عبد التواب بركات
أفريقيا برس – مصر. كثرت تصريحات النظام المصري عن مشروعات تنمية سيناء وتعميرها بتوطين ملايين المصريين فيها لحمايتها من أطماع إسرائيل التي احتلتها مرتين، في سنة 1956 لمدة خمسة شهور، وفي سنة 1967 لمدة 15 سنة. وروج الإعلام المصري في سنة 2014 لاستهداف البرنامج الانتخابي للمشير عبد الفتاح السيسي توطين 3 ملايين شاب مصري في سيناء.
وكشف رئيس الوزراء مصطفي مدبولي في سنة 2018 عن بدء الحكومة تنفيذ خطة لتوطين ثمانية ملايين مواطن في سيناء. وأعلن السيسي في إبريل/ نيسان 2020 أن نظامه أنفق 600 مليار جنيه (تعادل 40 مليار دولار وفق سعر الصرف في هذا التاريخ)، على تنمية شبه جزيرة سيناء، وأكد أن الدولة ستنتهي من كامل مخططها في تنمية سيناء بنهاية سنة 2020. ومرت عشر سنوات على تلك التصريحات، وما زالت سيناء محرومة من التنمية وتعاني من تهجير 100 ألف مواطن من أهلها.
تدمير وتهجير رفح والشيخ زويد
الواقع أن نظام السيسي ينفذ سياسات تدمر مقومات التنمية في سيناء وتهجر أهلها تحت غطاء شعارات جوفاء يدعي فيها أن تعمير سيناء هو واجب وطني مقدس. فعلى سبيل المثال، أعلن السيسي في أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2014، بعد توليه الحكم رسميا في يوليو/ تموز من العام نفسه، حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر في شمال سيناء، وبعد خمسة أيام، أصدر رئيس الوزراء إبراهيم محلب مرسوماً يأمر بـ”عزل” و”إخلاء” 79 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء على طول حدود غزة، بما فيها مدينة رفح بأكملها.
وعلى مدار الأعوام الأربعة التالية، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش هدم الجيش المصري مدينة رفح بالكامل، وفيها ما يزيد عن 6850 مبنى ومنازل سكنية، وإجلاء العائلات التي تضم 70 ألف مواطن في رفح وحدها، و30 ألفاً في الشيخ زويد والعريش، بشكل دائم ودون تعويض أو سابق إنذار، وقتل واعتقال عدد منهم دون جريمة أو تحقيق، وبعيدا عن أعين الإعلام وبعد حرمانهم من الاتصالات والإنترنت والأغذية والأدوية والمياه والكهرباء.
ورغم تحذير الشخصيات الوطنية والمؤسسات الدولية من خطورة هذه السياسة، واعتراف السيسي قبل انقلاب يوليو 2013 بأن نسف البيوت في رفح والشيخ زويد وقتل الأبرياء يحول الأهالي إلى عدو للجيش وللدولة، لكنه استمر في تنفيذ جرائم التدمير والتهجير والتي وصفتها المنظمة الدولية بأنها ترقى لجرائم الحرب التي يقوم بها الجيش الوطني ضد مواطني دولته الذين من المفترض أن يحافظ على حياتهم ويؤمن ممتلكاتهم.
ولأول مرة يكشف مدير مديرية الزراعة واستصلاح الأراضي بمحافظة شمال سيناء عاطف عبيد، لجريدة المال، في 3 مايو/ أيار سنة 2018، أن جميع الأراضي الزراعية في مدن رفح والشيخ زويد والعريش تم تجريفها بالكامل، باستثناء 10% من أراضي العريش، وأن 80% من محصول الزيتون فقد تماما بسبب تجريف ما يقرب من 25 ألف فدان من الأراضي الزراعية المزروعة بالزيتون، وأن خمسة آلاف فدان فقط نجت من التجريف في العريش.
وبحجة محاربة الإرهاب، أصدر السيسي قراراً في سنة 2021 بتوسعة المنطقة “المحظورة” في شمال سيناء لتصبح بمساحة 2655 كيلومتراً مربعاً، لتشمل مدينة الشيخ زويد بالكامل و11 قرية تابعة لها، وسبع قرى جديدة تابعة لمنطقة رفح، ومناطق جنوب مدينة العريش، وأجزاء واسعة تابعة لمدينة الحسنة.
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تجمع آلاف النازحين من الأهالي من قرى الوفاق، غرب رفح، والمهدية، جنوب رفح، للاحتجاج سلمياً على رفض القوات المسلحة الوفاء بوعد إعادتهم إلى قراهم بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تهجيرهم، رغم إعلان السيسي عن انتهاء العمليات العسكرية ضد الإرهاب، وقمعت قوات الأمن المحتجين، واعتقلت عدداً منهم، وحكم عليهم بالسجن مدداً تراوح بين ثلاث وعشر سنوات في قضية عرفت إعلامياً بحق العودة.
إسرائيل تحتل سيناء وتنميها
بمناسبة الاستعدادات لإعادة مدينة العريش إلى السيادة المصرية في 25 مايو/ أيار عام 1979، أعدت السفارة البريطانية في تل أبيب تقريراً عن أهمية سيناء بالنسبة لإسرائيل، وقالت إنها كانت، وتظل، استراتيجية، لأن الإسرائيليين يعتبرون سيناء منطقة عازلة لجيش الدفاع الإسرائيلي لحماية دولة الاحتلال، وحلماً سياحياً، وثروة طبيعية ومشروعاً زراعياً مربحاً، وامتداداً لحدود إسرائيل الضيقة يوفر متنفساً روحياً من ضغوط الحياة لدى الإسرائيليين.
