التآمر على البوليساريو.. لماذا يغدو الفشل ذريعاً؟

14
التآمر على البوليساريو.. لماذا يغدو الفشل ذريعاً؟
التآمر على البوليساريو.. لماذا يغدو الفشل ذريعاً؟

محمد الفاروق

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. لم تسلم البوليساريو، كتنظيم طلائعي عبر تاريخه،،من سياسات المرافقة المشبوهة، التي انتهجتها أنظمة معادية. فمنذ البدايات، رافق المشروع التحرري الوطني الصحراوي، أجندات القرصنة ومسارات الإختراق، عبر التنظيمات الموازية.

يُعَلمنا تاريخ الإنسانية، أن تحرك الشعوب نحو نيل الاستقلال والكرامة، كان محفوفا في الغالب، بمحاولات الاحتواء من طرف أعدائها، بشتى أساليب، التشويش والتشكيك والعرقلة؛ تارة بمسميات وطنية، وفي مرات أخرى، تحت يافطات الديمقراطية، والسلام والخلاص!!.

انتظر الاستعمار الإسباني، المؤتمر الثاني للبوليساريو، ليعلن عن تأسيس، حزب الإتحاد الوطني الصحراوي (البونس)، في 20 أغسطس 1974، والذي جاء كمحاولة لمزاحمة البوليساريو، والحد من تأثيرها المتسع، وانتشارها الكاسح، ولتبيان أن الموقف الشعبي الصحراوي من التواجد الاستعماري، غير موحد، ويحمل رؤى متباينة؛ لكنه سرعان ما فشل، في شلّ حركة التاريخ، وفي كسر الالتفاف، على الوليد الثوري، الذي نجح في طرد المستعمر، في زمن قياسي؛ ومع رحيل هذا الأخير، اختار بعض زعماء “البونس” الإنخراط في الأجندة الجديدة، ورسكلة أنفسهم، في المنظومة الاستعمارية الجديدة، بمسميات مختلفة، ولكن بذات الأهداف والغايات؛ لي الوقت الذي أجمع وخصّ، الشعب الصحراوي، الجبهة الشعبية، بوحدانية التمثيل ومرجعيته؛ وهو ما أكدت عليه، بعثة تقصي الحقائق الأممية في تقريرها، إبان زيارتها للمنطقة مارس 1975.

لقد تشرّب الشعب الصحراوي، عقيدة البوليساريو، كمُثل وقيم ومبادئ، وتمثّلها قاطبة، حتى غدت منه بمثابة الروح من الجسد. وفي سبيل تأصيل دعواه الاستعمارية، جاءت محاولات تخليق المسمّيات وفرض الوصاية، والتبني المشبوه، والتي كانت حاضرة، لضرب مسار كل حركة تحرر وطنية، وهي تكاد تكون أساليب تقليدية معهودة لدى كل مستعمر.

وتزامنا مع بدايات التفاعلات الوطنية، مع مطالب الاستقلال، وتشكل الوعي الوطني، كانت حركة الرجال الزرق “الموريهوب” سنة 1972، و”جبهة التحرير والوحدة” المغربيتان، أكبر وأبلغ الدلائل، على ما يحاك ضد الشعب الصحراوي؛ وهي محاولات مكشوفة، دفع بها، نظام السفاح، الحسن الثاني، لمجاراة واحتواء، ما يعتمل في المنطقة.

وإبان المناورات المغربية-الموريتانية، لتبرير الاجتياح، واحتلال الصحراء الغربية، وتنفيذ مشروع التقسيم، منتصف السبعينات من القرن الماضي، قدم البلدان لمحكمة العدل الدولية، حزمة من الأباطيل، والأراجيف المتنوعة والمتعددة، اختيرت لها، وبصورة مضحكة، أدوات صحراوية، وبريد صحراوي، وأحلام من التوسع، وشهية مفتوحة للإبتلاع والإقبار!!!. فعمد نظام الرئيس الموريتاني، المخطار ول دداه، على تفريخ “جبهة تحرير الصحراء وضمها “.

وبعد قمة نيروبي 1981، التي قبل فيها الحسن الثاني، تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، أعلن في شهر اغسطس، عن إنشاء ما يسمى “المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية ”، وهي نسخة رديئة، سيئة التنقيح، من محاولات التشويش، عبر بعث الروح، في هيئة شبحية، من خلال تسطير الهيكلة، والانتقال نحو المأسسة، كاستجابة للظروف والمعطيات الجديدة، التي فرضتها تطورات الحرب، ولاستيعاب وامتصاص، وقع الهزيمة العسكرية، وما ترتب عليها من ضغط دولي، لفرض الحل.

