حتى لقاحات الغلابة وضعاف الحال لـم تسلم من تحيّلهم!

18
حتى لقاحات الغلابة وضعاف الحال لـم تسلم من تحيّلهم!
حتى لقاحات الغلابة وضعاف الحال لـم تسلم من تحيّلهم!

افريقيا برستونس. من يوم لآخر تترسّخ في أذهان غالبية التونسيين أنّ الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد بكل مكوناتها وحزامها السياسي الملغوم سائرة على مهل الى زوال محتوم وغير مأسوف عليه في ظلّ ممارسات وسلوكات تكشف في كلّ مرّة عن عجز وفشل وقصر نظر على كل المستويات اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وخاصة أخلاقيا بعد ما تسرّب من حقائق مهينة ترتقي إلى درجة الفضائح المشينة كان عنوانها هذه المرّة التلاقيح الخاصة بفيروس كورونا والتي ضربت مصداقية حكومة هشام المشيشي في مقتل بعد أن تمّ القيام بتلقيح أعضاء الحكومة ومستشاريهم وأعضاء دواوينهم خلسة وبطريقة سريّة وغير شفّافة إضافة الى تمتّع بعض النواب وبعض المقربين منهم ومن ذويهم بلقاحات موازية خارج المسالك القانونية التي تضبطها منظومة evax التابعة لوزارة الصحة.

فضيحة دولة بامتياز هو أٌقّلّ ما يمكن قوله بخصوص تصرّف حكومة هشام المشيشي التي اختارت في العتمة سرقة لقاحات تعود لمواطنين من ضعاف الحال ومن أًصحاب الأولوية التي ضبطتها المنظومة الصحية المقاومة للجائحة في تصرّف ينمّ عن أنانية وانتهازية وعدم مسؤولية لا يليق بحكومة من المفروض أن أساس وجودها هو العدل والمساواة واحترام الأولويات والذات البشرية.

صفعة على الخدّ…

الحديث عن «سرقة» اللقاحات يعتبر المسمار الأخير الذي يدقّ في «نعش» الحكومة الغارقة في توزيع وصفات الفقر والتجويع والتهميش والتي لم يكفها فشلها في حلحلة الاشكالات والملفات الحارقة التي تواجهها فزادت في عزلتها وفي خيبتها بعد أن فقدت كل مصداقيتها والتهمت القليل المتبقي من رصيد الثقة التي تملكه بتصرّفها الأخير والذي يعتبر من وجهة نظر كثيرين سقطة أخلاقية وفضيحة دولة على غرار ما قاله الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي الذي اعتبر أنّ تلقيح أعضاء الحكومة الآن وفي هذا التوقيت بالذات وبتلك الطريقة سقطة أخلاقية وفضيحة دولة وجريمة دولة ناعتا الحكومة بـ «الكاذبة والسافلة» .

المغزاوي يرى أن النموذج اللبناني في تونس اكتمل وهو نموذج الاقطاع السياسي الذي يمكّن السياسيين من كل الامتيازات بمعنى أن تصبح في تونس طبقة مميزة تلقّح في البداية وقبل الجميع وتهرب عند المحن والازمات خارج البلاد.

