تونس : الأحزاب تتَّحد من أجل إسقاط قرارات سعيّد

11

بقلم : خالصة حمروني

أفريقيا برستونس. أصدر رئيس الجمهورية بحر الأسبوع الجاري أمرا رئاسيا “الأمر عدد 117” ضبط فيه طريقة تنظيم السلطة التشريعية والتنفيذية خلال فترة سير التدابير الاستثنائية، كما أعلن في ذات الأمر عن مواصلة تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وإيقاف كل المنح والامتيازات لرئيس البرلمان وأعضائه وإلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.

وبقدر ما أراحت قرارات رئيس الجمهورية فئة هامة من الشعب التونسي بقدر ما مثلت ضربة قاسية للأحزاب السياسية التي ما فتئت “منذ إعلان سعيد تجميد نشاط البرلمان وأقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي والبعض من وزرائه يوم 25 يونيو المنقضي” تبحث عن مخرج سياسي يعفيها من تطبيق هذه القرارات والتي أصبحت اليوم تبحث عن سبل جديدة تسقط بها هذه القرارات.

والمتابع للشأن السياسي التونسي يدرك أن بقدر ما تشتتت مواقف الحزبية من قبل تجاه الوضع العام في البلاد واختلفت آرائها في تشخيص قضاياه الحقيقية والسبل المقترحة لحلحلتها، فإن ما جاء في الأمر عدد 117 قد وحد من صفوفها وزادها لحمة حتى أن الأحزاب التي كانت تتصارع فيما بينها من أجل أبسط المسائل أصبحت تتغزل ببعضها بهدف التوحد لإسقاط أحكام هذا الأمر الرئاسي والحد من صلاحيات قيس سعيد.

توحيد الصفوف

الأمر الرئاسي عدد 117 نجح في توحيد صفوف أكبر الأحزاب وتقارب المواقف الشي الذي عجزت عنه كل الظروف التي عاشتها تونس منذ تاريخ الثورة في 14 جانفي 2011.

ظروف لن يسعنا لا المكان ولا الزمان إلى ذكرها بالتفصيل ويكفينا القول بأن تونس عاشت طيلة العشر سنوات الأخيرة عدداً من المحن منها السياسية ومنها الاجتماعية ومنها الاقتصادية، لم تشهد كل هذا الالتفاف السياسي ولم تتحد من أجلها الأحزاب بل كانت أغلب الأحزاب تعيش حالة كر وفر مع بعضها لاسيما تحت قبة البرلمان أو في “البلاتوهات” الإعلامية من الأحزاب المتكتلة مع بعضها نذكر حركة النهضة التي اعتبرت أن ما تضمنه الأمر الرئاسي عدد 117  “نزوعا واضحا نحو حكم استبدادي مطلقٌ وانقلابا مُكتمل الأركان على الشرعية الدستورية”.

ومن أجل الدفاع عن مصالحها الحزبية والدفاع عن مصالح أعضائها الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها مجمدين عن النشاط، ممنوعين من دخول مقر البرلمان دعت حركة النهضة (كتلة تضم  52 نائبا من أصل 217) جميع الكتل البرلمانيّة والشخصيات المستقلّة إلى “توحيد الصف، والتعالي عن الخلافات، للدفاع عن قيم الجمهورية والديمقراطية وحماية البلاد من أخطار هذا التمشي” كما دعت الكتلة جميع القوى السياسية والمدنية الحيّة للتمسك بالوحدة الوطنية الصمّاء”.

حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي  الذي طالما اعتبر المأزق السياسي الذي تعيشه تونس ما هو إلا نتيجة لعشر سنوات من حكم حركة النهضة وشركائها، اتفق في قراءته لما ورد من قوانين جديدة وردت في طيات الأمر الرئاسي عدد 117، أعلن هو الآخر رفضه لما وصفه ب”الانفراد بإدارة الفترة الاستثنائية”، داعيا القوى الديمقراطية والاجتماعية إلى “التعجيل بتكوين جبهة مدنية وسياسية وجمهورية تقف ضد تكريس الحكم الفردي، وتدفع نحو العمل التشاركي من أجل إدارة الفترة القادمة والاستجابة لمطالب الشعب وحماية مؤسسات الدولة من كل انحراف”.

حزب العمال يتفق مع الحر الدستوري

حزب العمال ممثل في شخص أمينه العام حمة الهمامي ندد من جهته بهذه التدابير الاستثنائية الجديدة معتبرا ذلك انقلابا على الشرعية وعلى الدستور ومدخلا للفاشية وللديكتاتورية.

حمة الهمامي – الأمين العام لحزب العمال

حمة الهمامي أكد في ندوة صحفية أن سعيّد استغل الأوضاع المتعفنة في المشهد السياسي والأزمة السياسية الخانقة، والتي حمّل مسؤوليتها لحركة النهضة  للاستيلاء على السلطة، قيس نعته “بسليل هتلر” و”موسوليني” والفاقد لأي مشروع تربوي أو ثقافي.

ورغم الاختلاف التام مع حركة النهضة وغيرها من الأحزاب الأخرى إلا أنه اتفق معهم في نقطة تخص ضرورة تأسيس جبهة سياسية تقاوم دكتاتورية قيس سعيّد مصرحا “أن حزبه لن يمد يده للنهضة والتجمع”.

عبير موسي – رئيسة الحزب الدستوري الحر

من جهته أعلن الحزب الدستوري الحر، عن رفضه التّام لمحتوى الأمر الرئاسي عدد 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021.

