فلسطينيون يروون صعوبات قانونية للعيش في مصر

1
فلسطينيون يروون صعوبات قانونية للعيش في مصر
فلسطينيون يروون صعوبات قانونية للعيش في مصر

أفريقيا برس – مصر. نجح بعض الفلسطينيين في ترك قطاع غزة والاستقرار في مصر في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، ليواجهوا صعوبات أخرى تتعلق بالإقامة

رغم مرور حوالى 19 شهراً على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا يزال مئات الفلسطينيين الذين لجأوا إلى مصر يواجهون معضلة قانونية، في ظل امتناع السلطات المصرية عن منحهم إقامات دائمة أو مؤقتة، ما يضعهم في دائرة التهميش الإداري والاجتماعي، ويجعل حياتهم اليومية محفوفة بالعقبات. وتثير صعوبات الحياة مرارة ذكريات النكبة التي توارثتها العائلات الفارة من الأراضي المحتلة أمام جحافل العصابات الصهيونية، ليمثلوا أكثر من ثلثي تعداد السكان في غزة، والآن يفر أحفادهم نحو مصر، هرباً من العدوان الوحشي ومجازر يرتكبها جنود الاحتلال ضد أطفال قطاع غزة ونسائه وشيوخه، تجبر الآلاف منهم على الخروج من أرضهم طلباً للعلاج أو الإقامة المؤقتة للدراسة أو مرافقة المصابين في مصر.

منذ فتح معبر رفح أمام الحالات الإنسانية خلال أشهر الحرب الأولى، دخلت عائلات فلسطينية إلى الأراضي المصرية بحثاً عن ملاذ آمن هرباً من القصف والمجاعة والانهيار الكامل في الخدمات داخل القطاع. إلا أن الغالبية العظمى من هؤلاء لم يتمكنوا من تسوية أوضاعهم القانونية بعد انتهاء مدة تأشيراتهم، ما جعلهم في وضع غير قانوني معرضين للملاحقة، وغير قادرين على الاندماج في النظام الرسمي للدولة. ويواجه الكثير من الوافدين الفلسطينيين صعوبات جمة في تسجيل أطفالهم في المدارس الحكومية أو الخاصة، والحصول على رعاية صحية، أو حتى استئجار مساكن بعقود موثقة، في ظل عدم قدرتهم على العمل بشكل قانوني. ويضطر بعض الفلسطينيين إلى اللجوء إلى شبكات تضامن أهلية أو دعم من أقاربهم لتأمين الاحتياجات الأساسية، بينما يعيش آخرون في حالة قلق دائمة من الترحيل أو التضييق الأمني.

وتعزو السلطات المصرية رفضها منح إقامات للفلسطينيين، بحسب مصادر سياسية ودبلوماسية مطلعة، إلى اعتبارات سياسية تتصل بالثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية، ولا سيما مخاوفها من أن يؤدي منح الإقامة الدائمة إلى تكريس واقع “التوطين”، بما ينسجم، من وجهة نظر القاهرة، مع المخططات الإسرائيلية لتصفية حق العودة وتهجير الفلسطينيين من أرضهم.

وفي ظل غياب أي إعلان رسمي بشأن تنظيم أوضاع هؤلاء النازحين أو طرح بدائل إنسانية مستدامة، تبدو الأزمة مرشحة للتفاقم، وخصوصاً أن أفق العودة إلى غزة لا يزال مسدوداً مع استمرار الحرب وانعدام الأمن الغذائي والخدمات الصحية.

وفيما تمتنع الحكومة المصرية عن تصنيف الفلسطينيين القادمين من غزة لاجئين رسميين، فإنهم أيضاً لا يُعاملون كزائرين معترف بهم، ما يخلق فجوة قانونية تتركهم عالقين بين التشريد الإداري والإقصاء السياسي، في دولة طالما مثّلت ملاذاً تاريخياً للفلسطينيين.

بين الحقوق القانونية المؤجلة والمخاوف السيادية المتجذرة، يعيش هؤلاء في انتظار غير معلوم، تتناقص فيه القدرة على الاحتمال. ويقول أحد القادمين من غزة، نور الحمايدة، إنه “عاجز عن تسجيل أطفاله في المدارس أو شراء شريحة اتصال، ويضطر إلى الاعتماد على أصدقاء مصريين لتنفيذ أبسط الإجراءات اليومية”، مشيراً إلى أن الصعوبات تمتد حتى إلى شراء عقار أو مركبة، ما يحد من استقرارهم المؤقت في مصر.

من جهته، يقول الغزي أحمد قشطة، وهو خريج كلية الهندسة في جامعة الأزهر في غزة، إنه كان يأمل الحصول على إقامة قانونية تتيح له مغادرة مصر ثم العودة إليها مجدداً، كما يفعل كثير من المواطنين العرب، “لكن هذا أيضاً غير مسموح به لنا نحن الفلسطينيين”. ويوضح أنه لا يطالب بإقامة دائمة، بل يبحث عن أي مخرج قانوني مؤقت يُمكّن الفلسطينيين من العيش بشكل طبيعي، ولو إلى حين انتهاء الحرب والسماح بالعودة إلى القطاع. ويشير قشطة إلى أن السفارة الفلسطينية في القاهرة، ورغم تواصل الكثير من الفلسطينيين معها، لا تستطيع تسهيل الإجراءات بالشكل المطلوب، “لعدم امتلاكها الصلاحيات الكافية لذلك، واكتفائها بإجراءات روتينية لا تتناسب مع حجم الأزمة”، مضيفاً أن “الفلسطيني في مصر تُرك للمجهول حتى إشعار آخر”. ويؤكد قشطة أنه لا يستطيع التقدم لأي وظيفة في مصر بسبب عدم امتلاكه إقامة سارية، وهو شرط أساسي لقبول العمل في معظم المؤسسات والشركات الكبرى. أما سامي (اسم مستعار)، وهو أب لأربعة أطفال يقيم في القاهرة منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيقول: “أصبحت لاجئاً مرتين. الأولى حين غادرت غزة، والثانية حين وجدت نفسي هنا بلا إقامة، عاجزاً عن تسجيل أطفالي في المدارس أو التوجه إلى أي مستشفى حكومي”.

وكان السفير الفلسطيني في القاهرة دياب اللوح، قد أكد في تصريحات سابقة أن مصر استقبلت ما يقرب من 100 ألف فلسطيني، بينهم جرحى ومرضى، سمحت بدخولهم عبر معبر رفح من خلال شركة “هلا للسياحة” التابعة لرجل الأعمال المقرب من أجهزة الأمن، إبراهيم العرجاني، في مقابل رسوم بلغت نحو 5 آلاف دولار للفرد، وقد تصل إلى مبالغ أكبر في بعض الحالات.

ويُرجع مسؤولون وخبراء مصريون هذا الموقف الرسمي إلى دوافع سياسية. ويقول نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية، عمرو هاشم ربيع، إن القاهرة تلتزم مبدأ الحفاظ على الهوية الفلسطينية، وترفض الإجراءات التي قد تُفهم على أنها إذابة للفلسطينيين في نسيج الدول المضيفة، ما يُعد من وجهة النظر المصرية “خطراً على جوهر القضية الفلسطينية”.

يضيف ربيع أن مصر تتحرك وفق قرارات جامعة الدول العربية التي تمنع منح الفلسطينيين جنسيات أو إقامات دائمة، بهدف تأكيد حقهم في العودة وتفويت أي محاولة لتصفية قضيتهم.

أما مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، فيرى أن هذه السياسة المتشددة ليست بالجديدة، بل تعود إلى عقود طويلة، لكنها رغم وجاهتها السياسية، يجب أن تُرفق بإجراءات إنسانية مؤقتة تسهّل حياة الفلسطينيين خلال إقامتهم المؤقتة في مصر، من دون أن تمس بجوهر السياسات الرسمية الرافضة لتوطينهم.

ويُجمع المراقبون على أن السلطات المصرية تسير بين حدّين: الأول عدم فتح الباب أمام إقامة دائمة يمكن أن تُستخدم دولياً لتكريس النزوح أمراً واقعاً، والثاني تقديم تسهيلات إنسانية عاجلة، من دون أن تصل إلى حد الإقامة الرسمية، التي تخشاها القاهرة، باعتبارها مدخلاً لتصفية القضية الفلسطينية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here