أفريقيا برس – مصر. في خطوة تكشف عن تصاعد التوترات الأمنية بين مصر وإسرائيل، أجرى وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مناقشات رفيعة المستوى مع مسؤولين إسرائيليين تناولت ما وصفه بـ”الخروقات المصرية” للملحق العسكري لاتفاق السلام بين البلدين، في إشارة إلى تطورات ميدانية تتعلق بالبنية التحتية العسكرية المصرية في شبه جزيرة سيناء. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، أول من أمس الإثنين، فإن قوة المراقبة متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة، رصدت “خروقات” مصرية وأبلغت عنها، ما دفع كاتس إلى مطالبة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بـ”التعمق” في دراسة تداعياتها. كما ادعى مسؤول أمني إسرائيلي، بحسب ما نقلته صحيفة “يسرائيل هيوم”، أن مصر “تنتهك” اتفاقية السلام مع إسرائيل وتعزز قدراتها العسكرية في شبه جزيرة سيناء. ونقلت الصحيفة عنه مطالبة إسرائيل كلا من مصر والولايات المتحدة، بتفكيك البنية العسكرية المصرية في سيناء، بدعوى أنها تشكل “انتهاكاً واضحاً لاتفاقية السلام مع تل أبيب”.
وجود الأمر الواقع
وقالت مصادر خاصة إن الوجود العسكري المصري في المنطقة (ج) يُعدّ أمراً واقعاً حتى الآن، وإنه لم يتم تضمينه في أي بروتوكول أمني جديد بين مصر وإسرائيل. وأكدت المصادر أن الحديث عن تفكيك ما استحدثته مصر من بنية تحتية عسكرية جديدة في سيناء، ليس ممكناً في هذه اللحظة التاريخية الحرجة، في ظلّ ظروف الحرب الحاصلة في قطاع غزة، وعرقلة إسرائيل تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق تخفيف التصعيد، بالإضافة إلى إصرار إسرائيل على التمسك بمحور صلاح الدين (فيلادلفي -على الحدود مع سيناء).
وبحسب ما أفادت به المصادر، فإن عام 2012 هو التاريخ الذي حدث فيه أول انتهاك من جانب الجيش المصري للملحق الأمني الوارد في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979. وأوضحت أن الجيش المصري قام في ذلك العام، وللمرة الأولى منذ توقيع المعاهدة، بنشر قوات ثقيلة تشمل مدرعات ودبّابات ومدفعية وغيرها في المنطقة (ج) المتاخمة لخط الحدود الدولية مع غزة وإسرائيل.
وأضافت المصادر أن إسرائيل تقدمت حينها بشكوى إلى الولايات المتحدة، باعتبارها راعي معاهدة السلام وعرّاب اتفاقات السلام في المنطقة، لكن واشنطن قامت في نهاية المطاف بطمأنة إسرائيل بأن الانتشار لا يشكل تهديداً لأمنها.
وأوضحت المصادر أن الرؤية المصرية في ذلك الوقت كانت أن هذا التحرك جاء في سياق مكافحة الإرهاب في سيناء. وأكدت أن الانتشار العسكري المصري الثقيل في المنطقة (ج) لا يزال حتى هذه اللحظة خارج الأطر القانونية المنصوص عليها في الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، سواء معاهدة السلام الأصلية لعام 1979، أو الملحق الأمني المرفق بها، أو بروتوكول محور صلاح الدين الموقع في عام 2005، أو البروتوكول الأمني الثاني الذي تم توقيعه بين مصر وإسرائيل في عام 2021.
