفرضية فإن الباحث المصري وسيم السيسي أشار إليها عام 2018، ولم تلق أيضا تأييدا من علماء المصريات.

وفسر السيسي فرضيته بأن الحجرات الداخلية للهرم تعمل على تحويل الطاقة الصادرة عن تحرك الصفائح التكتونية (موجات تحت صوتية) أسفل الأهرامات إلى طاقة تصادمية قادرة على شطف وقطع الجرانيت.

وتداولت تصريحات السيسي بالتزامن مع نشر ​صحيفة “إكسبريس” (Express) البريطانية موضوعا يدعم الفكرة ذاتها، وتحدث عن روايات أولئك الذين قاموا بالتسلق الشاق لقمة الهرم الأكبر، وقولهم “إنهم شعروا بتحولات طفيفة لكن ملحوظة في الطاقة، وأحاسيس وخز في أطراف الجسم وحتى حالات الصدمة الكهربائية”.

واستند تقرير “إكسبريس” آنذاك إلى نظرية لأثري بريطاني يدعى عبد الحكيم حكيمويان، زعم فيها أن “من تلك البقعة (منطقة أهرامات الجيزة) كما تعلمون كانت الطاقة ربما تكون مستمدة من الأرض، ويظهر من الحفريات أنهم كانوا يحاولون التحكم في تدفق هذه الطاقة واستخدامها لأغراضهم الخاصة”.

لكن لقيت هذه النظرية رفضا من علماء المصريات، وبينهم الفرنسي فرانك مونييه الذي شدد على “غياب أي دليل علمي يمكن أن يستند إليه علماء المصريات في أن الأهرامات كانت مصدرا للطاقة في مصر القديمة”.

واتفق مونييه مع الذين أكدوا أن الأهرامات صممت بوصفها مقبرة للملك، وأن متون الأهرامات وكثيرا من البرديات تؤكد هذا الاعتقاد.

ووفقا لعلماء المصريات، توجد عناصر معمارية في نطاق الأهرامات تؤكد وظيفتها في إحياء عقيدة الملك المتوفى من خلال الكهنة الذين كانوا يعيشون داخل المدينة الهرمية، ويقدمون الطقوس داخل معبد الوادي والمعبد الجنائزي.

كما عزز اكتشاف بردية ميرير بوادي الجرف قرب الشاطئ الغربي لخليج السويس عام 2013 اقتناع العلماء بالوسائل التي استخدمها المصريون القدماء في بناء الأهرام وتنظيم العمل داخل مواقعها.

وتعد هذه البردية الوحيدة التي تتحدث عن بناء هرم خوفو ونقل الأحجار بالمراكب من المحاجر من طرة (تبعد 13 كيلومترا عن الجيزة) عبر النيل إلى الهرم.

ورغم أن عملية نقل أطنان الأحجار وكيفية استخدامها في عمليات البناء ما زالت تثير شكوكا لدى البعض حول طبيعة الأدوات والمعدات المستخدمة، فإن تلك البردية حاولت الإجابة عن هذه التساؤلات.

وأوضحت البردية أن ميرير كان ضليعا في علوم الهندسة، وأنه سجل في البردية القديمة مشاركة طاقمه في مخطط لتحويل مياه النيل نحو الهرم، لجعل القطع الحجرية في أقرب نقطة من الهرم بتغيير مسار القنوات المائية.

وحول عملية نقل الأحجار من المحاجر، أعلنت البعثة الأثرية الفرنسية الإنجليزية المشتركة -التابعة للمعهد الفرنسي للآثار الشرقية وجامعة ليفربول الإنجليزية عام 2018- أن النظام الذي استخدمه المصريون القدماء يتكون من منحدر مركزي، يحيط به سلّمان بهما ثقوب أعمدة، مما يساعد على رفع كتل المرمر خارج المحجر عبر منحدرات شديدة الخشونة بنسبة 20% على الأقل.

يذكر أن علماء آثار عدة اتفقوا على أن الهرم عند بنائه كان مغطى بطبقة ناعمة من الحجر الجيري الأبيض الناعم، أعطت سطحه لمسة نهائية منحدرة وناعمة تلمع في ضوء الشمس، إلا أنها تغيرت بفعل عوامل المناخ والتعرية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here