العدالة الانتقالية .. قضايا شهداء الثورة تسير ببطء !!

55

بقلم : خالد الفكى

أفريقيا برسالسودان. تأتي قضية “المحاسبة والعدالة” على رأس تساؤلات ملحة ظل يطلقها الشارع السوداني لحكومة الانتقال وكافة مؤسساتها خاصة العدلية والقضائية، حيث تتمدد المخاوف داخل نفوس ذوي الضحايا تحديداً الشهداء الذي لم يحرز أي تقدم مهم في ملف العدالة المتعلق بقضاياهم لذا تتحرك بين الفنية والأخرى المواكب والمظاهرات نحو مقار مجلسي السيادة والوزراء والنيابة العامة بغية إيصال الصوت العالي بضرورة الإسراع في تحريك تلك الملفات التي ظلت قابعة في تقارير النيابة لمدة تتجاوز العامين، وأن كانت هناك خطوات ولكنها توصف بالكسولة.

مكامن الخلل

انتقادات عنيفة طاولت الأجهزة العدلية، المتهمة من قبل التنظيمات الثورية بالتباطؤ في تحقيق العدالة الانتقالية، ومحاكمة رموز النظام السابق، وفي القصاص للشهداء، ومع تلك الانتقادات أقال مجلس السيادة الانتقالي، الشهر الماضي، رئيسة القضاء، نعمات عبد الله، وقبل استقالة النائب العام السابق تاج السر الحبر، وكلّف مبارك محمود بمهام النائب العام.

عدم تطبيق العدالة الانتقالية في السودان سيؤدي إلى تعميق وتأزم الأوضاع الأمنية والاجتماعية وزيادة حدة الاستقطاب الإثني والسياسي واندلاع الحروب الأهلية، وفقاً لمحمد يس النجومي، الأكاديمي والمتخصص في حقوق الإنسان والعلوم السياسية، الذي قال لـ “أفريقيا برس”، أن العدالة الانتقالية في السودان تواجه تحديات عظيمة بسبب عدم توفر الإرادة السياسية للحكومة الانتقالية والحاضنة السياسية وبسبب ضعف وضمور آليات ومؤسسات العدالة وانهيارها نتيجة التسيس وعدم توفر الموارد المادية والبشرية، كما أشار إلى انعدام ثقافة حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون في المجتمع السوداني.

محجوب التاج محجوب إبراهيم ، طالب بالسنة الثانية بكلية الطب جامعة الرازي قتل إثر تعرضه للتعذيب من قبل عناصر الأمن

وقد أعلنت النيابة العامة إحالة ملف 11 متهماً من جهازي الأمن والمخابرات إلى المحاكمة بتهمة قتل أحد الطلاب الجامعيين، أثناء الحراك الثوري ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وأوضحت النيابة ، أن من بين رجال الأمن المتهمين بقتل الطالب الجامعي الشهيد محجوب التاج، ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة عقيد، وثالث برتبة نقيب.

بالمقابل يرى المحامي وأستاذ القانون الدستوري بالجامعات السودانية الدكتور شيخ الدين شدو، أن ملف القصاص من قتلة الشهداء مسؤولية النائب العام والسلطة القضائية وتجمع المهنيين وتحالف قوى الحرية والتغيير، مُبدياً خلال حديثه لـ “أفريقيا برس” أسفه على ضياع الشرعية الثورية و التي كان يمكن أن تحقق العدالة لضحايا الثورة.

 

عبد العظيم بابكر طالب جامعي قتل إثر رصاصة مباشرة نحو الصدر

وأفاد المتخصص فى مجال حقوق الانسان والعلوم السياسية محمد يس النجومي، بأن العدالة الانتقالية هي مجموعة من التدابير السياسية والإدارية والقضائية والاجتماعية تهدف لجبر الضرر وتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة الجناة المنتهكين للحقوق الإنسان وضمان عدم الإفلات من العقاب، مبيناً بأن للعدالة الانتقالية عدد من الأشكال والنماذج تتسم بتنوع الآليات والمؤسسات العدلية التي تعمل في انفاذها وذلك باختلاق المجتمعات ومستوى تطورها الحضاري والقانوني والسياسي.
وقُتل محجوب التاج، في يناير 2019، وذلك بعد اعتقاله بساعات من مقر جامعة الرازي بالخرطوم التي يدرس بها، وأفادت تقارير أولية في حينها عن تعرضه للضرب العنيف، وفشلت محاولات إنقاذ حياته، بعد نقله إلى المستشفى.

غياب القانون

ووفقاً لرؤية الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق على حسن، بأن مسار تقديم ملفات الشهداء للمحكمة، لا يوجد به عمل حقيقي، موضحاً لـ “أفريقيا برس”، بأن الموجود مخاطبات سياسية للرأي العام وغير قانونية، حيث أن النائب العام شكل نيابة خاصة بالشهداء، وهذه النيابات الخاصة والمتخصصة من بدع النظام البائد والذي شكل نيابات متخصصة للضرائب وجبايات المحليات والكهرباء والإتصالات. وتابع حسن بالقول “النيابات المتخصصة تمس العدالة وقد تصيبها في مقتل ، كان النظام البائد يشكل النيابات الخاصة لأغراضه الخاصة، تشكيل نيابة خاصة بالشهداء لا معنى لها و إرباك في الإختصاص وتبديد للقدرات والامكانات”.

