أطماع ترامب في قناة السويس

0
أطماع ترامب في قناة السويس
أطماع ترامب في قناة السويس

عبد التواب بركات

أفريقيا برس – مصر. طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب كلّاً من مصر وبنما بالسماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية على السواء، بالمرور مجانا دون دفع رسوم عبور لقناتي بنما والسويس وادعى أن هاتين القناتين ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأميركية، وطالب في منشور على منصة تروث سوشال التي يمتلك معظم أسهمها وزير خارجيته ماركو روبيو بالعمل على تحقيق هذا الهدف فوراً، وذلك بعد أشهر من تهديده بإعادة فرض سيطرة بلاده بالكامل على قناة بنما، لو تطلب الأمر التدخل بالقوة العسكرية، بحجة أن الولايات المتحدة هي التي أنشأت القناة في سنة 1904، وأن الرسوم التي تفرضها بنما لعبور سفن الولايات المتحدة في القناة باهظة وسخيفة وغير عادلة، على حد وصفه.

بنما ترفض بجرأة بحزم وحسم وجرأة، رفض رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو، تهديد ترامب باستعادة الولايات المتحدة السيطرة على القناة. وحاولت وزارة الخارجية الأميركية فرض الأمر الواقع، فأعلنت من طرف واحد عن موافقة حكومة بنما على إعفاء السفن الأميركية من رسوم العبور.

لكن هيئة القناة نفت، في اليوم نفسه، مزاعم الوزارة وقالت، في بيان، إنها لم تجر أي تغييرات لفرض رسوم أو حقوق لعبور القناة، وإن بيانها كان رداً مباشراً على مزاعم الولايات المتحدة. ذلك أن إعفاء حكومة بنما السفن الأميركية من دفع رسوم العبور بالقناة يعني خسارة مالية كبيرة لدولتها، لأنّ الولايات المتحدة هي المستخدم الأكبر والرئيس لقناة بنما التي تُعدّ رافداً حيوياً وجزءاً أساسياً من اقتصاد بنما.

ففي عام 2024، حققت القناة 5 مليارات دولار أرباحاً إجمالية، تمثل 25% من الدخل السنوي لدول بنما. وتشكل حاويات التصدير والاستيراد الإجمالية للسلع الأميركية العابرة للقناة 75% من إيراداتها، بما يعادل 3.75 مليارات دولار، وخسارة هذا الدخل، بسبب توقف الولايات المتحدة عن دفع الرسوم أو بسبب احتلالها القناة عسكرياً، تعني إفلاس هيئة القناة وعجزها عن تشغيل القناة وتوقفها عن تقديم خدمة الملاحة وعبور السفن عبرها.

وكذلك، في حال احتلال القناة، سوف يعمل شباب بنما على وقف الملاحة بالقناة بكل طرق المقاومة. وفي كل الأحوال، ستكون الولايات المتحدة أكبر الخاسرين من توقف حركة الملاحة بقناة بنما.

فالقناة التي يبلغ طولها 51 ميلاً (82 كيلومتراً) وتخدم حوالي 4% من التجارة البحرية العالمية، هي شريان اقتصادي أميركي يمر به أكثر من 40% من حركة الحاويات الأميركية التي تُقدر قيمتها بنحو 270 مليار دولار سنوياً، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، الذي يمثل ما يزيد عن ربع (26%) من عمليات عبور القناة. وكذلك تعد وجهةً رائجةً لتجارة الساحل الشرقي الأميركي نظراً لسرعتها مقارنةً بالخيارات الأخرى.

إذ يستغرق شحن البضائع البحرية من شنتشن، في الصين، إلى فلوريدا، في الولايات المتحدة، عبر قناة السويس 41 يوماً، في مقابل 35 يوماً فقط عبر قناة بنما. ويظل خيار ترامب دفع 1.6% من قيمة البضائع الأميركية العابرة للقناة لحكومة بنما كرسوم عبور، أقل كلفة من التورط في احتلالها.

وبذلك، فإنّ مطالبته بإعفاء السفن من رسوم العبور والتهديد باحتلالها له لهما هدف أكبر، هو محاربة النفوذ الصيني في القناة. ترامب يبعد الصين عن بنما في ثنايا تهديد ترامب بالاستيلاء على قناة بنما، ادعى في خطاب تنصيبه أن حكومة بنما تساعد الصين في بسط نفوذها في الممر المائي الحيوي بالنسبة للولايات المتحدة، وأن الصين تمتلك وتدير استثمارات وخدمات في مرافق القناة تستخدمها غطاء في تشغيل القناة، وأنّ واشنطن لم تسلّم القناة لبكين التي تخوض حرباً اقتصادية معها. فهم رئيس بنما الرسالة، وأعلن الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية التي كان أول المنضمين إليها سنة 2017، ليصبح أول المنسحبين.

ثم أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي المقال، مايك والتز، عن انخراط الإدارة الأميركية مع قيادة بنما في مفاوضات للاستثمار في الموانئ على جانبي القناة. ثم فجرت شركة إدارة الأصول الأميركية العملاقة بلاك روك مفاجأة بالإعلان عن الاستحواذ على ميناءين في طرفي قناة بنما بالشراء من شركة سي كيه هاتشيسون، وهي شركة صينية مقرها هونغ كونغ، كان ترامب قد عبّر عن غضبه من تمدد نفوذها في القناة، في مقابل 22.8 مليار دولار، متضمنة حصة هاتشيسون كاملة في الميناءين.

إذاً، كان استحواذ “بلاك روك” على حصة “هاتشيسون” الصينية في قناة بنما الهدف من وراء هجوم ترامب على إدارة القناة، وهو إنجاز كبير له، إذ إنّ “هاتشيسون” شركة ضخمة ورائدة في مجال الاستثمار وتطوير وتشغيل الموانئ، ولها حضور قوي في 53 ميناء من أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في 24 دولة حول العالم، وتمتلك وتشغل 200 رصيف بحري، في آسيا وأوروبا والأميركتين والولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود.

ويبدو أنّ “بلاك روك” ستكون لاعباً دولياً وذراعاً أميركية في عهد ترامب للتوسع والسيطرة الاقتصادية والاستثمار في الممرات البحرية حول العالم، وستدخل في صراع اقتصادي مع العملاق الصيني “هاتشيسون” أينما كانت، وسوف يستغل ترامب نفوذه السياسي وعلاقاته التجارية للتأثير على القادة والحكومات لتنفيذ مشروعات استحواذ في الموانئ والممرات البحرية، وقد صرح الرئيس التنفيذي للشركة، لاري فينك، بعد الصفقة بأن الولايات المتحدة ستصبح من خلال الاتصال الوثيق بالحكومات حول العالم، وعلى نحو متزايد، الخيار الأول للشركاء الباحثين عن استثمار رأسمال طويل الأجل.

المعركة المقبلة في قناة السويس

بلاك روك الأميركية هي إحدى أكبر شركات إدارة الأصول في الولايات المتحدة، بأصول تبلغ 11.6 تريليون دولار، تعادل 40% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وتمتلك ثاني أكبر حصة في أكبر الشركات وأكثرها نجاحا في البلاد، بما في ذلك سلاسل وول مارت، وشركات أبل، وأمازون، ومايكروسوفت، وألفا مالكة غوغل، لكنها شركة محلية. على العكس من بلاك روك، فإن هاتشيسون الصينية ذات تاريخ عريق في إدارة مرافق الممرات المائية حول العالم.

وفي مصر، قامت في سنة 2005 بتحويل محطتين في ميناءي الإسكندرية والدخيلة من مرافق بضائع عامة محدودة إلى محطتي حاويات ومركز للتجارة الدولية في البحر المتوسط. وفي 2023، استثمرت الشركة 700 مليون دولار في ميناءي العين السخنة والإسكندرية، ليرتفع إجمالي استثماراتها في مصر إلى 1.5 مليار دولار، ولتصل الاستثمارات الصينية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لأكثر من 3 مليارات دولار، وهي منطقة صناعية بالقرب من مدينة السويس، أنشأتها حكومة الصين، بهدف دعوة الشركات الصينية لإقامة الصناعات، كجزء من مشروع الحزام والطريق. حضور الولايات المتحدة في قناة السويس يختلف عنه في قناة بنما.

فعدد السفن الأميركية التجارية التي تمر في قناة السويس ليس بالكبير، ينخفض في بعض السنوات إلى ألفٍ ويزيد في بعضها إلى ألفَين، تمثل بين 5% و10% من إجمالي عدد السفن التي تعبر القناة، ومن أسطولها العسكري يعبر القناة ما بين 50 إلى 60 سفينة سنويا، وجميعها تدفع رسوم عبور من 500 مليون إلى مليار دولار، تمثل ما بين 5% و10% من إجمالي إيرادات القناة.

وهو مبلغ ليس بالضخم، يمثل تقريباً نصف قيمة المساعدات الأميركية السنوية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار، والتي تحرص الإدارات الأميركية المتعاقبة على تقديمها للجيش المصري منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 لكسب النفوذ السياسي وتحقيق المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.

ورغم مطالبة ترامب مصر بإعفاء السفن الأميركية من رسوم العبور والمشاركة في جزء من تكاليف الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة لتأمين الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس ضد جماعة الحوثي في اليمن، التي تدعم غزة باستهداف السفن الداعمة لإسرائيل، والتي وصلت إلى مليار دولار خلال أسبوعين فقط، فإنّه ليست لدى الجنرال عبد الفتاح السيسي أموال ليدفعها لترامب، في ظل تراجع عائدات قناة السويس وخسارتها 7 مليارات دولار من عوائدها العام الماضي بسبب تحول السفن من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح. وسيكون بديل ترامب، استغلال شركة بلاك روك الموقع الاستراتيجي لقناة السويس التي تعبرها 12% من تجارة العالم، تعادل ثلاثة أضعاف طاقة قناة بنما، في الاستحواذ على موانئ ومناطق اقتصادية حول ضفتي القناة التي يقارب طولها 200 كيلومتر، والاستثمار في مشروعات خدمات السفن العابرة خصما من مشروعات هاتشيسون الصينية، وهي المشروعات التي استهدفها الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وكانت سببا في مشاركة الإمارات في مخطط الانقلاب عليه، لحماية استثمارات جبل علي، وهناك شواهد على قرب الحضور الأميركي للاستثمار في مرافق قناة السويس.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here