خارطة طريق جديدة بين تونس والاتحاد الأوروبي

3
خارطة طريق جديدة بين تونس والاتحاد الأوروبي
خارطة طريق جديدة بين تونس والاتحاد الأوروبي

أفريقيا برس – تونس. بينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تقييم وتطوير شراكته مع تونس بمناسبة مرور 30 سنة على توقيع أول اتفاق شراكة بين الطرفين، تتجدد في تونس الأصوات الحقوقية المطالبة بمراجعة هذه الاتفاقيات، لاسيما تلك المتعلقة بسياسات الهجرة المثيرة للجدل.

وأصدر سفراء الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في تونس، نهاية هذا الأسبوع، بيانا تحت عنوان “الاتحاد الأوروبي وتونس: رؤية مشتركة ومستقبل نبنيه معا”، تناولوا فيه واقع الشراكة بين الجانبين وآفاق تطويرها في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة.

وأكد البيان أن الاتحاد الأوروبي يظل الشريك التجاري الأول لتونس، حيث تستقبل دولة نحو 70% من الصادرات التونسية، مشيرا إلى أن هذه العلاقة التجارية تتسم غالبا بالتوازن وتحقق فائضا لصالح تونس، ما يعكس – بحسب نص البيان – طبيعة الشراكة “القائمة على الربح المشترك”.

كما شدد السفراء على أن توقيع مذكرة التفاهم سنة 2023، ثم إعداد “ميثاق المتوسط” هذا العام كامتداد لمسار برشلونة، يعكسان التزاما واضحا من الطرفين بجعل هذه الشراكة ركيزة للاستقرار والتجارة والتضامن في منطقة تشهد تحولات متسارعة.

زيارات “مصلحة”

واعتبر عماد السلطاني، رئيس جمعية “الأرض للجميع”، أن الزيارات الأوروبية المتكررة إلى تونس تندرج ضمن ما وصفه بـ”زيارات المصلحة”، التي تهدف أساسا إلى تمرير اتفاقيات تخدم الجانب الأوروبي.

وأضاف السلطاني: “سياسات الهجرة القائمة بين الاتحاد الأوروبي وتونس لم تعد قابلة للتطوير أو التعديل، بل تستوجب الإيقاف الفوري لأنها تحولت إلى سياسات تمعن في انتهاك حقوق الإنسان”، خاصة بعد تفعيل مذكرة التفاهم بين الجانبين في يوليو/تموز 2023، والتي وصفها بـ”الاتفاق الكارثي”.

من زاوية أخرى، يرى السلطاني أن السلطات الإيطالية نجحت في “تصدير أزمتها الداخلية إلى تونس”، عبر الدفع بها إلى لعب دور دركي الهجرة في جنوب المتوسط.

وبرغم تعدد الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات لعائلات المهاجرين المفقودين، سواء أمام السفارة الإيطالية أو وزارة الخارجية التونسية، لا يزال مصير المئات من الشبان التونسيين الذين غادروا عبر البحر مجهولا.

وأوضح أن اللجنة الحكومية التي أنشئت سنة 2015 للكشف عن مصير المفقودين لم تحقق تقدما ملموسا، رغم إرسال التحاليل الجينية، والبصمات، وشهادات العائلات إلى الجانب الإيطالي، الذي “يرفض التفاعل الجدي مع الملف”، حسب تعبيره.

وفي ظل هذا الوضع، تتصاعد الانتقادات الحقوقية تجاه مضمون مذكرة التفاهم التي أبرمتها بروكسل مع تونس سنة 2023، والتي تنص على تقديم مساعدات مالية بقيمة 150 مليون يورو، إلى جانب منح إضافية بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية.

وقد اعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن هذه الاتفاقيات تشكل “تهديدا مباشرا لحقوق المهاجرين”، إذ تحمل تونس أعباءً أمنية وسياسية مقابل دعم مالي محدود.

من جانبها، ترى السلطات الإيطالية أن هذه المذكرة ساهمت بشكل واضح في خفض أعداد الوافدين على أراضيها.

فقد كشفت بيانات رسمية أن عدد المهاجرين القادمين من تونس انخفض بنسبة 80% سنة 2024 مقارنة بالسنة التي سبقتها، حيث لم يسجل سوى 19,246 وافدًا، مقابل أعداد مضاعفة في العام 2023، وهو ما تعزوه روما إلى “نجاعة الشراكة الأمنية” مع تونس.

لكن هذا التراجع في أعداد المهاجرين لا يفسر، وفق منظمات حقوقية، سوى بارتفاع عمليات الاعتراض والصد في عرض البحر، وبمضاعفة الإجراءات الزجرية على الأراضي التونسية، مما يثير تساؤلات جدية حول كلفة هذا “النجاح” الإحصائي على المستوى الإنساني والحقوقي.

وفيما يتحدث الأوروبيون عن “رؤية مشتركة”، تتسع الهوة – حسب المراقبين – بين أهداف الاتحاد الأوروبي الأمنية ومطالب المجتمع المدني التونسي الرافض لتحويل البلاد إلى “مخفر حدودي” لصالح أوروبا.

زيارة لترسيم اختلال المصالح

في السياق ذاته، يرى النائب السابق عن الجالية التونسية في إيطاليا، مجدي الكرباعي، أن زيارة سفراء الاتحاد الأوروبي إلى تونس لا تخرج عن إطار “ترسيم واقع غير متوازن من الاتفاقيات المفروضة أكثر منها متفاوض عليها”، مؤكدا أن هذه الشراكة التي يراد اليوم تجديدها لا تستند إلى تقييم شفاف، ولا تراعي حجم الأضرار التي لحقت بالجانب التونسي، سواء في مسار التنمية أو في إدارة ملف الهجرة.

وبنبرة ناقدة، ذكر الكرباعي بأن مرور ثلاثين عاما على توقيع اتفاقية الشراكة الأولى بين تونس والاتحاد الأوروبي لم يفض إلى نتائج متوازنة، بل كشف، وفق تعبيره، عن “اختلال صارخ في ميزان المصالح”، حيث تعمقت التبعية الاقتصادية، وتدهورت قطاعات حيوية مثل الصناعة والفلاحة، وهي القطاعات التي كان من المفترض أن تستفيد من انفتاح السوق الأوروبية وتدفق الاستثمارات.

أما في ملف الهجرة، فيؤكد الكرباعي أن مذكرة التفاهم التي وقّعت في يوليو/تموز 2023 قد تم الترويج لها كاختراق استراتيجي لمواجهة الهجرة غير النظامية، غير أن التطبيق العملي لهذه المذكرة جعل تونس تتحمل عبئا إنسانيا وأمنيا يفوق إمكانياتها، دون أن تحظى بالدعم المؤسسي أو الحماية القانونية اللازمة.

ويضيف أن ما تحقق فعليا ليس تقليصا للهجرة، بل إعادة توزيع لأعباء الأزمة، حيث جرى تصدير الهواجس الأوروبية إلى تونس، وتحويل أراضيها إلى منطقة عازلة تستقبل المهاجرين الذين ترفضهم دول الشمال، في انتهاك لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ولحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء.

وبحسب الكرباعي، فإن هذا النموذج من “الشراكة غير المتكافئة” لا يمكن أن يستمر دون أن يفضي إلى مزيد من التوترات الاجتماعية والسياسية داخل تونس، خصوصا في ظل محدودية الفوائد الاقتصادية المتأتية من هذه الاتفاقيات، مقابل الأكلاف الباهظة التي تتحملها الدولة والمجتمع في آن واحد.

هل نجح الاتحاد الأوروبي في الحد من الهجرة؟

في تقييمه للسياسات الأوروبية المتعلقة بالهجرة، يرى الناشط في المجتمع المدني والنائب البرلماني السابق مجدي الكرباعي، أن الاتحاد الأوروبي لم ينجح فعليا في الحد من الهجرة، بل نجح فقط في تصدير المسؤولية عنها إلى دول جنوب المتوسط، وعلى رأسها تونس، وتشويه الطابع الإنساني للهجرة وتحويلها إلى ملف أمني صرف، على حساب الحقوق الأساسية للمهاجرين والدول المستقبلة لهم.

ويقر الكرباعي بأن الأرقام الرسمية تظهر تراجعا في عدد المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة الأخيرة، غير أنه يعتبر ذلك مكسبا مؤقتا سطحيا، لا يعكس حلا حقيقيا للأزمة. فالسياسات الأمنية، بحسبه، لم تعالج الجذور العميقة للهجرة، كالفقر، والبطالة، والقمع السياسي، وتداعيات التغير المناخي، بل ساهمت أحيانا بشكل مباشر أو غير مباشر في مفاقمتها.

يؤكد أن ما يحدث اليوم هو تأجيل للمشكلة وتكديسها في دول العبور مثل تونس، عوض معالجتها من منبعها، ما قد ينذر بانفجارات اجتماعية وأمنية مستقبلا إذا استمرت هذه المقاربة قصيرة النظر.

في المقابل، يشير بيان سفراء الاتحاد الأوروبي إلى أن الشراكة القائمة منذ 30 عامًا جعلت من الاتحاد الأوروبي “شريكا محوريا لتونس”، وقدم، على امتداد العقود الماضية، دعمًا ماليا وفنيا وسياسيا لعديد مشاريع الإصلاح التي بادرت بها تونس، خاصة في مجالات التنمية والحوكمة.

وبمناسبة الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاق الشراكة، عبر الطرف الأوروبي عن رغبته في إعطاء “دفع جديد” للعلاقات الثنائية، من خلال التركيز على ما وصفه بـ”التحديات المشتركة”، مثل مكافحة الهجرة غير النظامية، والتغير المناخي، والابتكار، والتدريب، والأمن الغذائي، مع التأكيد على أهمية الإدارة “الإنسانية والتضامنية” لقضية الهجرة.

لكن المفارقة، كما يراها مراقبون، تكمن في التباين بين الخطاب الأوروبي الذي يروج لشراكة استراتيجية عادلة وشاملة، والواقع الذي يكشف عن شراكة غير متوازنة في تطبيقها العملي. فبينما تتحدث البيانات الرسمية عن التضامن والدعم، تحمل تونس تبعات أمنية وسياسية ثقيلة.

ويطرح هذا التباين سؤالا جديا حول مستقبل هذه الشراكة: هل يراد لها أن تتطور نحو مقاربة أكثر عدلا وشمولا، أم أنها ستظل قائمة على منطق “المقايضة” بين التمويل والوظيفة الأمنية؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here