الرواية حسب ما رواها المغزاوي وبعض النواب المعارضين لممارسات الحكومة تفيد بأن الحكومة قامت بتحويل وجهة 60 ألف جرعة لقاح من المنظومة مخصّصة أساسا لمواطنين ولضعاف الحال تمّ توجيهها لأصهارهم واصدقائهم وفيهم من هو عمره 35 و40 سنة في حين هناك من تلقى الجرعة الاولى منذ فترة طويلة ومازال الى حدّ اللحظة ينتظر تلقي الجرعة الثانية. ما قاله المغزاوي لم يكن مجرّد تخمينات فالنائب هشام العجبوني فتح النار هو الآخر على حكومة المشيشي عندما وصف فعلتها بالسقطة الأخلاقية حيث قال في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع فايسبوك إن تلقيح أعضاء الحكومة ومستشاريهم وأعضاء دواوينهم خلسة وبطريقة سريّة وغير شفّافة هو سقطة أخلاقيّة واعتراف صريح أنهم كانوا يقومون بفعل مخالف للتراتيب ولسلّم الأولويّات الذي حددته اللجنة العلميّة ووزارة الصحّة مضيفا أن مهنيّي المصالح الأساسية الذين لم يتم تحديدهم بعد، موجودون في الأولويّة الثالثة ولم يأت دورهم للتلقيح بعد، باعتبار أنه لم يتم استيفاء تلقيح كلّ المعنيين بالأولوية الأولى والأولوية الثانية، وباعتبار محدودية عدد التلاقيح المتوفرة.وخلص العجبوني الى أن تصرّف حكومة المشيشي يثبت مرّة أخرى عبث هذه الحكومة وقصر نظرها وفشلها في كسب ثقة التونسيين والتونسيات.

فضيحة كبيرة…

الأمر لم يقتصر على تلقيح الصفوف الأمامية من الطبقة السياسية الحاكمة بل امتد ليشمل بعض الأقارب والأصدقاء والأحباب وحتى بعض النواب الذين يتشدقون صباحا مساء بتوزيع شعارات العدل والحريات والمساواة فقد نال بعضهم نصيبا من الغنيمة «القذرة» واستغلوا شبكة علاقاتهم الواسعة والمتلاحمة مع قصر الحكومة ليستأثروا بالتلاقيح قبل غيرهم من مستحقيها على غرار ما كشفت منظمة «أنا يقظ» التي أماطت اللثام عن تفاصيل جديدة في فضيحة «سرقة اللقاحات» حيث كشفت ان النائبة عن حركة النهضة أروى بن عباس العضوة في لجنة الاصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد تلقّت الجرعة الاولى من التلقيح ضد فيروس كورونا رغم انها ليست من اصحاب الاولوية ودون ان توجّه لها دعوة من منظومة “ايفاكس” مؤكدة ان النائبة تمكنت من الحصول على التلقيح عن طريق صديقتها المديرة الجهوية للصحة السابقة بمنوبة قبل ان تتم اقالتها.

واكدت المنظمة ان النائبة لم تتمكن رغم محاولاتها المتكرّرة من ايجاد من يتوسط لها لتلقي الجرعة الثانية بعد اقالة صديقتها المديرة الجهوية السابقة للصحة بمنوبة. والنائبة الموقّرة ليست الاسم الوحيد الذي استفاد من علاقته بالمديرة الجهوية للصحّة بمنّوبة والتي تمّت إقالتها من منصبها بعد أن مكنت عددا من الأشخاص من الانتفاع بالتلقيح دون تلقيهم إرساليات قصيرة الأمر الذي دفع مصالح التفقدية بوزارة الصحة إلى فتح بحث إداري في المسألة والغريب في الأمر أنّ الدكتورة المقالة تنتمي الى عائلة نقابية عريقة وهذا ربّما ما يفسّر المحاولات الفاشلة لإعادتها الى موقعها.

هذه هي الصورة الحقيقية في تونس بعيدا عن كل مساحيق التنظيف والتلطيف وبعيدا عن شعارات المسار الديمقراطي الذي يتباهى ويتفاخر به البعض… عضوة في لجنة الاصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وتابعة لحركة تتشدّق بالعفّة والنظافة مورّطة في الفساد وفي سرقة حقّ الناس وفي سلبهم حتّى حقّ الحياة…

الحكومة التي لا تتحرّج من سقطاتها ومن فضائحها المتكرّرة حاولت عبر مستشارها الإعلامي لملمة الموضوع وتطويق الغضب الشعبي الذي يتصاعد يوما بعد يوم ضدّ ممارساتها وسياساتها ولكن تبريرات المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة مفدي المسدي لم تنجح في دفع التهمة عن «عرفه» وتأكيده بأنه لا وجود لعملية تلقيح «خلسة» لأعضاء الحكومة لم يقنع سوى بعض المنتفعين من استمرار وجود الحكومة بتركيبتها الحالية فالمستشار الإعلامي قال بكلّ ثقة في النفس ان كل عمليات التلقيح التي قام بها أعضاء الحكومة مسجلة ضمن منظومة إيفاكس وحسب الأولويات المحدّدة سلفا ولم يكتف بذلك فقط بل شدّد على أن رئيس الحكومة سيجري عملية تدقيق في المنظومة مذكرا بأن كبار الموظفين في الدولة يوجدون ضمن المرتبة الثالثة بعد مهنيي الصحة وكبار السن والأمنيين وبأن رئيس الحكومة كان أول الملقحين في مركز أريانة مضيفا أن المشيشي مسجل في منظومة إيفاكس وأنه كان قد أظهر تلقيه إرسالية قصيرة وأنّه أعلن منذ يوم الاثنين الماضي عن الشروع في تلقيح كبار الموظفين وكل من لهم اتصال بالمواطن.

وأضاف المستشار الإعلامي أن عملية التلقيح ستتواصل بالنسبة للولاة وللمعتمدين والعمد وللأمنيين وأيضا بالنسبة للإطار التربوي وغيرهم، لافتا إلى أن كل عمليات التلقيح تمر وجوبا عبر منظومة ايفاكس.

كما أشار المسدّي إلى أن عملية التلقيح طالت الآن من تتراوح أعمارهم بين 56 و57 سنة، مقرّا بوجود بعض الإخلالات في منظومة ايفاكس، مؤكدا أن كل من تفوق أعمارهم 80 عاما تلقوا التلقيح تقريبا، وأنه سيتم بداية من غرة ماي تلقيح من تتراوح أعمارهم بين 71 و75 عاما.

عيّنة من سرقة مكاسب وثروات البلاد…

سرقة اللقاحات وتحويل وجهتها من مستحقيها نحو دفّة أخرى محصّنة من الفواجع والهزّات واعتبار كبار موظفي الدولة أولوية ضمن أولويات استمرارية الدولة في حربها المفتوحة على الجائحة وتجاهل مجموعة أخرى من الصفوف الأمامية الصامدة التي تفتح صدرها الأعزل في حرب ضروس العدو فيها لا يرحم ولا يعدل على غرار صفوف الأساتذة والمعلمين وعمال النظافة وعمال البريد والذين هم في تواصل مباشر ودائم مع المواطنين يؤكّد مرّة أخرى أنّ الفساد نخر بطن وباطن هذه البلاد وهذا ما يفسّر اليوم الحالة التي وصلتها تونس بسبب انتهازية وأنانية حكّامها وبسبب فساد وانتهازية بعض قادتها وبعض نوابها…

هذا التحيّل قد يرتقي الى مرتبة الجريمة لأنها تتعلّق بحياة الأفراد والمواطنين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوّة لمجابهة عدوّ يقتات من الجهل ومن الفقر ومن غياب العدالة والعدل وهي جريمة أيضا لأنّها تضع الدولة بطم طميمها في فوهة المساءلة والمحاسبة وتسلبها آخر ما تبقى لها من رصيد الثقة والمصداقية وتجعلها في مرتبة «المتحيلين» وهي أيضا تزيد من قناعات الجميع بأنّ كلّ خير من خيرات هذا الوطن سواء كان ماء أو هواء أو مالا أو لقاحا فهو مسروق مع تأجيل التنفيذ تحت قاعدة الأقربون أولى بالمعروف…

في عشرية الدمار والخراب سلبوا من التونسيين أمنهم وأمانهم وراحة بالهم ثمّ سلبوهم مالهم وقوتهم ورغيفهم الحار وبعد أن سرقوا المناصب والكراسي والوظائف ها هم اليوم يسرقون لقاحات الغلابة والزواولة بلا حياء ولا استحياء…

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here