وقائع في سيناء وغزة
وختمت المصادر حديثها بالتأكيد على أن الوقائع على الأرض فرضت نفسها منذ عام 2012، وأن القاهرة ترى أن الظروف الراهنة لا تسمح بأي نقاش جدي بشأن تقليص أو سحب هذا الوجود العسكري، خصوصاً في ظل التصعيد المستمر في قطاع غزة والتعقيدات المرتبطة بمحور صلاح الدين. وعلى الرغم من أن اللهجة الحذرة التي تبناها وزير الأمن الإسرائيلي، حيث أكد أهمية العلاقات مع مصر باعتبارها أول دولة عربية وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، إلا أن خلف السطور تظهر ملامح قلق متزايد من تغير موازين الانتشار العسكري في المنطقة الحدودية.
وتتضمن معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 ملحقاً أمنياً بالغ التفصيل، يحدد بوضوح المناطق داخل سيناء التي يُسمح فيها بانتشار القوات المصرية، ونوع التسليح المسموح به، وعدد القوات. ويقع الجزء الأكبر من سيناء، خصوصاً المحاذي لحدود الأراضي المحتلة، ضمن “المنطقة ج” التي يُحظر فيها الوجود العسكري الثقيل إلا بتنسيق مسبق مع تل أبيب. ومع تصاعد التهديدات الأمنية في شمال سيناء خلال العقد الماضي، وافقت إسرائيل في عدة مناسبات على إدخال تعزيزات عسكرية مصرية بشكل مؤقت، في إطار مكافحة الإرهاب. غير أن التطورات العسكرية الأخيرة، بحسب ما تزعم إسرائيل، تتجاوز تلك التفاهمات، وتشير إلى إنشاء بنية تحتية ثابتة، قد تُفسر على أنها تغيير في قواعد الاشتباك.
واعتبرت مصادر أمنية غير رسمية في القاهرة أن التحركات المصرية تأتي في سياق إعادة تموضع دفاعي لحماية الأمن القومي، لا سيما مع تصاعد مخاطر الانفلات الأمني على الجانب الفلسطيني من الحدود.
وتشكّل قوة المراقبة متعددة الجنسيات (MFO) حجر الزاوية في تنفيذ الاتفاقية، حيث تُعنى برصد التحركات الميدانية والتحقق من الالتزام ببنود الملحق الأمني. وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن هذه القوة قدّمت ما اعتبرته “أدلة” على تجاوزات مصرية.
وبرأي أستاذ القانون الدولي العام، الدكتور أيمن سلامة، فإن الحديث عن تعديل محتمل للملحق الأمني المرفق بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979، لا يمكن فصله عن مبدأ قانوني دولي راسخ، هو “التغير الجوهري في الظروف”. وأكد أن هذا المبدأ يتيح للدول مراجعة التزاماتها التعاقدية عندما تطرأ تحولات عميقة لم تكن متوقعة وقت توقيع المعاهدة، ويصبح من المتعذر الاستمرار في تنفيذ الالتزامات على النحو ذاته.
وذكّر سلامة بأن أول تعديل فعلي للملحق الأمني وقع في عام 2005، ضمن ما عُرف بـ”ترتيبات محور فيلادلفي (صلاح الدين)”، بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، حيث رأت تل أبيب أن الظروف الأمنية تغيرت جذرياً، ما استدعى التفاوض مع مصر لتحديث بعض بنود الترتيبات الأمنية. ولفت إلى أن التعديل الثاني جرى في 2021، بموجب بروتوكول جديد أتاح للمرة الأولى نشر قوات مصرية في المنطقة (ج) مزودة بأسلحة ثقيلة ومدرعات، وهو ما كان محظوراً بموجب الاتفاق الأصلي. وفي ما يتعلق بأي تعديل محتمل في الوقت الراهن، شدّد سلامة على أن المعيار الأساسي هو وقوع تغير جوهري، بمعنى أن تكون التحولات الأمنية أو الجيوسياسية كبيرة لدرجة تؤثر على جوهر الالتزامات المتبادلة. لكنه أوضح أن هذا لا يعني أن لمصر أو لإسرائيل حقاً منفرداً في تعديل الاتفاق، بل يشترط الأمر موافقة الطرفين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس