مصطفى بن أحمد ل”أفريقيا برس”: لن يكون للبرلمان الجديد أي تأثير سياسي

36
مصطفى بن أحمد، ناشط سياسي ونائب سابق في البرلمان التونسي

أفريقيا برس – تونس. استبعد السياسي التونسي والنائب السابق مصطفى بن أحمد في حواره مع “أفريقيا برس” أن يكون للبرلمان الجديد الذي انطلقت أشغاله مؤخرا، أي تأثير في مستقبل المشهد السياسي بالبلد وذلك لصلاحياته المحدودة ودوره الشكلي حيث لم تمنح له أي سلطة مستقلة بعيدا عن السلطة التنفيذية، الأمر الذي يفقده دور ومعنى، حسب تعبيره.

ورأى بن أحمد أن” الديمقراطية الحقيقية هي ديمقراطية الأحزاب والفصل بين السلطات وهي التي تحتاجها تونس”، مشيرا إلى أن” مستقبل المعارضة رهين قيامها بمراجعات وتقديم رؤية جديدة”، حيث اكتفت بردة الفعل دون تقديم بديل يقنع الشارع بمشروعها ويعزز تموقعها في المشهد.

حوار آمنة جبران


كيف تقيم مسار الرئيس قيس سعيد في حربه ضد الفساد، هل هي ذريعة لاستهداف خصومه كما تتهمه المعارضة؟

مسألة مقاومة الفساد هي مسألة يقع الاشتغال عليها عبر القوانين والمؤسسات وأجهزة الدولة بشكل مستمر، وطالما هناك حياة إدارية وحياة اقتصادية واجتماعية طالما هناك فساد فهو جزء من ذلك ونتيجة لحراك عام، لكن حين يتخذ طابعا سياسيا فطبعا سينحرف وقد شاهدنا في السابق حملات واسعة للفساد حيث وقع الزج بالسجن العديد من رجال الأعمال لكن رأينا فيما بعد كيف كانت المسالة ظرفية وفي إطار سياسي معين، وبرأيي اتخذت هذه المسألة حجما كبيرا وطابعا دعائيا أكثر منها معركة ضد الفساد.

ما رأيك في قرار الرئيس سعيد مؤخرا بحل جميع المجالس البلدية؟ وأي دور سيكون للبرلمان الجديد مع انطلاق أولى جلساته؟

هذا يندرج ضمن مسار وسياسة شاملة للرئيس سعيد، فقد قام بحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء كما تدخل في شؤون منظمات وطنية مثل اتحاد الفلاحين في إطار رؤية لتفكيك المؤسسات ولإرساء تصوره للدولة بما أطلق عليه بالبناء القاعدي، وأعتقد أن ذلك خطير ومناف لما صوتت له الناس في إطار قواعد لعبة سياسية واضحة، فمسالة أن يغير النظام السياسي لتونس ضمن صلاحياته، إنما في الحقيقة انحراف بالمهمة الموكولة له، واعتبر انحرافه بالفصل الثمانون من الدستور ووضع كل الصلاحيات بيده، عملية تفكيك للدولة وللمؤسسات وفرض لرؤيته التي لم يصادق عليها الشعب في الانتخابات.

كان على الرئيس سعيد لو يريد أن يقدم نفسه كمشروع جديد أن يقر انتخابات رئاسية جديدة ويقدم هذا البرنامج وفي حال تصويت الشعب له يصبح من حقه حينها فرضه على الشعب، لكن بهذه الطريقة فقد تجاوز الإطار الذي ترشح فيه لرئاسة الجمهورية.

بالنسبة لانطلاق أشغال البرلمان الجديد فأرى أن هذا البرلمان فاقد للشرعية وهو ما أقر به الرئيس نفسه في أحد تصريحاته حين قال أن عدم مشاركة الناس في الانتخابات التشريعية الأخيرة لأنها لم تعد تؤمن به، فوجوده شكليا يستجيب لمتطلبات الوضع الدولي والإقليمي وللتخفيف من حدة التوتر الداخلي لا أكثر ولا اقل ، وهذا البرلمان الفاقد للشرعية لن يكون له أي تأثير على الحياة السياسية في المستقبل، كما أن هذا البرلمان لم يكتسي صبغة السلطة المستقلة على الأقل على السلطة التنفيذية، لذا ليس له أي معنى.

قلت في تصريح سابق أن الطبقة السياسية التقليدية اليوم في مأزق وأشبه بحالة ضياع، كيف ذلك؟

بالفعل الطبقة السياسية أو الأحزاب التي تولت الحكم في السابق هي أسيرة وضعها ومكبلة به، عوضا أن تتجه للتقييم ومراجعة سياساتها القديمة تشبثت بحقها في الشرعية التي انتفت على أرض الواقع تقريبا، الشرعية ليس شرعية نصوص بل تمثيلية حقيقية وتواصل ولم يتبقى اليوم من يدافع على هذه الشرعية، لذلك من الضروري أن تنخرط هذه الطبقة في رؤية مستقبلية جديدة لتجاوز الواقع الحالي والتصدي للشعبوية وأن تطرح بديلا يتمثل في عقد اجتماعي جديد من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة ومضامين سياسية واقتصادية جديدة لكنها إلى الآن أسيرة شعاراتها المتشبثة بالدفاع عن الشرعية، وهي في الواقع مسالة حيوية ومتجددة تتجدد بتطور الأحداث والظروف، فالشرعية التي تتحدث عنها المعارضة لم تعد عمليا وواقعيا صالحة كبديل، هي شرعية باتت كجسد مترهل يحتضر وليس بوسعها أن تبعث فيه الحياة.

أي مستقبل المعارضة السياسية في ظل افتقارها للحاضنة الشعبية؟

المعارضة التي انزلقت في الحركية في الفترة الأخيرة تفتقر إلى رؤية كما لم تقم ببناء مراجعات جديدة وذلك لتواجد أطراف متعددة داخلها، فالمعارضة الآن معارضات ولا توجد قاعدة عامة تطبق عليها وقد دخلت جميعها في المواجهة دون أن تقدم رؤية بديلة ومضادة حيث تكتفي حاليا بردة الفعل، ومستقبلها مرتبط بمدى قدرتها على تجديد رؤاها، ومن الضروري أن تتجدد حيث هناك أطراف منها فقدت مصداقيتها، لذلك أعتقد أن مستقبل المعارضة رهين المراجعة والتجديد، حيث كل المعارضات في تونس تكتفي برد الفعل دون رؤى بديلة.

ما رأيك في اعتقال كمال لطيف وماهو تقييمك له كشخصية يدور حولها الجدل في تونس؟

غير واضح إلى حد الآن مسالة هذا الإيقاف لكن أعتقد أنه وقع اعتقال الصورة والسمعة التي تحيط بالرجل المثير للجدل أكثر من اعتقال الشخص في حد ذاته لأنه لم تشرح وتقدم لنا الأسباب التي دفعت السلطة إلى اعتقاله، حيث لم يقع حشره بسبب قضايا فساد بل في قضية التآمر على أمن الدولة لكن ماهو المضمون وماهو شكل التآمر هذا غير واضح، وأعتقد انه اعتقال الصورة التي تشكلت حول كمال اللطيف لإضفاء نوع من المصداقية والجدية على بقية الاعتقالات الأخرى.

هل سينتج المسار الفردي للرئيس سعيد تسللا للمنظومة القديمة أي رسكلة القديم في أسلوب جديد؟

هذا المسار بمثابة انحراف بالوضع الطبيعي وستكتمل الصورة يوما وسيعود التاريخ إلى طبيعته، وأعتقد أن مسار سعيد قوس وسينتهي لأنه من غير الممكن وسط عالم مفتوح أن نبقى منعزلين عن الآخر، حيث يجب أن تكون لنا إضافة ثقافية واقتصادية وأن نجد لنا مكانا في هذا العالم.

وقد بين التاريخ أن هذه المشاريع تأخذ في البداية طابع الحماس والتفاعل العاطفي ثم تعود الأمور إلى طبيعتها، وفي تقديري لا توجد ديمقراطية غير الديمقراطية التنفيذية هي الأقرب للواقع فالمشاريع الشعبوية وما يسمى بالديمقراطية المباشرة هي في الحقيقة مشاريع وهمية وهناك تجارب عدة لم يصمد فيها هذا النموذج مثل النموذج الليبي.

الديمقراطية الحقيقية هي حرية التنظم والانتخابات والأحزاب والفصل بين السلطات هذا النموذج الصالح للديمقراطية، وهي الحل الأقرب للواقع، والحل الأمثل في تونس هي أن تتحسن الديمقراطية التنفيذية على مستوى البناء الحزبي والقانون الانتخابي بناءا على تقييم هادئ وعلمي و ليس تغييرها بأجزاء هلامية مثل ما وقع في تعديل القانون الانتخابي مؤخرا.

إغلاق باب الحوار من قبل الرئاسة في وجه اتحاد الشغل المتمسك به إلى أين سيقود البلاد؟

يجب أن ننتبه أنه هناك انقساما في الشارع التونسي وذلك بين المؤيدين والموالين للرئيس وبين من يعارضه، وهذه الفجوة تتعمق وهي مسألة خطيرة حيث لم تعيش تونس هذا الانقسام منذ أيام الصراع البورقيبي- اليوسفي، والمعركة برأيي يجب أن تكون معركة بناء وليس الانغماس في المحاسبة بالتهويل وتوجيه الاتهامات للجميع.

أما عن مبادرة الحوار فالرئيس سعيد هو الذي يتمسك برفضها، وقد استفحلت الأزمة بسبب إصرار الاتحاد على تقديم هذه المبادرة، في حين الرئيس أعتبر أنه لا يوجد داعي للحوار بعد أن ذهبنا إلى انتخابات، يعني أننا نعول اليوم على انتخابات بمشاركة 10 بالمئة فقط من التونسيين فقط ليس هناك حوار وهو اليوم ليس موجود.

سيقود هذا التأزم السياسي إلى تعطل تام للدولة لارتباطه بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يتطلب حوار ومشاركة، خاصة أن هناك استقواء واضح بالقانون وأجهزة الدولة والمراسيم التي يجب أن توحد التونسيين لا أن تفرقهم، في حين نحن مطالبين بإيجاد مخرج سلمي ومحاسبة حقيقية غايتها الإصلاح وليس التشفي والانتقام.

ما تقييمك لسياسة تونس الخارجية في ظل الانتقادات الحقوقية وأخيرا أزمة المهاجرين الأفارقة، وكيف بالوسع حماية صورتها أمام المجتمع الدولي؟

لم أرى سياسة خارجية بالأساس لتقييمها أو حضور لسياستنا الخارجية قبل أزمة المهاجرين الأفارقة على مستوى الساحة الإقليمية، أما وقع مع الدول الأفريقية فهو غير مقبول، نحن نعلم في دولة الاستقلال في عهد بورقيبة كم استثمرت تونس في العلاقات الأفريقية، لكن للأسف تراجعت هذه الاستثمارات رغم الاحترام الذي نحظى به من قبل الدول الأفريقية.

من الظلم أن يندثر مجهود بناة الدولة، لكن هناك مراجعات وخطوات ولو منقوصة لا ننكرها، وبالنسبة لأزمة المهاجرين الأفارقة من الضروري عودة النشاط الدبلوماسي بشكل كبير ولما لا الاعتذار، كما يجب معالجة هذا الموضوع في الداخل أيضا حيث حرك ردود أفعال ومخزون ثقافي رافض للآخر، ويجب معالجة ذلك.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here