قمر أوروبي تائه.. لماذا لا يثير ضجة كالصاروخ الصيني؟

1
قمر أوروبي تائه.. لماذا لا يثير ضجة كالصاروخ الصيني؟
قمر أوروبي تائه.. لماذا لا يثير ضجة كالصاروخ الصيني؟

Africa-Press – Gabon. شغلت الولايات المتحدة الأميركية العالم في يوليو/تموز من عام 2022 بالصاروخ “لونغ مارش 5 بي” الذي أطلقته الصين حاملا أجزاء من محطة الفضاء الصينية “تيانغونغ”، دون أن تتبع بكين الإجراءات التي من شأنها أن تساعد على استعادة حطام صاروخ الإطلاق، وهو ما دفع العالم حينها لتسميته بـ”الصاروخ الصيني التائه”، وأثيرت مخاوف من سقوط حطامه في منطقة مأهوله بالسكان.

وبينما سيكون العالم على موعد اليوم الأربعاء مع سقوط القمر الصناعي الأوروبي “إيرث 2” التائه في الفضاء في مكان غير معلوم مكانه حتى الآن، فإن الحدث لا يثير الضجة نفسها التي يثيرها الصاروخ الصيني لثلاثة أسباب، يتحدث عنها الخبراء في تصريحات خاصة مع “الجزيرة نت”.

القمر الأوروبي

وأُطلق القمر الصناعي الأوروبي “إيرث 2” يوم 21 أبريل/نيسان 1995، وكان يستخدم لأغراض الاستشعار عن بعد، وبقي عاملا حتى يوم 4 يوليو/تموز 2011، حيث انتهى عمره الافتراضي. ثم قامت وكالة الفضاء الأوروبية في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب من عام 2011 باستخدام الوقود المتبقي به لإجراء 66 عملية إعادة توجيه لخفض مداره من ارتفاع 785 كلم إلى 573 كلم، وذلك لتقليل فرص الاصطدام بأقمار صناعية أخرى.

وتمكنت شركة التصوير التجاري الأسترالية “هيو روبوتكس” من التقاط صور له في 14 فبراير/شباط الجاري عندما بدأ يتجه نحو الغلاف الجوي للأرض، لتشير التقديرات اللاحقة لوكالة الفضاء الأوروبية إلى سقوطه اليوم الأربعاء (21 فبراير/شباط) الساعة 15:19 بتوقيت غرينتش، مع وجود احتمالية خطأ بالزيادة أو النقصان بمقدار 19 ساعة.

إطلاق ما قبل المبادئ التوجيهية

ولأن القمر الصناعي “إيرث 2” أطلق قبل 29 عاما، فإن اشتراطات استعادة الحطام الفضائي التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تكن قد وضعت بعد، وهو ما يختلف عن الحالة الصينية. لذلك وجدت الولايات المتحدة مبررا لإثارة القضية، كما تقول رئيس معمل أبحاث الفضاء بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر رشا غنيم في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”.

وأعدت لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية “كوبوس” مجموعة من المبادئ التوجيهية لتخفيف الحطام الفضائي التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2007، وذلك بهدف معالجة مشكلة تراكم الحطام الفضائي في مدار الأرض.

وتوصي هذه المبادئ التوجيهية بأنه “في نهاية العمر التشغيلي للمركبة الفضائية، ينبغي اتباع إجراءات للتخلص الآمن لتقليل مخاطر تكون حطام إضافي، وقد يشمل ذلك إخراج المركبة الفضائية من مدارها لضمان عودتها إلى الغلاف الجوي للأرض خلال إطار زمني محدد”.

تقول رشا غنيم: “الولايات المتحدة الأميركية اتهمت الصين حينها بأنها لم تراع هذه المبادئ التوجيهية، واتهمتها بالإطلاق غير المتحكم فيه للصاروخ لونغ مارش 5 بي، بينما لا يوجد مبرر منطقي لإثارة الأزمة نفسها مع القمر الأوروبي، لأنها تتعلق بمهمة إطلاق قبل نحو 29 عاما”.

ويتطلب إخراج المركبة الفضائية من مدارها لضمان عودتها إلى الغلاف الجوي للأرض خلال إطار زمني محدد مجموعة من الإجراءات، تشير إليها رشا غنيم التي تشرف إلى جانب رئاستها لمعمل أبحاث الفضاء بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر؛ على محطة رصد الحطام الفضائي التي سيتم تشغيلها في المعهد بعد شهور، ومن هذه الإجراءات:

مناورات الدفع:

إذا كانت المركبة الفضائية مجهزة بأنظمة دفع، فيمكن استخدامها لخفض مدارها تدريجيا مع مرور الوقت، ومن خلال تشغيل محركاتها في الاتجاه المعاكس لحركتها المدارية، تقلل المركبة الفضائية من سرعتها، مما يتسبب باضمحلال مدارها وجعلها أقرب إلى الأرض.

تعزيز السحب الديناميكي الهوائي:

تستخدم بعض المركبات الفضائية أجهزة السحب مثل أشرعة السحب أو البالونات القابلة للنفخ أو الهياكل القابلة للتمديد لزيادة السحب الجوي وتسريع عملية الانحلال المداري، وتعمل هذه الأجهزة على زيادة مساحة سطح المركبة الفضائية، مما يؤدي إلى زيادة قوى السحب التي تساعدها على العودة إلى الغلاف الجوي للأرض بسرعة أكبر.

حرق التخلص من نهاية العمر:

فبالنسبة للمركبات الفضائية الموجودة في مدارات أعلى أو تلك التي لديها متطلبات محددة لإعادة الدخول، يمكن إجراء حرق متحكم فيه لنظام دفع المركبة الفضائية لبدء هبوط أكثر سرعة، ويتم حساب توقيت هذا الحرق للتأكد من دخول المركبة الفضائية إلى الغلاف الجوي للأرض خلال الإطار الزمني المطلوب.

العودة والتفكك:

بمجرد دخول المركبة الفضائية إلى الغلاف الجوي للأرض، يؤدي الاحتكاك الجوي إلى تسخين المركبة الفضائية وتفككها، مع احتراق معظم مكوناتها قبل الوصول إلى سطح الأرض، وعادة ما تقع في مناطق غير مأهولة بالسكان أو في المحيطات المفتوحة إذا خُطط للعملية بشكل جيد.

وتوضح غنيم أن “هذه العمليات يُخطط لها بعناية لضمان عودة المركبة الفضائية إلى الغلاف الجوي للأرض خلال إطار زمني محدد وبطريقة خاضعة للرقابة، وهذا يساعد على تقليل مخاطر سقوط الحطام في المناطق المأهولة بالسكان ويتوافق مع المتطلبات التنظيمية للعمليات الفضائية المسؤولة”.

صاروخ وقمر.. لا يستويان

لم يكن لدى وكالة الفضاء الأوروبية إطار زمني محدد لسقوط “إيرث 2′′، حتى تمكنت شركة التصوير التجاري الأسترالية “هيو روبوتكس” من التقاط صور له في 14 فبراير/شباط الجاري، وبدأت الوكالة في تتبع اقترابه من الغلاف الجوي للأرض، وحددت اليوم الأربعاء الساعة 15:19 بتوقيت غرينتش، مع وجود احتمالية خطأ بالزيادة والنقصان 19 ساعة.

وأوضحت وكالة الفضاء الأوروبية في بيان على موقعها أن عدم اليقين هذا يرجع إلى “تأثير النشاط الشمسي الذي لا يمكن التنبؤ به، والذي يؤثر في كثافة الغلاف الجوي للأرض، وبالتالي يمكن أن يغير مقدار السحب الذي يسحبه القمر الصناعي في طريقه إلى الأسفل. ولا يزال من السابق لأوانه معرفة مكان سقوطه، ولكن سيكون لدينا فكرة أفضل مع اقتراب موعد وصول القمر الصناعي للغلاف الجوي للأرض”.

ورغم وعد الوكالة بإمكانية معرفة مكان سقوطه مع اقتراب موعد الوصول للغلاف الجوي للأرض، فإن العالم لا يبدو منشغلا بمكان السقوط مثل الصاروخ الصيني، لسبب آخر تشير إليه رشا غنيم، وهو نسبة الخطورة الضئيلة للغاية للقمر مقارنة بالصاروخ.

وتقول غنيم: “الصاروخ أغلب أجزائه من الحديد، وبالتالي ستكون هناك صعوبة في احتراق كل أجزائه في الغلاف الجوي، وبالتالي فإن سقوطه في مناطق مأهولة بالسكان قد يمثل خطورة، على عكس القمر الصناعي إيرث 2، فرغم ضخامته، فإنه مصنّع من خامات يسهل احتراقها في الغلاف الجوي ليتحول إلى شظايا صغيرة”.

ويزن القمر الصناعي 5047 رطلا (2294 كلغ) عندما يكون فارغا كما هو الآن، وهو كبير جدا بالنسبة لقطعة من الحطام الفضائي، لكن دخول أجسام بهذا الحجم للغلاف الجوي للأرض أمر معتاد هذه الأيام، وتحترق قطع من النفايات الفضائية ذات كتلة مماثلة في الغلاف الجوي للأرض كل بضعة أسابيع، وفقا لبيان وكالة الفضاء الأوروبية.

وتقول الوكالة: “من المتوقع أن ينقسم إيرث 2 إلى شظايا أصغر بمجرد وصوله إلى ارتفاع نحو 50 ميلا (80 كلم) فوق الأرض، وسوف يحترق معظمها في الغلاف الجوي، وقد يشق بعضها طريقه إلى سطح الأرض، ولكن من المتوقع أن يسقط في المحيط، ولن تحتوي أي من هذه الأجزاء على أي مواد سامة أو مشعة”.

صناعة أزمة دون مبرر

وإضافة للسببين السابقين، لا ينكر علاء النهري نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، الدور الذي تلعبه السياسة، حيث يبدو أن هناك ترصّد لكل خطوة تضع بها الصين قدماً في مجال الفضاء، وبطبيعة الحال لا توجد نفس هذه الدوافع السياسية لفعل الشيء نفسه مع أوروبا.

ويقول النهري في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”، إن “الولايات المتحدة والغرب ينظرون إلى الصين على أنها دخيلة في مجال الفضاء، لكنها رغم ذلك استطاعت خلال وقت قصير تحقيق إنجازات أبرزها الوصول للجانب المظلم من القمر، لتصبح أول دولة تفعل ذلك، كما قامت ببناء محطة الفضاء الخاصة بها”.

ويشير رئيس الجمعية الفلكية المصرية المهندس عصام جودة، إلى هذا البعد السياسي أيضا، قائلا إن “الصاروخ الصيني وإن كانت أجزاؤه حديدية، فإن فرص سقوطه في منطقة مأهولة بالسكان كانت ضعيفة للغاية، ولكن الولايات المتحدة الأميركية صنعت أزمة دون مبرر”.

ويضيف في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت” أنه: “كان من اللافت للانتباه بخصوص الأزمة المفتعلة في يوليو/تموز من عام 2022 بخصوص الصاروخ لونغ مارش 5 بي الذي استُخدم في إرسال أحد أجزاء محطة الفضاء الصينية، أن الصين أطلقت قبله بشهرين صاروخا كان يحمل جزءا مركزيا من وحدة محطة الفضاء الصينية، وسقط الصاروخ حينها بعد اختراقه الغلاف الجوى للأرض فوق المحيط الهندي شمال جزر المالديف دون أن يسبب أي أخطار، ولكن أميركا افتعلت ضجة مع عملية الإطلاق الثانية، وسقط الصاروخ كما الأول فوق المحيط الهندي”.

والمفارقة اللافتة أن دراسة كندية نشرتها دورية “نيتشر أسترونومي” في 11 يوليو/تموز من عام 2022، كشفت أن الولايات المتحدة لا تفعل في بعض الأحيان ما طالبت الصين بفعله من ضرورة وجود إجراءات لضمان عدم وقوع أي أخطار من الصواريخ المستعادة بعد حوادث الإطلاق.

وقالت الدراسة إن من الضوابط التي وضعتها الحكومة الأميركية على سبيل المثال، أن يكون خطر وقوع إصابات أقل من عتبة 1 من 10 آلاف، لكن الحقيقة التي كشفتها الدراسة، أن وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” تنازلت عن هذا الشرط سبع مرات بين عامي 2008 و2018، بما في ذلك إطلاق الصاروخ “أطلس 5” عام 2015 في مهمة خاصة لدراسة الغلاف المغناطيسي للأرض.

وعلى ذلك، فإن جودة يرى أن “الخطر الذي يهدد سكان الأرض سواء من الصواريخ الحاملة للمهام الفضائية أو الأقمار الصناعية يبدو محدودا للغاية. ولكن إذا كانت هناك رغبة لمزيد من التنظيم الذي يجعل احتمالات الخطر معدومة، فإن الأمر يحتاج في رأيه إلى معاهدات تضع شروطا ملزمة للجميع، وليس مجرد مبادئ توجيهية.

Pour plus d’informations et d’analyses sur la Gabon, suivez Africa-Press

LAISSER UN COMMENTAIRE

Please enter your comment!
Please enter your name here