وأثبت التقرير أنه بمجرد احتلال سيناء، قام جيش الاحتلال بإحداث تنمية لسكان سيناء، فزاد عدد السكان من 70 ألف نسمة عام 1967 إلى 90 ألف نسمة خلال سنتين، بزيادة 28%، وهو ما رآه البريطانيون دليلاً على اهتمام إسرائيل بالبدو في سيناء رغم كونها قوة احتلال. وأكد التقرير البريطاني الذي نشره موقع “بي بي سي” أن الجيش الإسرائيلي أولى أهمية للحفاظ على علاقات ودية مع بدو سيناء لكسب ودهم، وأن إسرائيل أقرت مبدأ أن الحصول على أصدقاء أفضل من الحصول على أعداء.
ورصد التقرير أن الكثير من الإسرائيليين أظهروا معاملة حسنة للبدو وشجعوا على توجه يتسم بالكرم تجاههم. وشجع “شين بيت”، وهو جهاز الأمن العام الإسرائيلي، مشروعات الرعاية المعيشية لبدو سيناء، بخاصة توفير إمدادات المياه للتجمعات المعزولة، لتشجيعهم على البقاء في المناطق الداخلية بدل الهجرة إلى المستوطنات الساحلية التي أقامتها إسرائيل في شمال سيناء. وتوسعت إسرائيل في استعمار سيناء بتنمية الثروة الحيوانية والداجنة في العريش ورفح وأبو طويلة عن طريق إدخال سلالات جديدة، كدواجن الروكي الأبيض، والهندي الأحمر، وهي سلالة تتميز بحجمها الكبير، حيث يصل وزن الواحدة منها إلى 2.5 كيلوغرام في مدة لا تتخطى 45 يوماً، كما أدخلت سلالة الرومي الأبيض والأحمر لسيناء، ويصل وزن الواحدة منها إلى 20 كيلوغراماً، وهو إنجاز يعتبر كبيراً في السبعينيات.
وأدخلت إسرائيل إلى شمال سيناء سلالة الماعز الروماني الأبيض، وهي سلالة تتميز بغزارة إدرارها للألبان وارتفاع إنتاجها من اللحوم، كما أدخلت الأبقار الفريزيان الغزيرة في إدرار الحليب في جنوب سيناء، حيث المناخ المعتدل في الصيف والبارد في الشتاء. استهداف الصيادين في سيناء مثال آخر لتقويض فرص التنمية في سيناء، في سنة 2019 أصدر السيسي مرسوماً رئاسياً رقم 294، يعتبر بحيرة البردويل ضمن اختصاص القضاء العسكري التابع للجيش، رغم أنها منطقة مدنية يعمل فيها 3500 صياد من سيناء ورثوا مهنة الصيد عن آبائهم.
وفي السادس من يناير/ كانون الثاني الماضي، ألقت وحدة تابعة للشرطة العسكرية من جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة القبض على خمسة صيادين سيناويين عند بحيرة البردويل، وحولتهم النيابة العسكرية للقضاء العسكري بتهمتي صيد السمك خلال فترات محظورة ولوجودهم في منطقة عسكرية. ونددت منظمة العفو الدولية بعسكرة البحيرة وبمحاكمة الصيادين عسكرياً وحرمانهم من المحامين واعتبرت ذلك ظلماً لا مبرر له.
في المقابل، نالت الثروة السمكية في سيناء حظاً وافراً من الاهتمام الإسرائيلي، ونقلت ألف قارب آلي لصيد الأسماك من بحيرة البردويل، وكان ينقل الإنتاج مباشرة بالطائرات إلى إسرائيل تمهيداً لتصديره للخارج. وتذكر الوثائق التاريخية أن الخزانة الإسرائيلية حصلت على مبلغ 600 ألف شيكل إسرائيلي خلال الفترة المحصورة بين عام 1973 ومنتصف عام 1979، قيمة الضرائب التي تم تحصيلها من صيادي منطقة بحيرة البردويل وساحل سيناء الشمالي فقط، وهو ما يدل على ذكاء ومكر المحتل الإسرائيلي في استغلال مصايد سيناء الغنية بمخزون سمكي استراتيجي، وحرصه على تشغيل الصيادين المصريين.
هذه السياسات التنموية نفذتها إسرائيل في سيناء رغم كونها قوة احتلال، ليس لأن جيشها جيش أخلاقي كما يدعون ولكن لكسب ولاء الأهالي في سيناء. والمؤسف أن هذه السياسات هي نفسها التي تحاربها الحكومة المصرية في سيناء وتدمرها بعد مرور نصف قرن على تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي. تدمير سيناء الممنهج وتهجير 100 ألف من الأهالي من رفح والشيخ زويد جعلها هدفا لأطماع إسرائيل.
فبعد خمسة أيام فقط من هجوم السابع من أكتوبر 2023، نشرت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية وثيقة تكشف عن مطامع إسرائيلية باستغلال سيناء في توطين الفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة، واعتبرته البديل الأفضل لأمن إسرائيل في الأمد البعيد. وباعتبار ذلك جزءاً من الخطة، تردد أنه سيتم بناء مدن دائمة لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان الجدد في سيناء، وإنشاء محيط أمني لمنعهم من دخول إسرائيل مرة أخرى.
وبعد خمسة أيام فقط من مراسم تنصيبه في يناير الماضي، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن المخطط الإسرائيلي المعد لتوطين الفلسطينيين في سيناء جاد، وطالب الأردن ومصر باستضافة الفلسطينيين من قطاع غزة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس