المغرب.. ديناصورات متحجرة ومستحاثات ونيازك للبيع!

347
المغرب.. ديناصورات متحجرة ومستحاثات ونيازك للبيع!
المغرب.. ديناصورات متحجرة ومستحاثات ونيازك للبيع!

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. على مدار الفصول والأعوام، يفد تجار الجملة وجامعو التحف الهواة الأجانب بأعداد كبيرة إلى درعة-تافيلالت. ففي هذه الجهة من جنوب شرق المغرب على أبواب الصحراء والحدود الجزائرية، يقع إقليم الرشيدية الذي يعد مركز التجارة في المستحاثات منذ أربعين عاما. المشكل أن تلك التحف الجيولوجية تعتبر −قانونيا− ملكا للدولة، أي لجميع المغاربة. وبالتالي فإن مكانها الطبيعي يفترض أن يكون هو المتاحف المتخصصة. كما يفترض أن علماء المستحاثات والجيولوجيا هم من يستخرجها من الأرض.. لكن المتاحف المتخصصة غائبة في البلد، وفقر المنطقة يدفع الناس إلى اتخاذ تهريب “ذاكرة الأرض” إلى الخارج مهنة يعيلون منها أسرهم. ورغم صدور قوانين تقيد هذه التجارة، إلا أن تغيير الواقع على الأرض ما يزال بعيدا.
والنتيجة أن استنزاف شواهد الماضي دون حسيب، جعل بقايا الديناصورات والمستحاثات والنيازك تدخل طور الندرة بعد عقود من الوفرة.

الوقت ليل والمكان قرية صغيرة مكونة من بضعة مساكن مؤقتة. هنا، في شرق المغرب وغير بعيد عن الحدود الجزائرية، كانت أضواء السيارة الرباعية الدفع 4×4 تكسر الظلام عندما نزل منها رجل. ذهب ليوقظ رجلا آخر لكي يفتح لنا غرفة يتخذونها مخبأ يخفون بداخله ما يقولون إنه الفك العلوي الضخم لديناصور من نوع mosasaurus. وهو زاحف بحري يصل طوله إلى 18 مترا كان يسبح قبل أكثر من 70 مليون سنة، في البحر الذي كان يغطي هذه المنطقة الصحراوية اليوم. بدا المستحاث المتبقي منه في ضوء الغرفة محفوظا في حالة جيدة. ينتظر الرجل صاحب السيارة مشتريا يبيعه هذه القطعة النادرة، التي يأمل أن يحصل من ورائها على مبلغ 10 آلاف درهم (حوالي 1000 دولار). وهو مبلغ جيد عندما نعلم بأن متوسط الأجر في المغرب هو 233 أورو في الشهر، بحسب دراسة أنجزها البنك الدولي سابقا.

ديناصور مغربي في شيكاغو!

غير أن المشكل يكمن في أن التراث المغربي أصبح اليوم في خطر، وهو ما قد يحدو بالحكومة المغربية إلى التدخل لوقف النهب القائم على قدم وساق. وبالتالي سيفقد مهربو الهياكل العظمية للديناصورات وجامعو النيازك ومستخرجو المستحاثات غير المرخصون، عملهم ويتم تعقبهم كما لو كانوا تجار مخدرات. وبانتظار ذلك وحتى الآن، لا تنزعج حركة استخراج الحجارة والعظام الهائلة النشطة جدا في أرفود (وأيضا في ورزازات، وميدلت، والطاوز، وأزرو وأكدز) الدولة المغربية في شيء.

في مقهى مقابل لمحطة القطار الرباط-المدينة، كان سمير الزوهري جالسا في مقهى يراقب قنينة الماء المعدني التي طلبها. لا يخفي عالم المستحاثات paléontologue هذا، الذي يُدَرس في جامعة الدار البيضاء نوعا من السخط. «في المغرب، كل ما يوجد تحت الأرض هو ملك للدولة. وهناك نص قانوني عام يشمل التراث الذي يأتي من الأرض»، يوضح الزوهري. «لكن بما أن هذا القانون غير واضح، فإن المهربين يستغلون ذلك. إنهم أناس أذكياء ومنظمون بحيث يعرفون كيف ينحرفون عن القانون».

ومثل غيره من الخمسين عالما في المستحاثات الذين يتوفر عليهم المغرب، لا يمر شهر دون أن يكتشف سمير الزوهري أن قطعة اقتلعت من التراب المغربي، قد انتقلت إلى متاحف عالمية أو متاحف خاصة. وقد حدث ذات مرة أن اكتشفوا بقايا الهيكل العظمي لديناصور ضخم من صنف Spinosaurus maroccanusest، معروضة على بعد آلاف الكيلومترات من المغرب، على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وتحديدا في مدينة شيكاغو الأمريكية. فأُخبروا بأن عالم المستحاثات الأمريكي الشهير بول سورينو، هو من قام بجمع الهيكل العظمي قطعة قطعة. «كيف عبرت هذه القطعة النادرة جدا الجمارك؟»، يتساءل محمد بوتكيوط أستاذ علم المستحاثات والجيولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط. بالنسبة إليه فإن هذا الديناصور الذي يصل ارتفاعه إلى خمسة أمتار وطوله إلى 15 مترا، كان ينبغي أن يكون في مِلك المغرب. ويكشف بوتكيوط بأن المتاحف الأجنبية تدفع غاليا للحصول على هذا النوع من الهياكل العظمية الأحفورية، التي يتولى مهربون نقلها على مراحل، من خلال إخفاء العظام في سياراتهم. «بعد ذلك يتم جمع قطع الهيكل العظمي في مكان ما، لبيعه لقاء ملايين الدولارات في كبريات دور البيع بالمزاد». ولذلك «ينبغي تنظيم دورات تكوينية لرجال الجمارك المغربية لإطلاعهم على ماهية المستحاثات. فبالنسبة إليهم هي مجرد قطع من الحجارة»، يضيف بوتكيوط.

اعتداء على العلماء وسرقتهم

بالنسبة إلى مصلحة المعادن والجيولوجيا، التابعة لوزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، فإن القانون يحظر بيع أو استخراج العظام ما لم تحظ العملية بموافقة من الدولة. والأمر نفسه ينطبق على كثير من أنواع النيازك. بيد أن عالم المستحاثات سمير الزوهري يقول: «لم يسبق لي أن سمعت بحصول اعتقالات للمخالفين، أو بحصول عمليات حجز لما نهبوه من باطن الأرض». ثم يضيف قائلا بأن «الدولة لا تفعل شيئا لوقف النهب».

تعتبر مدينة أرفود في أقصى جنوب شرق المغرب عاصمة هذا التهافت على “العظام المغربية”، حيث استقر فيها بعض اليابانيين والإيطاليين والفرنسيين، الذين يقومون بربط الاتصال بالخارج. وهم بذلك ينافسون المغاربة المدربين جيدا، والذين يمتلكون قنوات اتصال نافذة بالزبائن عبر العالم.

«هناك محلات للبيع ومنقبون سبق أن التقيت بهم في الميدان، يمتلكون تجارب لا تصدق رغم أنهم لم يسبق لهم أن درسوا»، يحكي الزوهري. ويتعلق الأمر هنا بفلاحين، وشباب قرويين بلا شغل، وبعض بسطاء المستخدمين المحالين على التقاعد. الجميع يتسلقون يوميا مرتفعات الأطلس، ويتوغلون في الصحراء بحثا عن الكنوز. فتراهم يحفرون ويثقبون ثم يقلبون الأرض بحثا، وأحيانا يدمرون بقايا ديناصورات ضخمة. والسبب في ذلك يعود إلى الطرق والأدوات التي يستعملونها لأنها غير مناسبة، من المجرفة إلى المعول مرورا بالإزميل.

وتعتبر جماجم وأسنان الديناصورات أكثر القطع، التي يكثر عليها الطلب في السوق وبالتالي الأعلى سعرا. بينما يجري تفكيك باقي عظام الهياكل الأخرى بسرعة كبيرة، وهو ما يعرضها للتلف. وحتى عمليات التنقيب الأثرية التي تقوم بها الجامعات المغربية، لا تسلم غالبا من أذى بعض الباحثين واللصوص. ويوضح الزوهري ذلك بالقول: «يحدث طبعا أن يأتي إليها بعضهم محملين بالمعاول (الفاس) ليسرقونا»، قبل أن يضيف: «نحن كباحثين لا نحظى بأية حماية، ولذلك نحرص على أن نستخرج ما عثرنا عليه في اليوم نفسه، أو نتدبر أمرنا لإبقاء موقع التنقيب الذي نشتغل فيه سريا، حتى لا نتعرض للسرقة ليلا أو بالنهار حتى».

ويروي عالم المستحاثات سمير الزوهري، كيف أن عددا كبيرا من زملائه تم رميهم بالحجارة لطردهم من المنطقة، لكنه مع ذلك لا يلوم الأطفال الذين يتم توظيفهم للقيام بذلك. «في البداية كنت قاسيا معهم، لكنني أدركت بسرعة أن الناس يقومون بذلك ليعيلوا أسرهم. وبدونه يمكن أن يقضوا جوعا»، يضيف العالم في المستحاثات.

وبحسب تقديرات مصادر محلية سبق أن نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، فإن 70 بالمئة من سكان مدينة أرفود (ما يمثل زهاء 20 ألف نسمة)، يعيشون من هذا النشاط غير القانوني. ويعلق الزوهري على ذلك بالقول: «بالنسبة إلي، فإن تجار الجملة والزبائن الأجانب، والباحثين المحتالين هم المتهمون الحقيقيون»، بينما الموردون الصغار يبيعون ما يعثرون عليه لقاء مبالغ زهيدة. والسبب هو كونهم يقعون عند بداية سلسلة الإنتاج، بينما تقفز أسعار القطع بشكل صاروخي بمجرد تصدريها للخارج، لتصل بسهولة إلى آلاف أو ملايين الدولارات.

الأمريكيون: المغرب “جنة الجيولوجيا”

يفسح التساهل المغربي المجال لهذا النوع من التجارة، أكثر من الجزائر أو تونس أو ليبيا. فالمغرب يَسْهُل الوصول إليه، وآمن بحيث ليس فيه تهديد إرهابي. ولذلك لا عجب أن يكون من بين أكبر البلدان تصديرا لمستحاثات وعظام حيوانات ما قبل التاريخ المنقرضة والنيازك، إلى جانب البرازيل والصين. ففي جبال منطقة دمنات الأمازيغية، يمكن رؤية الأسلاك الشائكة التي تحيط بمتنزه “إغولتان”، من الطريق التي تقود إلى أعالي الأطلس الكبير. ويتعلق الأمر بموقع بعرض يصل إلى هكتارين. كان ثمة زوار قدموا من الدار البيضاء ليستمتعوا بمنظر البصمات الضخمة، لأثار خطوات ديناصورات عمرها عشرات الملايين من السنوات. «هل ترى تلك القطع من الجبس فوق الآثار؟»، يسأل أحمد وهو دليل سياحي يسكن بدمنات. ثم يضيف موضحا: «المهربون هم من قاموا بإفراغ الجبس عليها حتى يتمكنوا من الحفر من حولها دون تعريضها للكسر».

وبالفعل فإن بعض الآثار قد اختفت تماما، على الرغم من وجود السياج الذي أقيم منذ سنوات، إثر زيارة للأسرة الملكية للموقع. فذلك لم يمنع المهربين من القيام بنهبها ليلا، بمساعدة من بعض السكان المحليين الذين تم إرشاؤهم بمبالغ كبيرة. لقد قام عبد السلام (42 عاما)، وهو حارس الموقع، ببناء منزله على بعد أمتار من الآثار، بحيث أنه حتى وإن كان خارج المتنزه الجيولوجي، فإنه يبدو محاطا بآثار خطو الديناصورات. «أنت تقول لي بأنه من وراء بيع هذه الآثار يمكن لي أن أشتري ثلاثة منازل، مثل منزلي الذي لم أتمكن بعد من إتمامه؟؟» يسأل عبد السلام ممازحا. تأتينا زوجته بالشاي المنعنع، فيقطع حارس الموقع كسرة خبز وهو جالس وسط آثار خطوات الديناصورات، ويقول: «آثار الخطوات تقريبا لا أحد يهتم لها هنا، لأنها لا تجلب لنا مالا. وفي هذه الظروف، يستطيع المهربون القدوم لسرقتها بعد أن يشتروا تواطؤ السكان المحليين بالمال لكي يساعدوهم».

وسط هذه الأخبار السيئة عن نهب التراث المغربي، تظهر إلى السطح نقط إيجابية. فقد مكنت تنقيبات صغار الباحثين علماء المستحاثات من القيام ببعض الاكتشافات. يقول محمد بوتكيوط أستاذ علم المستحاثات والجيولوجيا، بهذا الصدد: «إن المغرب يعتبر جد مميز من ناحية طبيعته الجيولوجية، لوقوعه عند حافة جيولوجية قامت بحفظ جميع الطبقات الأرضية، منذ ما يزيد على ثلاثة مليارات سنة وحتى اليوم».

وثمة نقطة إيجابية أخرى يضيف بوتكيوط، «تتمثل في أن المغرب بلد لا يحظى بتساقطات مطرية كثيرة، ما يسمح لنا بالوصول إلى حقول الاستخراج عن طريق الملامسة الخفيفة، عكس الدول الأوروبية التي تغطيها غابات تخفي كثيرا من الأشياء في باطن أرضها. فهنا في المغرب كل شيء في المتناول، ولذلك يطلقون على المغرب منذ مدة طويلة لقب (جنة علماء الجيولوجيا)».

تاريخ الأرض للبيع!

على الرغم من تعدد الاكتشافات في مناطق لا تزال غير معروفة بالمغرب، إلا أن السلطات لا تتفاعل بالحساسية المفترضة مع حالة الاستعجال التي يطرحها الوضع. فالمتاحف المتخصصة بحفظ المستحاثات وكنوز الجيولوجيا المغربية الغنية لا تزال غير موجودة، والمبادرات النادرة في هذا المجال تبقى محدودة للغاية.

عند مخرج مدينة أرفود (بالجنوب الشرقي للمغرب)، نلتقي صياد النيازك “حامي” في واجهة مقهى. بدا غاضبا بسبب الوتيرة التي تجري بها الأمور في اتجاه إنهاء حالة التسيب، التي ظل القطاع ينعم بها. يقول: «حتى لو رغبوا [يقصد السلطات المغربية] في منعنا سيكون ذلك مستحيلا. ثم يضيف: “سأخبرك لماذا. ببساطة لأنهم بمجرد أن يقولوا للناس (توقفوا!)، سيتدفق الجميع من وجدة حتى الصحراء، للاعتصام أمام البرلمان [في الرباط]. هل تعتقد بأننا نعشق حفر الجبال؟ نحن لا نفعل ما نفعله من أجل المتعة. فمن بدون هذا النشاط بماذا سيعيش الناس هنا؟ فإذا ما استثنينا الأحفور fossile، لا يوجد سوى ثلاثة أشياء هنا: التمر والحجارة والرمل».

بالقرب من المحطة الطرقية للمدينة، التقينا حسن الذي يحب أن يلقبه الناس بـ (ملك الصحراء). أخذنا في جولة لزيارة ملكيته، التي تبعد 17 كلم عن أرفود، والمتخصصة في تقطيع الكتل الحجرية وتلميع المستحاثات حيث يشغل 22 شخصا. كان ثمة آلة ضخمة بشفرات حادة تخترق كتلا من الحجر تم جلبها من أحد المقالع، لتصنع منها تحفا تلبي كل أذواق عشاق المستحاثات: حمامات جاكوزي متعامدة، ومغاسل، ومراحيض من حجارة كريمة، كانت تنتظر في الظل أن يتم تصديرها إلى ماليزيا، والنمسا وكندا. ويصل سعر بيع حمام الجاكوزي الواحد المصنوع من هذه الحجارة التاريخية إلى حوالي 20 مليون سنتيم مغربي [قرابة 20 ألف دولار]، بينما أشار لنا حسن نحو صفيحة ضخمة صنعت من تجميع ألواح صخرية نادرة، قال إن متحفا كنديا خاصا دفع مقابل الحصول عليها ما يناهز 25 مليون سنتيم مغربي [حوالي 25 ألف دولار].

مقاولة حسن تعمل بطاقتها القصوى، نظرا للطلب الكبير على منتجاتها، وقد امتلأ متجرها الخلفي بمستحاثات حقيقية تتضمن حشرات مر على تحجرها آلاف الأعوام، إلى جانب أخرى مزيفة معروضة للبيع للسياح الأقل ثراء. «عندما ينتهي موسم السياح الفرنسيين والبلجيكيين، نستقبل زيارات الألمان والنمساويين الذين لا يقلون عنهم نهما للمستحاثات»، يقول حسن وهو يفرك يديه.

الحجر إذ يصبح رزقا

كان بشير من قبل بائعا للزرابي الأمازيغية، قبل أن يتحول إلى الاتجار في المستحاثات والنيازك منذ 20 عاما. يقول إنه لم يقبل يوما شراء عظام الديناصورات من الموردين، لأنه يعتبر الاتجار فيها خطرا عليه. لكنه يتلقى كل شهر زيارة عدد من رجال قبائل الرحل، إما مربي ماشية أو متشردين، يعرضون عليه كما كبيرا من الحجارة الثمينة. هؤلاء الناس لا يتوفرون على أية رخصة، ولذلك يمكن أن يبيعوه نيازك أو أحافير لها قيمة كبيرة، بما يضمن حصولهم على لقمة يسدون بها الرمق فقط.

يوضح بشير بأن «كل شيء يعتمد على ما يجلبونه لي. لكنني اعتدت على تصدير حاويات صغيرة نحو الولايات المتحدة، لأعيد بيع حجارة لزبائني قد يصل وزن بعضها إلى 350 كلغ». وبالفعل، أصبح بشير وشقيقه معروفان حتى من قبل صيادي النيازك في الصحراء الجزائرية والموريتانية. يشرح بشير وقد تدلت نظاراته على أرنبة أنفه بأن أولئك الصيادين «ينصتون للراديو ويرتبطون بالأنترنت، بحيث يتابعون أخبار الناسا [وكالة الفضاء الأمريكية]، لمعرفة متى وأين سيسقط نيزك نادر قادما من الفضاء».

ويضيف بأنه يشتري منهم في الأوقات العادية النيازك بما يعادل 700 درهم مغربي [حوالي 700 دولار] للغرام الواحد، ليعيد بيعها بـ 1500 درهم للغرام [150 دولارا]. وقد بلغ من تهافت الناس على “صيد” النيازك في المغرب، أنه بحسب بشير «ذات مرة سقط نيزك كبير من الفضاء، بلغت قيمته مليون سنتيم [1000 دولار] للغرام، فخرج الناس للبحث عنه عائلات بكامل أفرادها. وقاموا بتمشيط الصحراء طولا وعرضا، مشكلين سلاسل بشرية حتى يتمكون من تغطية أكبر مساحة ممكنة على الأرض».

يدخل رجل فجأة إلى متجر بشير ويخرج حجرين من حقيبته. الأول مثلث الشكل كان يحمل نقوشا بدائية، والآخر كان حجرا أقل وزنا لكن لامعا. كان الرجل يعتقد أنه جلب لبشير نيزكا وحجرا أثريا كان مقدسا لدى القدماء الذين استعملوه في طقوس تعبدية. أخرج بشير مكبرة وتفحص الحجر اللامع، ليكتشف بأن الرجل جلبه من بحيرة مالحة جفت وبالتالي هو بلا قيمة بالنسبة إليه. بينما رفض شراء الحجر الآخر المنقوش. انصرف الرجل خاوي الوفاض، فشرح بشير موقفه قائلا: «أفضل أن أبقى حذرا في ما يخص المقتنيات الأثرية. فحتى بيع بعض النيازك لم يعد مأمونا اليوم».

الندرة بعد البحبوحة

غير بعيد من مقلع مرزان “القانوني” قرب أرفود، تنتشر عشرات الحفر وشبكات الأنفاق التي تخترق منظر الأرض القريب الشبه بسطح القمر. وعندما تهب الريح تكنس الرمل فتُعري الصخور المليئة بالأحافير. كان محمد (40 عاما) مستغرقا في نحت صفيحة حجر، ليستخرج منها طحالب متحجرة. يشرح لنا بأنه يُزاوج بين العمل في بعض الورشات الصغيرة وهذا العمل (الحر). وتتباين مداخيله بحسب بصيرته. يحكي: «يتم الدفع لي بحسب حجم الصفيحة التي أعثر عليها. فبقدر ما تكون كبيرة، بقدر ما أربح المال. لكن يحدث أن يمر علي شهر كامل من دون أن أعثر على أي منها». ويبيع محمد الصفيحة الواحدة بحوالي 400 درهم مغربي [حوالي 40 دولارا]. وإذا ما ابتسم له الحظ فقد يُخرج حوالي عشر صفائح في اليوم. هذا إذا لم ينهر النفق فوق رأسه. يقول: «ثمة مخاطرة إذ يحفر البعض أكثر فأكثر عميقا وبعيدا تحت الأرض».

غير بعيد عن النفق الذي يشتغل فيه محمد، يوجد نزل (ألْحُو) في قرية مرزان الصغيرة التي يعود تأسيسها إلى العام 1966 مع افتتاح مقلع المستحاثات. وكغيره من سكان القرية، ينحدر (ألحو) من أسرة قبائل رُحّل استقرت قريبا من الموقع.

لقد وفرت الأحافير والنيازك الشغل والمداخيل للرُّحّل، والمقلع الذي نتحدث عنه يقدم أسطع مثال على ذلك. «كان الأمر جيدا بالنسبة إلينا في السابق، لأن العمل في التنقيب عن الأحافير والمعادن مكننا من الحصول على مداخيل. وسمح لنا بالتالي بالبقاء في بيئتنا الأصلية: الصحراء والجبال»، يعترف (ألْحُو). خلال عقد الثمانينيات كان المقلع يعيش أوج مجده، لكن الأحافير باتت اليوم قليلة على وجه الأرض. «من المؤكد أن الأحافير باتت قليلة، لكن هناك أيضا منافسة أكثر من ذي قبل»، يقول محدثنا. منافسة بانتظار أن يتضح ما إذا كانت السلطات المغربية سوف تغير قواعد هذا البحث عن الكنوز الجيولوجية أم لا..

القانون بانتظار التفعيل

بتاريخ الخميس 16 مايو 2019، أومضت بارقة أمل عندما صادق مجلس الحكومة أخيرا وبعد طول تردد، على مشروع المرسوم رقم (2.19.968)، الذي يهدف إلى «الحفاظ على التراث الجيولوجي الوطني وتثمينه»، كما ينص على مجموعة من التدابير والمقتضيات القانونية، الرامية إلى «تنظيم وتقنين الأنشطة المتعلقة باستخراج وجمع وتسويق العينات المعدنية والمستحاثات والنيازك». ويحدد هذا القانون طرق وشروط «منح التراخيص المتعلقة باستخراج وجمع العينات المعدنية والمستحاثات والأحجار النيزكية، وكذا سحب التراخيص المتعلقة باستخراج وجمع العينات المعدنية والمستحاثات والأحجار النيزكية، واستيراد وتصدير الأحجار النيزكية».

وقد صدر هذا المرسوم تحت ضغط الباحثين المغاربة في علوم الجيولوجيا والمستحاثات، بجامعات الرباط والدار البيضاء وأكادير على الخصوص. ونذكر منهم على سبيل المثال أستاذ الجيولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط د. محمد بوتكيوط، الذي يرى بأن «النيازك هي مِلك لبلدنا ولتاريخنا، بما هي تراث وطني ثري علينا الحفاظ عليه». ويقترح بوتكيوط لتفعيل ذلك القانون خلق «لجان وطنية وجهوية توكل إليها مهمة السهر على الحفاظ على التراث المغربي، من خلال المنع الصارم لبيع وتصدير أي نيزك».

وبانتظار أن يجد المرسوم الخاص بـ «الحفاظ على التراث الجيولوجي الوطني وتثمينه» طريقه إلى التفعيل في الميدان، تستمر النيازك النادرة والمستحاثات والقطع الجيولوجية المتنوعة وبقايا الديناصورات، في توفير مصدر رزق مهم بالنسبة إلى آلاف الأسر، في مناطق صحراوية فقيرة مثل طاطا، وزاكورة، والسمارة، والزاك، وتنغير، وأرفود. ويعتبر أغلب أفرادها إما رُحَّلا، أو وسطاء ينتظمون ضمن شبكات تجمع صيادي وتجار التحف الجيولوجية. ولذلك يحرص المهتمون بالجيولوجيا وتاريخ الأحافير على ربط صلات دائمة بالوسطاء وهواة جمع النفائس، حتى يكونوا على علم بمستجدات ما يُعثر عليه. ومن بين أولئك الهواة، يجري الحديث عن متخصص فرنسي شهير في الجيولوجيا، راكم على مدى أكثر من عقدين من الزمن مع عائلته ثروة كبيرة، من وراء الاتجار في النيازك المغربية التي يبيعها لمتاحف ومختبرات عالمية. ففي محاولة منه للضغط على الحكومة قبيل إصدار المرسوم المذكور، كان أطلق تصريحات في وسائل إعلام دولية، يحذر فيها من أنه «إذا منعت الحكومة المغربية هذه التجارة، فإن كثيرا من الناس في المناطق الصحراوية المغربية سوف يموتون جوعا».
والآن وقد مر أكثر من عامين ونصف العام على صدور ذلك القانون، ما يزال حبرا على ورق بانتظار أن “تنضج الظروف” لتطبيقه…

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس