تحالف مصلحة بين حفتر والدبيبة وغضب عقيلة واحتراق أوراق باشاغا

39
تحالف مصلحة بين حفتر والدبيبة وغضب عقيلة واحتراق أوراق باشاغا
تحالف مصلحة بين حفتر والدبيبة وغضب عقيلة واحتراق أوراق باشاغا

رشيد خشانة

أفريقيا برس – ليبيا. استُبعد فتحي باشاغا من رئاسة الحكومة الموازية، لأن اللواء المتقاعد خليفة حفتر كان يعمل على تشكيل حكومة مصغرة، تعود وزارات السيادة فيها لتوجيهات نجله بلقاسم. وقبل ذلك عزل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة رئيس «المؤسسة الوطنية للنفط» مصطفى صنع الله، في تموز/يوليو 2022 بلا أسباب مقنعة، سوى طلب القائد العسكري للمنطقة الشرقية حفتر تنحيته، ليحل محله مرشح حفتر فرحات بن غدارة. وثمة مؤشرات أخرى كثيرة تُبينُ أن حفتر بات ملك اللعبة السياسية ليس في المنطقة الشرقية وحسب، بل في الغرب أيضا، إذ صار الجميع تقريبا يُسايرون قراراته ويذعنون لجبروت أبنائه. أكثر من ذلك، كان لافتا للمراقبين أن جلسة سحب الثقة من باشاغا تمت في مدينة بنغازي مركز نفوذ حفتر، وليس في المقر الفرعي لمجلس النواب في مدينة طبرق، وهي معقل عقيلة صالح (غاب عن الجلسة لأن باشاغا هو حليفه السابق). وهذا مهم على الصعيد الرمزي في السياسة. من هنا نلحظ بداية إعادة لتشكيل المشهد السياسي على نحو يجعل حفتر يجمع بين يديه غالبية أوراق اللعبة، بينما كان منبوذا ومهمشا منذ هزيمة قواته، المدعومة من عناصر «فاغنر» في الدخول إلى طرابلس العام 2019. وهو يعمل على تحسين شروط ترشُحه للانتخابات الرئاسية، التي تعتزم الأمم المتحدة تنظيمها قبل نهاية العام الجاري، لكن إجراءها غير مؤكد.

شرطان أساسيان

ونجح حفتر في جعل الاجتماعات الماراثونية لضبط شروط الترشُح للانتخابات تدور حول نفسها، بسبب عدم الاتفاق على شرطين أساسيين أحدهما يخص استبعاد ترشُح العسكريين، والثاني يُقصي مزدوجي الجنسية. وبدل تركيز اجتماعات مجموعة 6+6 الأخيرة في القاهرة، ثم في بوزنيقة (المغرب) على إيجاد فتاوى قانونية لتجاوز هذه العقبة، انصب اهتمام المجتمعين على صفقة تشكيل الحكومة الموازية الجديدة، التي يُرجح أن تُسند فيها وزارات السيادة، أي المال والخارجية والداخلية والدفاع، لمن يختارهم بلقاسم خليفة حفتر. وأفادت التقارير أن إبراهيم الدبيبة، ابن شقيق رئيس الوزراء وصدام حفتر نجل خليفة حفتر، هما اللذان قادا التفاوض على تعديل تشكيلة الحكومة الموازية. والمؤكد أن رئيس حكومة الوحدة الدبيبة ما انفك يخسر كثيرا من المواقع، جراء سعيه إلى البقاء في منصبه بأي ثمن، وانهماكه في التفاوض مع حفتر، وهي المفاوضات التي أسفرت عن اتفاق غير معلن بوساطة مصرية. لكن التقارب لن يستمر طويلا فإذا ما تم الاتفاق على إجراء الانتخابات، سيكون الدبيبة أحد المنافسين الرئيسيين لحفتر، وإذا ما أُرجئت فإن المصالح الشخصية ستتضارب لا محالة. أما مصير باشاغا فبات محسوما، بعدما فقد دعم خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد، بالإضافة لخسارة شعبيته في مدينته مصراتة. وأفادت تقارير مختلفة أن إبراهيم الدبيبة، نجل شقيق رئيس الوزراء وصدام نجل خليفة حفتر كانا يُجريان محادثات منذ شهور لتشكيل الحكومة الجديدة. وتم الاتفاق على أن يبقى الدبيبة رئيسا للوزراء، في مقابل الكف عن عرقلة ترشُح العسكريين وذوي الجنسيات المزدوجة لرئاسة الدولة. وعرضوا في هذا الإطار على باشاغا تولي منصب نائب رئيس الوزراء، إلا أن الأخير رفض العمل تحت قيادة الدبيبة، فتم الاستغناء عنه. واستطرادا يُرجح أن يتم في الأسابيع المقبلة، إقرار قانون انتخابي يسمح للعسكريين وذوي الجنسية المزدوجة، بالمشاركة في المنافسة الانتخابية، وهو ما يطلبه حفتر. والأرجح أيضا أن التباعد الذي ظهر بين حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الساعي هو الآخر للرئاسة، مُرشحٌ للتوسع والتعمق. أما باشاغا فاعتبر المراقبون أنه أحرق أوراقه بعد سلسلة خصومات مع الدبيبة وعقيلة صالح وخليفة حفتر، وحتى مع حزامه الانتخابي في مسقط رأسه مصراتة.

استهداف أبوزريبة؟

صحيح أن هذه التغييرات في المشهد الليبي قد تُساعد على السير نحو الانتخابات، لكن البلد، وخاصة العاصمة، حيث يجتمع ثلث السكان، ما زال غير آمن تماما. وتكاثرت في الفترة الأخيرة عمليات التهريب والنهب والجريمة، ما حدا بحكومة الوحدة لإصدار أوامر بتوجيه ضربات جوية إلى مواقع الميليشيات وشبكات التهريب. إلا أن عضو مجلس النواب علي أبوزريبة، وهو أحد خصوم الدبيبة، أكد أن بيته هو الذي كان مستهدفا، ما أدى إلى إصابة ابن شقيقه في إحدى غارات الطائرات المُسيرة. أما في طرابلس ومدينة الزاوية القريبة منها، فاندلعت عمليات قصف، أساسا بواسطة مُسيرات تركية الصنع، أمرت بها حكومة الوحدة الوطنية لضرب عصابات التهريب والمخدرات، على ما قالت. إلا أن خبراء رأوا في اللجوء للطيران المُسير دليلا على عدم وجود جيش نظامي يُعتمد عليه في إقليم طرابلس. أكثر من ذلك اعتبر وكيل وزارة الخارجية في الحكومة السابقة حسن الصغير أن استخدام الطيران المُسير ليس سوى عملية تصفية جسدية من دون محاكمة، وهو إجراء يُستخدم عادة ضد الإرهابيين. وحض رئيس مجلس الدولة خالد المشري المجلس الرئاسي على «سحب صلاحيات الطيران المسير وقيادته من رئيس الحكومة الذي أصبح يستغله لإرهاب خصومه السياسيين ومواجهتهم» مشددًا على أن «إدارة الطيران لا علاقة لها بالأشقاء في تركيا، وأن الطيران الحربي يُديره بشكل مباشر وزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة، متهما إياه أيضا بأنه يسوق هذا الأمر «للزج بالحليف التركي في الصراع الداخلي». أما الرواية التي أدلى بها وزير الداخلية في حكومة الوحدة، فمفادها أن مجموعتين (لم يُحددهما) تبادلتا إطلاق النار في منطقتي جرابة ورأس حسن، ثم جرى فض الاشتباك بينهما بجهود الأمن، حسب مقطع فيديو منشور على صفحة «حكومتنا» بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك». وفي جميع الأحوال لن تقبل الأطراف الرئيسية بإشراف حكومة الدبيبة على الانتخابات، لاسيما في ظل وجود مفوضية عليا للانتخابات أثبتت حرفيتها. وحسب لجنة 6+6 ستكون السلطة التشريعية المقبلة هي مجلس الأمة، وسيتألف من غرفتين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ. واعتبرت اللجنة أن هذا الأمر سيستغرق بعض الوقت لصياغة التشريعات الخاصة به وضبطها.

«حراس الفضيلة» والإسلام السياسي

في هذا المشهد المُعقد، كان لافتا دخول الإسلام السياسي على خط الصراع الليبي الليبي، وإن كان حاضرا في جميع المحطات السابقة منذ 2011 إذ أطلقت «الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية» التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، برنامجا أسمته «حراس الفضيلة» ويرمي إلى التضييق على الحريات العامة والخاصة، بتعلة «تحصين المجتمع من آفات الانحراف الأخلاقي والعقدي». وتُشبه مهمة «حراس الفضيلة» المزعومون الدور الذي كانت تقوم به هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية وبعض دول الخليج الأخرى، والتي تم التخلي عنها، لكثرة الشكاوى من تدخلها السافر والمباشر في حياة الناس. ولوحظ أن غالبية مواقع التواصل الاجتماعي في المناطق الليبية المختلفة، اعترضت على تشكيل ميليشيا «حراس الفضيلة» مُعتبرة إياها «شرطة دينية» ووسيلة للهيمنة الفكرية وضرب الفكر الحر. وأبدى الليبيون مخاوفهم من أن يتركز عمل عناصر هيئة «حراس الفضيلة» على القيام بدوريات في الشوارع والأسواق والأماكن العامة، للتأكد من تطبيق القواعد الإسلامية. في المقابل تبدو المسألة التي تحظى بالأولوية لدى الليبيين هي إنجاح عمل لجنة 6+6 التي كان يُفترض أن تخرج من اجتماعاتها في القاهرة وبوزنيقة، بحلول لموانع الترشُح للرئاسة، وتحديد ميقات دقيق للاستحقاق الانتخابي المؤجل، إلا أنها ذهبت في اتجاه مُغاير تماما، بإعلانها عن قرب تشكيل حكومة جديدة تشرف على المسار الانتخابي، وتحلُ محل الحكومة الموازية، التي أصبح يرأسها أسامة حماد، وزير الاقتصاد في حكومة باشاغا. وبالنظر إلى أن الدبيبة سبق أن حذر من أنه لن يُسلم السلطة إلا لحكومة منبثقة من صندوق الاقتراع فإن الأمر سيبقى محور جدال وتجاذبات من دون توافق. ودعا المشري المجلس الرئاسي إلى «سحب صلاحيات الطيران المسير وقيادته من رئيس الحكومة، الذي أصبح يستغله لإرهاب خصومه السياسيين ومواجهتهم» مشددًا على أن «إدارة الطيران لا علاقة لها بالأشقاء في تركيا وأنه يدار بشكل مباشر من قبل وزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة، وأنه يسوق هذا الأمر للزج بالحليف التركي في الصراع الداخلي».

هذه التهم تتخذ منحى جديدا، فمع فوز رجب طيب اردوغان بولاية رئاسية ثالثة، يتوقع المراقبون أن تُعزز تركيا مواقعها الاقتصادية والسياسية والعسكرية في ليبيا، وسط قلق متزايد لدى قوى غربية، في مقدمها فرنسا، تعمل على تحجيم الحضور التركي في ليبيا. وتعتمد أنقرة في علاقاتها المتينة مع طرابلس على الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية التي توصل لها الأتراك مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 والتي شملت ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. كما وقعت الحكومة التي حلت محلها، برئاسة الدبيبة، على مذكرة تفاهم جديدة، في 4 تشرين الأول/اكتوبر 2022 تخص الاستثمار المشترك لمصادر الطاقة في «المنطقة الاقتصادية الخاصة» التي اتفقت عليها تركيا والحكومة السابقة في طرابلس عام 2019 وكانت أثارت بدورها ردود فعل غاضبة من دولتي الجوار اليونان ومصر. وفي هذا الإطار أيضا توصلت مجموعة «نوبل» التركية، منذ أيام قليلة، إلى اتفاق مع السلطات الليبية لتشغيل معرض طرابلس الدولي لمدة عشرة أعوام. وهذه هي الخطوة الأولى للمجموعة في العالم العربي. ويعتزم الأتراك استخدام ليبيا جسرا نحو أفريقيا بفضل موقعها الاستراتيجي، على ما قال رئيس المجموعة أورهان تشيلك، في تصريحات أدلى بها إلى وكالة «الأناضول» التركية. والمؤكد أن أنقرة ستدعم بقاء حليفها الدبيبة في الحكم، خصوصا إذا ما أرجئت الانتخابات. كما أن البراغماتية التي تعاطى بها اردوغان، مع خصومه السابقين في الإمارات ومصر وإلى حد ما السعودية وفرنسا، جعلته يتصالح مع الجميع، من دون التخلي عن المواقع التي حصدها في ولايته الرئاسية الأخيرة. من هنا يُرجح أن تركيا لن تكون، في المرحلة المقبلة، أحد اللاعبين الكبار في ليبيا وحسب، بل ستكون مؤثرة، عسكريا واقتصاديا وسياسيا، أكثر من تأثير القوى الإقليمية والدولية الوازنة في الملف الليبي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here