مصر وليبيا بعد التقارب مع تركيا

5
مصر وليبيا بعد التقارب مع تركيا
مصر وليبيا بعد التقارب مع تركيا

محمد أبوالفضل

أفريقيا برس – مصر. إذا كان التباعد والتوتر والتجاذب بين مصر وتركيا انعكس على الأزمة الليبية بصور مختلفة، فمن الطبيعي أن يجلب التقارب وعودة العلاقات الدبلوماسية المنتظرة تفاهما حول الكثير من ملامحها، والذي ظهرت أول معالمه مع النشاط السياسي الذي تشهده القاهرة حاليا بشأن محاولة خروج الأزمة الليبية من جمودها السياسي.

بدت التحركات المصرية الجديدة تخيم عليها ظلال التقارب بين القاهرة وأنقرة لجهة تعزيز وجهة نظر الأولى في مسألة إنهاء دور رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة بالدفع نحو فكرة إجراء انتخابات تشرف عليها حكومة محايدة، في إشارة توحي بأن تركيا تتجه لعدم مضايقة مصر بورقة استمرار حليفها الدبيبة.

قد تكون هذه أول إشارة إيجابية من تركيا التي نجحت في تكريس نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في الفترة الماضية، وبدا وجودها طاغيا في الكثير من مفاصل الحياة في غرب ليبيا مقارنة بمصر التي واجهت عقبات ولم يشفع انفتاحها على الغرب في توسيع حضورها، وحتى الشرق كمنطقة نفوذ تقليدية لها لم تعد تركيا بعيدة عنه.

هناك الكثير من القضايا التي يمكن التوصل فيها لتسويات سياسية إذا واصل التقارب بين البلدين صعوده وفقا لعلامات التفاؤل الظاهرة في الخطاب التركي، وبدأت تنتقل إلى مصر بعد أن زادت مؤشرات الثقة التي أدت إلى عقد لقاء بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في الدوحة مؤخرا.

متوقع أن تصبح ليبيا اختبارا حقيقيا لمستوى التقارب بينهما، حيث كانت من أهم المسارح الإقليمية التي شهدت تباينا واضحا بين البلدين، وتجمعت فيها غالبية القضايا الخلافية المتعلقة بجماعة الإخوان والحركات المتطرفة والتهديدات الأمنية المباشرة، وشرق البحر المتوسط بعد أن وقعت تركيا مع الحكومتين الحالية والسابقة في ليبيا مذكرات تفاهم خاصة بالحدود البحرية والاستثمار الاقتصادي فيها.

تحولت ليبيا إلى أداة من أدوات السياسة الخارجية ووسيلة من وسائل تنفيذ أهداف تركيا من زاوية الاستفادة منها كورقة ضغط على مصر لتلبية مطالب أنقرة وتمددها من خلال تنشيط الجماعات المتشددة ونشر المرتزقة وتعزيز دورهم ودعم نفوذ الميليشيات على أراضيها كي تتأكد القاهرة أن أنقرة معها مفاتيح مهمة في ليبيا.

مع أن ليبيا دولة ملاصقة لمصر وتبعد الآلاف من الأميال عن تركيا، غير أن الأخيرة كرست وجودها فيها وامتلكت الكثير من التحالفات التي ساعدتها على الأمر والنهي في غالبية القرارات الصادرة في طرابلس مستغلة غياب مصر عنها وانحسار دورها الأمني في الشرق باعتباره منطقة جغرافية تمثل أهمية مباشرة لأمنها القومي.

استفادت تركيا من الفصل الضمني والحقيقي في العقل المصري بين الشرق والغرب كما استفادت من تعدد أنواع التهديدات الإقليمية التي تواجه القاهرة، ونجحت في زيادة نفوذها للدرجة التي تحولت فيها أنقرة إلى رقم صعب في غالبية مقاربات القوى الدولية الرامية لتحريك الأزمة الليبية صعودا أو هبوطا.

تعلم مصر أن التفاهم مع تركيا التي تملك عناصر رئيسية للقوة يسهم في تخطيها عقبات كثيرة تواجهها على الساحة الليبية، ويعرقل التباعد دورها في مسار التسوية السياسية التي تسعى لها منذ فترة، فقد زاد هامش المناورات أمام أنقرة عقب انشغال بعض القوى الدولية بأزمات أخرى هيكلية، ما يعني أن تصفية الملفات بين مصر وتركيا لها ارتدادات إيجابية، لأنها نقطة مركزية في تذويب الخلافات أو تعميقها.

تسللت تركيا إلى ليبيا واستثمرت فيها بكل الطرق السياسية والأمنية والاقتصادية، وهي تعلم أنها نقطة يمكن بموجبها أن تساعد على إجبار مصر على الاستسلام لرغباتها، وعندما فشلت خطة الضغوط تحولت إلى المرونة التي قد تحقق بها الأهداف ذاتها، فما لم تستطع أنقرة الحصول عليه بالخشونة ربما تحصل عليه بالليونة.

على ضوء ما يمكن أن تقدمه تركيا من تسهيلات في ليبيا ولجم أذرعها المختلفة سوف تتحدد أشكال التعاون معها لاحقا، ولا شيء سوف تقدمه الأولى مجانيا ولن تقدم الثانية على خطوات لزيادة الثقة قبل أن تتلقى ما يثبت أن تركيا اليوم في ليبيا ليست تركيا الأمس التي تعمدت مضايقتها دون أن تضطر للدخول في مواجهات حاسمة معها.

لم تنكر تركيا المصالح الحيوية لمصر في ليبيا، ومن يراقب المراحل الإشكالية لا يجد تعمدا للاشتباك، وعلى العكس يلاحظ أن أنقرة في أوج المحطات قسوة وعنفا تجنبت وصول الخلاف إلى مواجهة صريحة.

استغلت أنقرة الكثير من الثغرات والانشغالات المصرية لتتمترس في الأراضي الليبية، واستفادت من تناقضات القوى الدولية في التعامل مع الأزمة وقدمت نفسها على أنها من يتحكم في ضبط المعادلة، سلبا أو إيجابا.

تعمل مصر الآن بحذر على ضبط بوصلتها في ليبيا بناء على التحول الحاصل في علاقاتها مع تركيا، وهو ما يرفع عن كاهلها ضغوطا أفضت بها لمنح أولوية للتعامل الأمني على حساب السياسي، والذي من الضروري أن يُعاد له الاعتبار الفترة المقبلة.

يحتاج التعاطي المصري مع الأزمة الليبية الكثير من السياسة والقليل من الأمن لحل العديد من الشفرات المستعصية، حيث أدت الطريقة الأمنية المفرطة إلى تغييبها أو على الأقل وضعتها في مرتبة متأخرة، فالنوافذ والأبواب التي يمكن أن تفتحها تركيا لمصر تحتاج إلى آليات دبلوماسية لتتخطى عقبات متراكمة انتشرت الفترة الماضية. ولذلك من المنتظر أن نرى نشاطا مصريا سياسيا كبيرا قريبا، يحوي انفتاحا مدروسا على قوى محلية وإقليمية ودولية انتابتها شكوك بشأن عدم انزعاج مصر من استمرار الأزمة الليبية طالما أن مصالحها الإستراتيجية لم يتم المساس بها.

يرفع التفاهم بين مصر وتركيا واحدة من العقبات التي أدت إلى الجمود السياسي في ملف التسوية، ويمنح القاهرة فرصة لتوسيع دورها، فقد وظفت أنقرة التناقضات الداخلية والخارجية لصالح الدفع نحو الوصول إلى حل يحقق طموحاتها عبر أذرعها المحلية.

وضعت تركيا ما يشبه “الفيتو” على بعض التحركات التي قامت بها مصر وحققت تقدما ملموسا مثل لجنة المسار الدستوري التي عقدت سلسلة من الاجتماعات في القاهرة أسهمت في تجاوز جملة من الخلافات التي تساعد على إجراء الانتخابات وفقا لقاعدة قانونية مقبولة من جميع الأطياف.

إذا استأنفت هذه اللجنة اجتماعاتها في القاهرة ولم تتعرض إلى مطبات ومهدت لإجراء الانتخابات سيعد المتغير المصري – التركي حاسما في قضايا أخرى، ويمكن القول إن ليبيا سوف تصبح محطة رئيسية للتعاون بدلا من الصراع بين القاهرة وأنقرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here