جدل تيران وصنافير يتجدد.. السيادة والمعاهدة المصرية الإسرائيلية

0
جدل تيران وصنافير يتجدد.. السيادة والمعاهدة المصرية الإسرائيلية
جدل تيران وصنافير يتجدد.. السيادة والمعاهدة المصرية الإسرائيلية

أفريقيا برس – مصر. عادت جزيرتا تيران وصنافير عند مدخل خليج العقبة إلى واجهة الجدل الإعلاميّ والسياسيّ في مصر، بعد تقارير صحافية عن عرض سعودي بإقامة قاعدة عسكرية أميركية فيهما، ما أعاد تسليط الضوء على تعقيدات ملف السيادة عليهما، وتبعات اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والقيود المفروضة على الجزيرتَين بموجب معاهدة السّلام المصرية الإسرائيلية. ورغم الخلاف المحتدم حول وضع الجزيرتَين؛ القانوني والميداني، فإنّ الثابت، استناداً إلى الوثائق الرسمية وتصريحات الجهات المصرية الحكومية، أن السيادة على الجزيرتَين انتقلت فعلياً إلى السعودية عقب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية في عام 2016، التي صادق عليها البرلمان المصري، ثم جرى إيداعها لدى الأمم المتحدة. وبالتالي، فإنّ الحديث عن عدم إتمام إجراءات تسليمهما رسمياً لا يزال محصوراً في نطاق النقاش الإعلامي فحسب، من دون تأكيد قانوني أو رسمي. وفي ما يتعلق بخلاف انسحاب قوات حفظ السلام الدولية من الجزيرتَين، على الرغم من تأكيد مصادر دبلوماسية مصرية أن هذه القوات انسحبت من جزيرة تيران في عام 2023، فإن إدارة القوة متعدّدة الجنسيات في روما لم تعلن رسمياً عن ذلك، ولم يصدر عن الحكومة المصرية ما يؤكد الأمر أو ينفيه، في حين أفادت مصادر أهلية في جنوب سيناء بأن عناصر القوّة لا تزال تمارس نشاطها المعتاد في جزيرة تيران.

تتحكم جزيرتا تيران وصنافير في الممر الملاحي المؤدي إلى ميناءي العقبة الأردني وإيلات الإسرائيلي، ما يمنحهما أهمية استراتيجية استثنائية. ولطالما كانت السيادة عليهما محل جدل تاريخي، زاد تعقيداته توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية في إبريل/ نيسان 2016، التي أقرّت بنقل السيادة إلى المملكة، في حين كانت مصر تتولى إدارتهما منذ خمسينيات القرن الماضي. ورغم تصديق البرلمان المصري وموافقة مجلس الدولة عليها، فإن الاتفاقية أثارت احتجاجات واسعة داخل مصر، كما خضعت للطعن أمام المحاكم، قبل أن تفصل المحكمة الدستورية العليا بوقف تنفيذ أحكام سابقة ببطلانها، ما أنهى المسار القانوني داخل مصر لصالح الحكومة.

حساسية ملف تيران وصنافير

وتزيد حساسية ملف جزيرتَي تيران وصنافير بالنظر إلى موقعهما ضمن “المنطقة ج” بحسب الترتيبات الأمنية لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقّعة عام 1979، وهي المنطقة منزوعة السلاح في سيناء، التي يُسمح فيها بوجود أمني مصري محدود تحت رقابة قوات حفظ السلام متعدّدة الجنسيات (MFO). وتنص الاتفاقية على أن جزيرة تيران التي كانت تتبع محافظة جنوب سيناء تبقى تحت السيطرة الأمنية لهذه القوات، ما يجعل أي تغييرٍ في وضعها مرتبطاً بتوافق مصري – إسرائيلي – أميركي. وقد أُخليت الجزيرة فعلياً من القوات المصرية بعد نقل السيادة، لكن إسرائيل اشترطت ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران جزءاً من التفاهمات المرتبطة بعملية التسليم.

في خضم هذا الجدل، زاد اللواء المتقاعد سمير فرج، الذي يُعد من الوجوه الإعلامية القريبة من دوائر صناعة القرار في مصر، من حدّة النقاش في تصريحه أخيراً أنّ “مصر لا تزال تمارس السيطرة على جزيرتَي تيران وصنافير”، كما زاد الجدل بإقامة المحامي المصري علي أيوب وزملاء له دعوى قضائية عاجلة أمام محكمة القضاء الإداري في مصر، ضد كل من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، طعناً على القرار الجمهوري المتعلق بالموافقة على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. ورغم حكم نهائي باتٍّ من المحكمة الدستورية، وهي أعلى سلطة قضائية مصرية، طالبت الدعوى بقبول الطعن شكلاً.

وفي الشق العاجل، التمس مقيمو الدعوى وقف تنفيذ القرار الجمهوري بالموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الحكومتَين المصرية والسعودية. وهو ما أعاد طرح التساؤلات بشأن الفارق بين السيادة القانونية والسيطرة الفعلية على الأرض. فمن منظور القانون الدولي، هذا التفريق جوهري، إذ تؤول السيادة القانونية إلى الدولة التي تمتلك الحق المعترف به دولياً في إدارة الأرض بموجب الاتفاقيات والمواثيق، وهو ما تحقق للمملكة بموجب اتفاقية تعيين الحدود البحرية الموقعة في 2016 والمودعة في الأمم المتحدة، أما السيطرة الفعلية، فقد تكون مؤقتة أو تقنية وتُمارسها جهة أخرى لأغراض الحماية أو التنسيق، كما حال الدور المصري المتبقي في بعض جوانب التعامل مع القوات الدولية.

في السياق، قال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة: “أودعت اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية في الأمم المتحدة بتاريخ 25 يوليو/تموز 2017. ومنذ يناير 1950، لم تزعم مصر رسمياً سيادتها على الجزيرتَين طرفةَ عين، بل كانت تقوم بحمايتهما من دون أن تنتقص تلك الحماية من السيادة السعودية الكاملة على الجزيرتَين التابعتَين إدارياً لإمارة تبوك بالمملكة”، وأضاف أن “السعودية مارست سيادتها الفعلية على الجزيرتَين منذ عامَين، حين طلبت رسمياً من قوة حفظ السلام الدولية (MFO) الانسحاب من جزيرة تيران، وقد استجابت المفرزة البحرية التابعة للقوة وانسحبت فعلياً من الجزيرة”، مشيراً إلى أن “القوة الدولية تباشر الآن مهامها في مراقبة الملاحة البحرية العالمية في مضيق تيران من داخل الأراضي المصرية، وذلك بعد تنسيق مباشر مع الحكومة المصرية”.

قوات حفظ السلام لم تغادر تيران

وكان تقرير لموقع أكسيوس الأميركي قد أفاد بأن قوات حفظ السلام متعدّدة الجنسيات، بقيادة الولايات المتحدة، لم تغادر جزيرة تيران، رغم اتفاق على ذلك. ويُعزى هذا إلى عوامل عدّة، منها طلبات مصرية لم تُنفّذ بعد، مثل تسليم معدّات عسكرية تقنية خاصة بالطائرات الأميركية من طراز أف ـ 16، إضافة إلى اعتراض إسرائيلي على مشاركة مصرية في مراقبة المضيق باستخدام كاميرات منصوص عليها في التفاهمات، وهو ما أدّى إلى تعطيل تنفيذ الانسحاب. ويبرز هذا الوضع تعقيدات مرتبطة بالسيادة على الجزيرتَين، ورأى مراقبون أن السيادة السعودية لم تُستكمل فعلياً بسبب عدم تنفيذ جميع الإجراءات الميدانية، بينما اعتبر آخرون توقيع الاتفاقية وتصديق البرلمان المصري عليها كافيَين لنقل السيادة من الناحية القانونية. ونفت مصادر رسمية مصرية ما جرى تداوله إعلامياً عن احتمال إقامة قاعدة عسكرية أميركية على الجزيرتَين بالتعاون مع السعودية، ما فُسّر اختراقاً محتملاً لترتيبات أمنية حساسة في المنطقة، وأكدت المصادر تمسّك القاهرة باتفاقية السلام ورفضها لأي وجود عسكري أجنبي دائم في المناطق ذات الحساسية الاستراتيجية، مشيرة إلى أن التنسيق مع السعودية والولايات المتحدة مستمر في إطار المصالح المشتركة من دون المساس بالسيادة الوطنية أو الالتزامات الدولية.

ورأى مراقبون أن الجدل المتجدّد حول جزيرتَي تيران وصنافير لا يمكن فصله عن التحولات الإقليمية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، خصوصاً مع تصاعد المنافسة بين القوى الدولية والإقليمية في الممرات البحرية، فالسعودية تسعى، منذ سنوات، إلى تعزيز نفوذها في البحر الأحمر، فيما تعمل واشنطن على تعزيز وجودها لموازنة تحركات الصين وروسيا وتأمين الملاحة الدولية. ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات غير مسبوقة، من الحرب في اليمن، إلى التوترات في السودان، فضلاً عن التحدّيات المستمرة في مضيق باب المندب، ويبدو أن موقع الجزيرتَين المغري قد يضعهما مرة أخرى في بؤرة الصراع الجيوسياسي بين الفاعلين الكبار في المنطقة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here