وبعد ما يرْبو على عقدين من الزمن، وقبيل اقتراح الإسبان والأمريكيين، لما يسمى بمشروع “الحكم الذاتي”، اعلن ملك الإحتلال، محمد السادس، في 2006، تأسيس ما يسمى “بالكوركاس”، لنفس الأهداف والمخططات؛ أي أنه، وأمام المحطات والتحولات الكبرى، التي تعرفها القضية الصحراوية، يسارع نظام الإحتلال -في كل مرة- ومن ورائه الأطراف المعادية،،إلى محاولة المحاصرة، باختراع الخط الموازي، والدفع ببعض الأدوات، إلى واجهة الأحداث، خدمة لتلك الأجندات.

المفارقة العجيبة، هي أن هذه المرة، وبعد فشل النظام الإسباني والمغربي، كلٌّ على حِدَة، ينخرط الثنائي المذموم، في تفريخ صنيعة مشوّهة، ولدت ميتة، في محاولة جديدة للتأثير البصري، تروم الدخول من بوابة التآمر المشترك الذي يرى رعاته، من الاشتراكيين الإسبان (ثاباتيرو – بونو – أغيلار)، إن إزاحة البوليساريو، من مشهد الحل، هو السبيل الحصري، الذي يفضي إلى تصفية القضية الصحراوية، بدلا من تصفية الإستعمار!!.

فأمام اختبار الثوابت الوطنية والتاريخ.. لم ينجح أحد!! والحقيقة أنه، مهما كثر المتآمرون، فلا أحد يمكنه، أن ينجح في التآمر عليك، إذا لم تتآمر على نفسك. وهنا يزداد تعويل، أولئك المتآمرون، على رهان الأوضاع الداخلية الصحراوية.

والحال هذه، فحريّ بالنخب الوطنية، تفادي الإنغماس في الممارسة السياسوية السلطوية؛ إذ أن الأخيرة، مدعاة لإقبار المشاريع الثورية والوطنية الكبرى، ولكنها بالمحصلة، ليست مبررا ، يجعل منها مطية، للإنخراط في انحرافات لا وطنية، تُبعد الجميع عن الوطن، انطلاقا من التلاعب بفكرة الوطن والوطنية، كقيمة مرجعية، لتبرير المشاريع الانحرافية؛ ذلك أن أي إنغماس من ذلك القبيل؛ هو الذخيرة المجانية، التي قد تمنحها الغفلة، لكل متربص ومتآمر.

إن الانتقال إلى السرعة القصوى، نحو الفعل الوطني، المؤثر والحاسم، كفيل وحده -كما علمنا تاريخنا- بإسقاط تلك المشاريع، وتحويل أصحابها إلى متقاعدين؛ في إنتظار، الخطة البديلة، والمشتري الجديد للقناعات، والأهواء، كما هو الفشل الذريع المحتوم.

فأين هو زبد كل صنوف التنظيمات الموازية المتكالبة جميعها؟ وأين وكلاؤها الذين تخلفوا، بل حاولوا إعتراض مسار وحركة التاريخ؟.

وفي يوبيل البوليساريو الذهبي، وفي أفق مؤتمرها السادس عشر، تأتي المناورة الأخيرة (مجموعة ثابتيرو-بونو من أجل السلام)، كما سابقاتها؛ كمحاولة يائسة، لقتل ماهو روحي، ومجابهته بإختلاق فبركات، لا تتعدى الدعاية المحضة، من خلال تشكيلة هجينة، واستزراعها بأشياء مصطنعة، في مجموعات انتهازية منتفعه، ولوبيات أجنبية، ومتساقطين.

والحالة المطمئنة، أنها ردات فعل شكلية َظرفية وسطحية، لا تمتلك مقومات نفسها، بلا عمق ولا حاضنة، ولا جدية، وليست لها قابلية للإستمرار.. ولا ترقى إلى الفعل، الذي هو فعل ناضج، توليدي متجذر، وحالة وعي، وعقيدة، آمن بها الشعب واختبرها.

فلا يمكن أبدا أن تُهزم الروح مهما كان…

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس