انتخابات الصحافيين المصريين ليست حدثاً عابراً

0
انتخابات الصحافيين المصريين ليست حدثاً عابراً
انتخابات الصحافيين المصريين ليست حدثاً عابراً

علاء البحار

أفريقيا برس – مصر. جاءت انتخابات نقابة الصحافيين التي جرت يوم الجمعة 3 مايو، خارج السياق السياسي والاجتماعي في مصر. كانت انتخابات حرّة بمشاركة قوية انتهت بفوز تيار الاستقلال على التيار الحكومي خاصّة على مستوى منصب النقيب. وأعادت هذه الانتخابات الأمل في إمكانية التغيير السياسي والاقتصادي في مصر بعيداً عن “أدلجة” الصراع التي أدت إلى مزيد من القمع واعتقال الكثير من المعارضين وسط تراجع كبير على المستويات كافّة.

عانق خالد البلشي الذي فاز بمقعد نقيب الصحافيين المصريين منافسه على نفس المقعد عبد المحسن سلامة، المرشح الحكومي الذي أطلق وعوداً مهنية وخدمية ومعيشية براقة، استناداً إلى اتفاقات مع وزارات ومؤسّسات حكومية منها المالية والإسكان دعمته خلال المعركة الانتخابية.

مشهد العناق يؤكد أن ديمقراطية نقابة الصحافيين حقيقية في اتجاه معاكس للمشهد العام في مصر. انتقال سلمي وسهل وسلس رغم أن المعركة كانت حامية الوطيس بين تيار الاستقلال ومرشح حكومي من الطبيعي أن يفوز قياساً على المشهد العام.

وكان الفوز صعباً، إذ انتصر البلشي بمنصب النقيب للمرة الثانية توالياً، بعد أن حصد 3346 صوتاً بنسبة 55% من المصوّتين، متقدماً على سلامة النقيب الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الحكومية وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي حصل على 2562 صوتاً. يذكر أن إجمالي عدد أعضاء الجمعية العمومية بلغ 10224 عضواً، بينهم 187 بفرع النقابة الفرعية بالإسكندرية موزعين على 24 لجنة انتخابية.

وما أفاد البلشي في الانتخابات هذا العام تجربته الناجحة في إدارة جميع الملفات المهنية والخدمية والمعيشية، رغم عدم تحقيقه لكل الآمال التي كانت معقودة عليه. لكنّه أعاد للنقابة كرامتها وجعلها رقماً مهماً وأثار ملفات مسكوتاً عنها، وساهم مع أعضاء مجلس النقابة في تحسين موازنة النقابة وإحداث نقلة في الخدمات، وبدأت تطفو على السطح قضية أجور الصحافيين على نحوٍ جريء.

وكان البلشي قد أطلق في وقت سابق حملة “أجر عادل للصحافيين” على هامش التحضير للمؤتمر العام السادس للصحافيين، واستهدفت الحملة العمل على رفع قيمة أجور الصحافيين تمهيداً للوصول إلى لائحة أجور عادلة لكل الصحافيين، وكذلك رفع قيمة العقد النقابي، بما يتناسب مع الحد الأدنى للأجور في مصر المعلن من الرئاسة المصرية ضمن حزمة الإجراءات الاجتماعية الأخيرة مع مراعاة الدرجات المالية المختلفة.

وأكد البلشي أن الحملة استهدفت أيضاً تحسين الوضع المهني للصحافيين بما يتناسب مع قيمة عمل الصحافي، واستعادة مكانة الصحافة والصحافيين في المجتمع ضمن مراجعة كاملة لأوضاع المهنة، وكذلك لأوضاع العمل داخل المؤسّسات المختلفة، والقيود التي تكبل عودتها لممارسة دورها، بما ينعكس اقتصادياً على المؤسسات.

وكشف البلشي أنه بدأ الحملة بمخاطبة المجلس القومي للأجور لإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور المطبق على القطاع الخاص، ورفع قيمته من 3500 جنيه إلى 6 آلاف جنيه (الدولار = نحو 50.7 جنيهاً)، ضمن إجراءات الحزمة الاجتماعية الأخيرة بما يضمن تطبيقه على جميع المؤسّسات الصحافية.

ومن اللافت في هذا السياق، أن نسبة الفقر بين الصحافيين ازدادت، خلال السنوات الأخيرة، فهم جزء من المجتمع المصري الذي يعاني ثلثه من الفقر، حسب إحصائيات رسمية، وهو الأمر الذي جعل من تحسين أوضاعهم المالية والمعيشية بنداً رئيسياً في برنامج أي مرشح. وكان البلشي قد تعهد في برنامجه قبل الانتخابات ببدء العمل في إقامة مشروع مدينة سكنية للصحافيين، وفصل زيادة بدل الصحافيين عن انتخابات النقابة، منعاً لاستغلاله لصالح مرشح بعينه، وفي المقابل تعهد سلامة برفع البدل وتوفير وحدات سكنية في عدد من المدن الجديدة، وتخصيص نحو 20 ألف فدان من الأراضي الزراعية، لأعضاء النقابة.

ورغم أن وعود سلامة كانت أقوى شكلاً، إلّا أن الصحافيين فضلوا الرهان على التجربة الناجحة للبلشي في دورته الأولى، التي جعلت للنقابة وزناً كبيراً بعد أن تراجع دورها كثيراً في ظل الاختناق الديمقراطي التي عانت منه مختلف المؤسّسات النقابية والعمالية والجامعات وغيرها.

ويبدو للبعض أن ما حدث تغيير استثنائي إلى حد ما وغير متوقع في ظل الأجواء التي أحاطت بالانتخابات، إلّا أن النتيجة لن تكون حدثاً عابراً من وجهة نظري، فنجاح التغيير عبر انتخابات حرة في نقابة الصحافيين قد تشجع على توسيع التجربة والتمهيد لتغيير أكبر، لا سيّما في ظل الأزمات الاقتصادية والمجتمعية الخانقة التي يعاني منها المصريون، إذ باتت طرق الحل مسدودة من كوادر الحكم التي تدير الدولة في هذه المرحلة.

وللعلم فإن النقابة لها دور تاريخي معروف لم يكتفِ بمعارك طاحنة ضد كبت الحريات، بل امتد لتشارك في ثورة 25 يناير، وتبنت قضايا وطنية سياسية واقتصادية واجتماعية محلية وعربية أيضاً، وظهر ذلك واضحاً قبل انطلاق التصويت على منصب النقيب ونصف أعضاء مجلس النقابة، إذ وقف الصحافيون المصريون دقيقة حداد في مقرّ النقابة وسط القاهرة، على “شهداء الصحافة الفلسطينية” الذين قضوا خلال حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة، مجدِّدين رفضهم لأي مخطط لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، بل نظم الصحافيون مظاهرات عديدة أمام مقرّ النقابة تضامناً مع غزة وسط صمت شبه كامل في أنحاء مصر.

ورغم تفاؤلي بتداعيات انتخابات الصحافيين، إلّا أنني أستوعب تماماً أن امتداد التغيير على نحوٍ أوسع ليس سهلاً، خاصة في ظل تربّص الدولة الروتينية العميقة في مصر بالحريات عامةً، وتشبثها بإغلاق أي مساحات تظهر في هذا الأفق، لكن انتخابات نقابة الصحافيين أنتجت لنا بصيصاً من الأمل بأن التغيير ممكن، ولكن يحتاج إلى وعي كبير جداً في المجتمع توفر إلى حد ما في نقابة الصحافيين المصريين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here