ومثله مثل حزب العمال ندد بما جاء فيه من “تكريس للحكم الفردي المطلق الذي ينسف مفهوم الجمهورية”.

ونبه هذا الحزب رئيس الدولة لضرورة تغليب المصلحة العامة للوطن ومراجعة قراراته التعسفية ودعاه للإسراع بتكوين حكومة كفاءات ذات خبرة في مختلف القطاعات تكون قادرة على مجابهة الملفات الاقتصادية والمالية الحارقة.

موقف الحزب الوطني التونسي، لم يخالف مواقف الأحزاب المذكورة سابقا، إذ اعتبر الأمر الرئاسي بمثابة “الانزلاق الخطير نحو إمكانية تحول التجربة الديمقراطية التونسية الناشئة الى حكم فردي استبدادي من جديد”، داعيا رئيس الدولة الى ضرورة ضبط النفس والتقيد بالحكمة والرصانة.

وكغيره من الأحزاب الأخرى أعرب الحزب الوطني التونسي عن استغرابه من القرارات “أحادية الجانب” التي اتخذها رئيس الجمهورية الخاصة بالتعليق الفعلي لثمانية أبواب كاملة من الدستور، والإبقاء على بابين اثنين فقط مع التوطئة، وضم كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى سلطاته مع حل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، بما يكرس وفق تقديره “الحكم شبه المطلق” دون رقابة تذكر من أي مؤسسة دستورية أو قانونية لرئيس الدولة.

أحزاب أخرى؛ ونخص بالذكر “التيار” و”الجمهوري” و”آفاق” و”التكتل”  توافقت فيما بينها واتفقت في تحليلها لمحتوى الأمر الرئاسي عدد 117 واعتبرته خروجا على الشرعية وانقلابا على الدستور الذي أقسم رئيس الدولة على حمايته ودفع بالبلاد نحو المجهول.

هذه الأحزاب التي اجتمعت منذ أيام قليلة لتقييم خمسين يوما من الإجراءات الاستثنائية واستشراف المستقبل، اتفقت على أن “رئيس الجمهورية أصبح فاقدا لشرعيته بخروجه عن الدستور”. وتعمل الأحزاب الأربعة حالياً بالتنسيق مع أحزاب أخرى على تشكيل جبهة مدنية سياسية تتصدى لهذا الانقلاب.

“اتحاد الشغل” على الخط

لا يختلف اثنان في أن ما تشهده البلاد من أزمات يعود جزء كبير منه إلى طبيعة النصوص القانونية التي سنّتها المنظومة التشريعية ما بعد الثورة بما في ذلك الدستور والقانون الانتخابي، إلا أن فكرة التخلي عنها أخافت الأحزاب فسارعت هذه الأخيرة إلى الاتحاد مطالبة بالاكتفاء بإدخال ما تستوجبه من تعديلات لا غير دون مسّ جوهرها.

وعلى هذا الأساس جاءت التحركات الحزبية سواء بصفة فردية او في شكل جماعي مع السعي إلى تشريك الاتحاد العام التونسي للشغل باعتبار وزنه في المعادلتين الاجتماعية والسياسية.

وهذه المرة اي بعد إصدار الأمر الرئاسي، صعّد الاتحاد نسبيا في لهجته مقارنة بموقفه بعد إعلان العمل بالتدابير الاستثنائية في جويلية الفارط، معبرا عن خيبة أمله في تواصل العمل بالإجراءات الاستثنائية إلى أجل غير معلوم والتخوّف من الذهاب نحو تجميع السلط والحكم الفردي والمساس بالحقوق والحريات.

الاتحاد وتماشيا مع الأوضاع السياسية الجديدة عدّل في موقفه بخصوص تطورات الأحداث؛ نبه من مخاطر تجميع السلطات في يد رئيس الدولة معتبرا أن تعديل الدستور والقانون الانتخابي شأنا يخصّ جميع مكوّنات المجتمع من هياكل الدّولة ومنظّمات وجمعيات وأحزاب وشخصيات وطنية ويرفض احتكار رئيس الجمهورية كل هذه الصلاحيات.

برنامج واضح

في حقيقة الأمر إن توحد صفوف بعض الأحزاب ضد قرار سعيّد وذهاب بعضها بالتنسيق مع مكونات المجتمع المدني إلى التجمّع في شكل جبهات مدنية وسياسية يؤكد قلق هذه الطبقة من قرارات سعيد التي أصبحت تترجم تماشيا مع رئيس الجمهورية في المرحلة القادمة وتوضح برنامجه المستقبلي الذي طالما تحدث عنه منذ سنوات و تكلم عنه في برنامجه الانتخابي.

وكمعادلة صعبة تعمل أغلب الأحزاب والمنظات الوطنية والدولية على مقاومة ما ورد في الأمر الرئاسي عدد 117 ومقاومة مسبقا كل ما يمكن لرئيس الجمهورية اتخاده لاحقا، وفي المقابل يسعى هذا الأخير إلى المضي قدما نحو ما يراه مناسبا ويتماشى مع ما “يريده الشعب”.

وحدها الفترة القادمة ستوضح الخطوط العريضة للمشهد السياسي ولربما تزيل جزءا من الضبابية لاسيما بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة وتكليفها بمهام إنقاذ الاقتصاد وتهدئة الوضع الاجتماعي.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here