هل تلجأ حركة النهضة للسرية في مواجهة تضييقات السلطة

14
هل تلجأ حركة النهضة للسرية في مواجهة تضييقات السلطة
هل تلجأ حركة النهضة للسرية في مواجهة تضييقات السلطة

أفريقيا برس – تونس. يدفع تواصل غلق مقار حركة النهضة التونسية بدعوى التفتيش وحملة الإيقافات المستمرة ضدها في الآونة الأخيرة، والتي طالت زعيم الحركة راشد الغنوشي وقيادات بارزة أخرى، إلى التساؤل بشأن مستقبل الحركة ذات المرجعية الإسلامية في المشهد السياسي، وما إذا ستقودها تضييقات السلطة المستمرة إلى العودة إلى مربع السرية.

وأغلق الأمن التونسي المقر المركزي للحزب في منطقة مونبليزير في العاصمة وباقي المقرات في الجهات، كما حظر اجتماعاته منذ أكثر من شهر بدعوى إجراء عمليات تفتيش،غداة إيقاف الغنوشي.

ويجري التحقيق مع الغنوشي، القابع في السجن وقياديين آخرين من بينهم رئيس الحكومة الأسبق علي العريض، ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، في قضايا إرهاب والتآمر على أمن الدولة والتحريض ضد السلطة، وهي تهم يقول الحزب إنها ملفقة وذات طابع سياسي.

ولا يستبعد محللون ومتابعون أن تلجأ الحركة إلى النشاط السري وهو الخيار التي التجأت إليه سنوات حكم بورقيبة وبن علي حين كان يطلق عليها بحركة الاتجاه الإسلامي، ولم تتمكن من العودة إلى الحكم العلني إلا بعد ثورة يناير 2011، في حين تؤكد قيادات الحركة بتمسكها بحقها في العمل السياسي استنادا للقانون كما أنها ستبقى في دائرة النشاط العلني رغم التحديات.

وأشار فتحي العيادي، القيادي بحركة النهضة في حديثه ل”أفريقيا برس “إلى أن” البلاد كلها تحت سياسة التضييق وتواجه ضغوطات الانقلاب أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني وصحفيين ومدونون، وبالتالي نحن نعيش هجمة شرسة من طرف منظومة الانقلاب على المجتمع السياسي ككل. ”

وفي تقديره فأن “الأحزاب السياسية ستتمسك بحقها في العمل العلني حتى وإن كلفها ذلك تضحيات كبيرة وحركة النهضة جزء من هذه الأحزاب السياسية متمسكة بحقها في العمل العلني وتعتبر العمل السياسي العلني من مكاسب ثورتنا ولن نفرط فيها”.

وبرأيه فإن”تونس والعالم من حولها فضاء مفتوح لم يعد من الممكن أن تنغلق الأوضاع بشكل كامل، مهما اتجهت السلطة إلى غلق فضاءات التعبير والعمل السياسي فلن تستطيع أن تحجب ذلك عن أنظار العالم ولن تستطيع أن تقطع سبل التواصل بين الناس.” وأردف بالقول: “لقد سقط الخوف ولن يستوطن قلوب الأحرار من جديد”.

وكانت حركة النهضة قد اتهمت، السبت، السلطات بممارسة “المنع المقنع” لنشاطها السياسي، عبر استمرار غلق مقرات الحزب بدعوى التفتيش، فيما لم تحدد السلطات أي سقف زمني للحظر المؤقت لأنشطة الحزب. كما تواصل الحركة بالمطالبة بالإفراج عن قيادييها.

من الحكم إلى السرية

منذ إعلانه إجراءات استثنائية في 25 جويلية 2021، يرى محللون أن الرئيس قيس سعيد ماض في استبعاد الأحزاب السياسية التي كانت تستأثر بالحكم طيلة عشرة سنوات مستفيدا من نفور الشارع منها بسبب فشلها في تحقيق مطالب الثورة الاقتصادية والاجتماعية، ليعزز بذلك نظاما سياسيا جديدا ضمن نظام رئاسي، ويعلن بذلك نهاية طبقة سياسية كانت تحكم ووضعت يدها على الدولة في ظل نظام شبه برلماني.

يحمل التونسيون النخبة السياسية في فترة ما قبل 25 جويلية المسؤولية في تردي أوضاعهم المعيشية، حيث انشغلت بالصراع على المناصب والمعارك الحزبية فيما لم تقدم حلولا للأزمة الاقتصادية ولم تتعامل بجدية مع غلاء الأسعار وضعف الرواتب وغيرها من المشاكل التي يعاني منها الشارع.

وبرأي هؤلاء فإن حركة النهضة التي تولت الحكم على مدى عقد من الزمن هي الخاسر الأكبر بعد نجاح الرئاسة في صياغة دستور جديد ومضيه قدما في مشروعه السياسي ، خاصة بعد أن فتحت الرئاسة ملفات ثقيلة ضد الحركة مما ساهم في تهاوي شعبيتها ومصداقيتها أمام الرأي العام من جهة، وتعميق خلافات بيتها الداخلي ما قاد إلى انقسامات وانشقاقات حادة من جهة أخرى.

وبينما تتهم المعارضة ومن ضمنها حركة النهضة الرئيس قيس سعيد، بالتأسيس لحكم فردي والتضييق على خصومه عبر القضاء، بعد توسيع صلاحياته في منصب الرئاسة إثر الاستفتاء على الدستور الجديد في جويلية /يوليو الماضي، يقول سعيد في المقابل أنه يريد تصحيح مسار الثورة لعام 2011 ومكافحة الفساد والفوضى بمؤسسات الدولة.

وفي ظل واقع جديد تعاني فيه الأحزاب من التهميش وسط تراجع الرهان الشعبي بشأنها، وفي ظل توظيف السلطة للقضاء واستخدامه كسلاح للتضييق على خصوم الرئاسة البارزين، قد تكون العودة إلى النشاط السري أحد الخيارات المتبقية للحركة للتصدي لهذه الضغوط.

وباستحضار تاريخ الحركة السياسي، فان العمل السري كان خيار الحركة منذ تأسيسها سنة 1969 تحت مسمى حركة الاتجاه الإسلامي حينها، وقد تشكلت النهضة كحركة دعوية من أفراد قلائل هم راشد الغنوشي؛ أستاذ الفلسفة العائد من سوريا وفرنسا، وعبد الفتاح مورو طالب الحقوق حينها، واحميدة النيفر أستاذ في التفكير الإسلامي.

ومنذ إعلان تأسيسها، بدأت السلطات التونسية تلاحقها، ففي صيف 1981، أي في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة (حكم من 1957 إلى 1987)، تم اعتقال العشرات من قيادييها ومنتسبيها، وحُكم بالسجن 11 عاما بحق رئيسها الغنوشي والقيادي صالح كركر، و10 سنوات سجنا بحق مورو، وأحكام مختلفة بحق بقية الأعضاء.

وتواصلت المواجهة بين النظام والحركة في عهد بن علي، حيث أعلن وزير الداخلية آنذاك عبد الله القلال في مايو 1991،عن إجهاض محاولة انقلابية للنهضة على النظام، لتواصل وزارة الداخلية حملة إيقافات واسعة وملاحقات أمنية لقياديي النهضة ومنتسبيها. وشملت الإيقافات،أكثر من 30 ألفا من القياديين والمنتسبين والمتعاطفين وفق أرقام الحركة، وأدت إلى فرار آلاف المنتسبين الآخرين إلى حوالي 50 بلدا بالعالم، فيما قضى تحت التعذيب والإهمال الصحي في السجون عشرات المنتسبين الآخرين.

الحرية الحزبية

تراهن حركة النهضة وبقية الأحزاب على مناخ الحرية الذي يشكل أهم مكاسب ثورة يناير، والذي يضمن الحق في التعددية الحزبية والتنوع السياسي وممارسة الأنشطة السياسية على غرار ضمان حرية الرأي والتعبير.

وتجد النهضة في الانتقادات التي تطال الرئاسة في المجال الحقوقي فرصة لتخفيف الضغوط عنها، واستنادا للقانون ستواصل نشاطها الحزبي وتدافع عنه دعما من الأحزاب التي تتحالف معها في جبهة الخلاص المعارضة أو من المجتمع المدني الذي يرفض المساس بالحريات.

ويلفت أحمد قعلول القيادي بحركة النهضة في حديثه ل”أفريقيا برس” أنه” مازال القانون التونسي الذي أنجزته الثورة واسعا ويتسع للجميع، ومن هذه الزاوية فليس هناك وضعا جديدا يضطر النهضة وأبناءها للتفكير في العمل خارج القانون الذي ساهمنا في وضعه وصياغته والدفاع عنه. ”

وتابع بالقول: “كان حصول النهضة على رخصتها القانونية بما هي حزبا سياسيا ذو مرجعية إسلامية من أهم مكاسب الثورة، وبما أن الانقلاب هو انقلاب على كل هذه المكاسب فمن غير المستبعد أن يأتي المنقلب على هذا المكسب كما أتى ويأتي على غيره، ولا أقدر أن الحجر إن وقع سيقتصر على النهضة فقط، بل سيمس جل الأحزاب الوازنة وكذلك منظمات المجتمع المدني. إن الخطر يدهم الجميع، أحزابا وجمعيات ومنظمات. ”

وحسب قعلول فإنه” من غير المعقول أن يتحول الفضاء العام كله من الحياة العلنية القانونية إلى وضع السرية وما يسعنا يسع غيرنا. من جهتنا فإننا وجدنا قبل الرخصة ولم نوجد بفضلها فهناك العشرات من الأحزاب السياسية، ولكن هناك حركة نهضة واحدة. ولذلك فلا خوف على النهضة وأبنائها ما دام هناك طلب على ما تعرضه على الشعب التونسي، إن الشعب التونسي هو الذي يعطي شهادة الميلاد والوفاة لأي كيان سياسي أو مدني”.

وكشف أنه” في حال تم اتخاذ أي قرار ظالم في حقنا فان هناك قانونا وقضاء نلجأ إليه وسندافع عن حقنا في إطار القانون. النهضة لم ترتكب أي جرم يمكن أن يجعلها موضوع قرار بحلها، وإن تم ذلك فإننا وقبل أن نكون نهضاويين، مواطنون تونسيون، وهذا لا يستطيع أي مستبد أن يفتكه منها أو ينزعه عنا وسنواصل كمواطنين “توانسة” النضال من أجل الحرية والديمقراطية، وسنستعيد كياننا الحزبي عندما يتحرر كل التونسيين من رقبة هذا المستبد الظالم”. حسب وصفه.

وخلص قعلول بالقول: “لا حاجة للنهضة أو غيرها من الكيانات الوطنية الديمقراطية للعمل في السرية، فمن تشرب الديمقراطية والحرية يعلم أن العمل في إطار القانون والعلن هو أقصر سبيل للتحرر”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here