وكانت النيابة العامة قد نفت ما جاء في وسائط التواصل الاجتماعي عن إبعاد النائب العام المكلف وكلاء نيابة مسؤولين من الإشراف على قضايا شهداء ثورة ديسمبر، مؤكداً أن تلك المعلومات عارية من الصحة، وأن وكلاء النيابة المشار إليهم ما زالوا يباشرون أعمال التحريات والتحقيقات في بلاغات شهداء الثورة كالمعتاد، وأن النائب العام المكلف ظل في اجتماعات متواصلة معهم لدفع العمل الى الإمام لإحالة الملفات إلى المحاكم المختصة.

المحامى وأستاذ القانون الدستوري بالجامعات السودانية الدكتور شيخ الدين شدو، أستغرب أن يكون عمل لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة بقانون العام 1954، موضحاً أن هذا القانون صلاحياته تنحصر فى اجراء التحقيق وتسليم النتائج للسلطات دون المضي في تنفيذ النتائج وتوصيات التحقيق مما يعني ضياع حقوق الضحايا وعدم تحقيق العدالة المنتظرة. وتقول منظمات حقوقية، ومصادر طبية، إن عدد الذين قتلوا أثناء الحراك الثوري قبل سقوط نظام البشير وصل إلى 90، فضلاً عن مئات الجرحى.

وبشأن العقبات التي تواجه تنفيذ العدالة الانتقالية، يرد الامين العام لهئية محامى دارفور على سؤال “أفريقيا برس” قائلاً : أهم العقبات الرغبة، فالرغبة غير متوفرة، غالبية الجرائم المرتكبة يتحصن أصحابها بالسلطة ويتعاملون مع العدالة الجنائية على أساس أنها تسهل الإفلات من العقاب، هم لا يعترفون بارتكاب الجرائم والعدالة الجنائية تبني على حقيقة َالاعتراف أولا ثم التماس المصالحة من التسامح والتراضي، وتابع “الآن العدالة الانتقالية تعني تسوية القضايا من دون الوصول للجناة وقد يكون الجاني هو نفسه من يشرف على مراسيم العدالة الانتقالية”.

مخاوف التسويات

الجدل الدائر في أوساط الشارع السوداني لا ينحصر فقط حول مصير محاكمة رموز النظام السابق، بل الخشية تتسع يوماً بعد يوم من ألا تطال العدالة مرتكبي الجرائم، وفي خضم أسئلة الشارع الملحة حول تأخر المحاسبة، باستثناء محاكمة رموز انقلاب الإنقاذ 1989، والذي جاء بالنظام السابق عنوةً إلى السلطة، تتصاعدُ المخاوف من تسويات تمت، أو تجري حالياً تضرب مطالب العدالة في مهدها.

يؤكد المتخصص في مجال حقوق الانسان والعلوم السياسية محمد يس النجومي، بان التأثيرات المرتبة على تأخر ملف القصاص من قتلة شهداء الثورة السودانية، يتثمل في الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي يؤدي للتدهور الأمني والاقتصادي.

وذهب استاذ القانون الدستوري في الجامعات السودانية شيخ الدين شدو نحو المطالبة بفصل ملف قضايا الثورة وعلى رأسها الشهداء، عن العمل السياسي المتعلق بالعدالة الانتقالية، مُحملاً النائب العام كافة الاخطاء التي وقعت خلال المرحلة السابقة والتي قادت لتآخر و اعاقة تقديم ملفات قضايا مهمة للمحاكم.

وشدد على أن محاكمة رموز نظام ثلاثين من يونيو وعلى رأسهم البشير لاتستحق سوى ساعة لاصدار الحكم النهائي بالاعدام على البشير والذي أقر بقيادته انقلاباً على السلطة المدنية و أردف قائلاً “بنص قانون القوات المسلحة البشير يستحق الاعدام رمياً بالرصاص في الدروة ( مكان اطلاق النار لدى العسكر) لكونه خالف القانون وتمرد على السلطة الشرعية في البلاد.

وقالت “هيومن رايتس ووتش” إنه ينبغي للحكومة الانتقالية الإسراع بالإصلاح القانوني والمؤسسي وإحراز تقدم واضح في مبادرات العدالة المحلية. ينبغي للمانحين الدوليين التعجيل بتقديم المساعدة لدعم أجندة الإصلاح للحكومة الانتقالية.

ونوه أستاذ القانون الدستوري شيخ الدين شدو على أن فكرة العدالة الانتقالية تعني تجاوز مرارات الحرب بعد نيل اعتراف الجناة بفعلهم وقبول الضحايا وذويهم للامر ، لافتاً إلى تجارب تمت في جنوب أفريقيا ورواندا، مُضيفاً ” السودان يحتاج لتنفيذ العدالة الانتقالية ولكن لابد من معاقبة الضالعين في جرائم ضد الانسانية والفساد خلال العهد البائد ثم الصفح الشامل على الجميع من غير الجناة.

بالمقابل أفاد الامين العام لهيئة محامي دارفور “أفريقيا برس”، بشأن مدى إنسجام القوانين الراهنة مع أهداف حكومة الثورة، بأن القوانين سارية المفعول هي نفسها القوانين التي أصدرها المخلوع، الوثيقة الدستورية معيبة، أبقت الحال على ما هو عليه حتى القانون الذي يطبق وتخضع له تنظيمات قوى الثورة هو قانون التنظيمات والأحزاب الذي أصدره المخلوع، واضاف ” لذلك الفريق محمد حمدان دقلو يتمسك بقانونية وجود الدعم السريع بمرجعية برلمان المخلوع”، مبيناً أن مشرع قوى الحرية والتغيير قنن لإستمرار النظام البائد، ما حدث بعد الثورة مجرد تغيير البشير واستبداله بآخرين والوضع بقي كما هو .

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here