لهذه الأسباب يُعتبر المغرب شريكا استراتيجيا لليابان

54
لهذه الأسباب يُعتبر المغرب شريكا استراتيجيا لليابان
لهذه الأسباب يُعتبر المغرب شريكا استراتيجيا لليابان

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. لم تكن واقعة استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد، لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي قبل أسبوعين، على هامش احتضان تونس للدورة الثامنة لمنتدى التعاون بين اليابان وإفريقيا (تيكاد)، سوى حادثة سير. فسرعان ما سعت طوكيو إلى تطويق “الحادثة” في الاتصال الذي أجراه عن بعد، وزير خارجية اليابان يوشيماسا هاياشي مع نظيره المغربي ناصر بوريطة. فقد أوضح هاياشي بأن اهتمامات منتدى “تيكاد” اقتصادية وليست سياسية، مجددا عدم اعتراف بلاده بـ “الجمهورية الصحراوية”، ومؤكدا لبوريطة على أن المزيد من الشركات اليابانية العاملة في مختلف القطاعات مهتمة بالاستثمار في المغرب.

أكبر مُشَغِّل أجنبي

تعد اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ولا يتوقف مسؤولوها عن التصريح بأن المغرب يعد حليفًا استراتيجيًا لبلدهم، باعتباره دولة مرجعية في القارة الأفريقية، بالنظر إلى موقعه الجغرافي والسياسي ومؤهلاته الاقتصادية وتطوره الصناعي. والدليل على أهمية المغرب بالنسبة إلى اليابان، أن المغرب يعتبر حاليا الوجهة الثانية للاستثمار الياباني في القارة الأفريقية. وذلك بفضل نشاط أزيد من 75 شركة يابانية، توظف ما يصل إلى 50 ألف عامل وفني ومهندس من الجنسين في المغرب. وهو سيناريو يضع المملكة في موقع ممتاز لجذب المزيد من الاستثمارات اليابانية. فما هي مؤهلات المملكة المغربية؟ ولماذا تعتبرها اليابان شريكا استراتيجيا في القارة السمراء؟

وبحسب محللين إسبان، تكمن إحدى أهم عوامل جاذبية المغرب في قدراته اللوجستية، مثل ميناء طنجة المتوسط الذي يحتل المرتبة الأولى إفريقيا، والسادسة عالميا (من بين 370 مناء عالميا)، وفق مؤشر الكفاءة الذي يعتمده البنك الدولي ووكالة “ستاندرد أند بورز”.. بحيث أصبح هذا الميناء الواقع أقصى شمال غرب المغرب، مرجعا دوليا رئيسا من حيث رواجه التجارية، والصناعات المنتشرة من حوله (خصوصا السيارات وأجزائها). وهذه المؤهلات تعد جذابة لبلد مثل اليابان لديه شركات تشتغل في هذا المجال، مثل “سوميموتو” و”فوجيكورا أوتوموتيف” و”يازاكي”، التي توظف لوحدها 30 ألف شخص من سوق الشغل المغربية.

وبالمجمل، تعتبر اليابان أول مشغل أجنبي بالمغرب، حيث توفر مقاولاتها أكثر من 50 ألف وظيفة، أكثر من نصفها في قطاع “الكابلات” (الأسلاك الكهربائية وخيوط التوصيل) وحده. بالإضافة إلى ذلك، وفي مجال الزراعة، يتمتع المغرب بفائض تجاري مع اليابان، التي تعتمد على الإمدادات المغربية بنسبة 20% من وارداتها من الأسمدة الزراعية. وللتذكير بهذا الصدد، فقد اختارت اليابان المغرب لتعويض فوسفات وسماد الصين وروسيا، المشمولان بنظام العقوبات الغربية. وهو ما يعد المغرب بمكاسب اقتصادية ضخمة وصادرات بالملايير في المستقبل القريب.

تعاون مصرفي

كما ترى اليابان أن المغرب وسيلة للحصول على موطئ قدم بشكل أقوى في القطاع المصرفي الأفريقي. وفي هذا السياق، أشارت مصادر يابانية إلى أن مصرف “ميزو” الياباني قد وقع اتفاقية مع مجموعة “التجاري وفا بنك”، بينما وقع “البنك الشعبي المركزي” المغربي اتفاقية مع مجموعة “سوميتومو ميتسوي” المصرفية، بهدف العمل معا في السوق الأفريقية.

ولم يأت هذا الاهتمام الياباني البالغ بالتعاون مع القطاع المصرفي المغربي من فراغ. فبحسب آخر تصنيف قاري، تمكنت ثمانية بنوك مغربية من ضمان مكان لها على قائمة “أكبر 100 بنك في إفريقيا”. وهكذا، احتلت مجموعة “التجاري وفا بنك” المرتبة الرابعة على قائمة أهم البنوك الإفريقية، برأس مال بقيمة 6 مليارات دولار أمريكي، متبوعة بـ “البنك الشعبي المركزي”، الذي جاء في المرتبة السابعة إفريقيا، برأس مال 4,7 مليار دولار، ثم “البنك المغربي للتجارة الخارجية” (بنك أوف أفريكا) في المركز الـ12 إفريقيا، برأس مال يناهز 3,1 مليار دولار أمريكي. ثم على التوالي، “الشركة العامة المغربية للأبناك” في المرتبة 27، متبوعة بمجموعة “القرض الفلاحي للمغرب” في المرتبة 32 إفريقيا، يليها “البنك المغربي للتجارة والصناعة” في المركز الـ38، ثم بنك “القرض العقاري والسياحي CIH” في المرتبة الـ47…

لكن مجموعة “التجاري وفا بنك” تبقى أقوى البنوك المغربية وأوسعها انتشارا في إفريقيا. فهي تملك أكبر شبكة كبيرة بحوالي 4500 فرع منتشر في أكثر من 30 دولة أفريقية. وفي تونس نفسها التي دخلت في أزمة خطيرة مع المغرب، تمتلك مجموعة “التجاري وفا بنك” المغربية 250 فرعا مصرفيا، توفر أزيد من 2500 وظيفة، وتضع في خزينة الدولة التونسية حوالي 1,6 مليار دولار من الودائع، وتضخ في الاقتصاد التونسي استثمارات تتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار، كما أن لدى المجموعة 1,6 مليون زبون تونسي. وأكثر من ذلك، فإن مجموعة “التجاري وفا بنك” المغربية هي التي تقوم بدور الوسيط بين الاقتصاد التونسي والأسواق الأفريقية، من خلال شبكة المجموعة من الفروع المنتشرة في القارة السمراء. فالمغرب ومصر هما الدولتان الوحيدتان في شمال أفريقيا اللتان لديهما مصارف في أفريقيا.

فرص ضائعة للمغرب؟

المعروف أنه بعد قيام الثورة التونسية، وفي أعقاب أجواء عدم الاستقرار السياسي التي تمر بها تونس، أغلق عدد كبير من رجال الأعمال التونسيين مشاريعهم واتجهوا صوب المغرب، حيث استقر عدد هام منهم في شمال البلاد (خصوصا طنجة). وفي سياق ذلك، أغلقت مقاولات أجنبية مشاريعها في تونس، واتجهت هي الأخرى إلى المغرب.

فانتشرت بسبب ذلك سردية بين مختلف شرائح المجتمع التونسي، تزعم بأن المغرب “يسرق” المشاريع الاستثمارية من تونس. وبالتالي اكتسب المغرب رغم أنفه بين التونسيين، صورة البلد المنافس الشرس. وبسبب ذلك، بدأت أصوات تتعالى في القطر التونسي منذ الإعلان قبل شهور، عن نية اليابان تنظيم النسخة الثامنة من “مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية” (تيكاد 8)، صيف هذا العام بتونس، محذرة من أن دولا أفريقية مثل المغرب هي التي ستستفيد من الدعم الياباني لإقامة مشاريعها للتنمية المستدامة في القارة السمراء، “على حساب” تونس.

هل كان هذا الهاجس حاضرا في تفكير كبار المسؤولين التونسيين، وشكل عاملا مؤثرا في اتخاذ قرار استقبال زعيم البوليساريو، لعلمهم بأن ذلك سوف يدفع المغرب إلى مقاطعة المنتدى؟ الله وحده أعلم..

لقد قدّرت وسائل إعلام يابانية بأن حدث “تيكاد 8″سيكون بمثابة “رد” من طوكيو، على السباق المحموم الذي تخوضه كل من الولايات المتحدة ودول أوروبا نحو القارة السمراء، وخصوصا منافِستها الأبرز الصين، التي تعمل بخطى حثيثة على ترسيخ وجودها في أفريقيا، لا سيما من خلال مشاريع بنى تحتية كبرى في إطار مبادرتها “الحزام والطريق”.

والمتتبع لمسلسل الإعداد للمنتدى، يدرك بأن كل المعطيات كانت تشير إلى أن المغرب سيحظى خلال هذا المنتدى بالأولوية في التعاون مع اليابان، خصوصا أنه بات خلال الأعوام الأخيرة “حليفا استراتيجيا” لهذا البلد الأسيوي، في مكافحة التغير المناخي والاحتباس الحراري، ومشروعات صناعية وتجارية واسعة الآفاق. كما حافظ البلدان منذ فترة طويلة على علاقات راسخة للغاية ومتينة، إذ تدعم اليابان أيضا أنواعا أخرى من المشاريع، مثل البناء، والبنية التحتية، والصيد البحري، والزراعة، والصحة. ويتلقى المغرب 3,5 ملايير درهم (حوالي 350 مليون دولار) من اليابان لدعم الأفكار وتنفيذها، إضافة إلى 25 مليار درهم (حوالي 2,5 مليار دولار) على شكل قروض ميسرة.

وعلى هامش “تيكاد-8” بتونس، وعدت اليابان والمغرب غائب باستثمار 30 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لدعم مشاريع بالقارة الإفريقية. وهو ما حمل البعض من باب التمني ربما على الاعتقاد بأن المغرب قد جانبه الحظ، ما دام لم يحضر المنتدى ليفاوض الشريك الياباني.. لكن وزير الخارجية الياباني كان واضحا خلال مكالمته مع نظيره ناصر بوريطة الجمعة 2 سبتمبر أيلول الماضي في تأكيده على أن عديد الشركات اليابانية مهتمة بالاستثمار في المغرب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس