شارع فؤاد ذاكرة حيّة وتاريخ يتنفس في الإسكندرية

1
شارع فؤاد ذاكرة حيّة وتاريخ يتنفس في الإسكندرية
شارع فؤاد ذاكرة حيّة وتاريخ يتنفس في الإسكندرية

أفريقيا برس – مصر. تتميّز مدينة الإسكندرية المصرية الواقعة على ضفاف البحر المتوسط بمعالمها التاريخية والتراثية التي تنبض بالحياة، وتمنحها سحراً متجدداً بفضل تنوّعها الثقافي، إذ امتزجت فيها الحضارات الرومانية واليونانية والإسلامية مع التراث القبطي واليهودي، ما جعلها تنفرد عن 14 مدينة أخرى تحمل الاسم نفسه حول العالم. ويُعد “شارع فؤاد” أحد أبرز معالمها، فهو من أقدم الشوارع في العالم، ويضم عشرات البنايات الأثرية الشاهدة على تحولات الإسكندرية عبر العصور. يربط الشارع التاريخي قلب المدينة بشاطئ البحر، ويمتد عبر أحيائها القديمة ليتقاطع مع منطقة آثار “كوم الدكة” و”محطة مصر”، ثاني خطوط السكك الحديدية في العالم، ما يجعله نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف عبق المدينة وروحها المتجددة.

يعود تاريخ الشارع العريق الواقع في منطقة محطة الرمل بقلب الإسكندرية، إلى عام 330 قبل الميلاد، حين أمر الإسكندر الأكبر بتخطيط المدينة على يد المهندس دينوقراطيس، وكان يُعرف آنذاك بـ”الطريق الملكي”، إذ كانت تمرّ به المواكب الرسمية وتقام عبره الاحتفالات الكبرى، وعلى مقربة منه، شُيّد فنار الإسكندرية الشهير، إلى جانب مكتبة الفيلسوفة هييبتا، ما يعكس عراقة المكان وعمقه الحضاري. وعلى مر العصور التاريخية تغيّرت مسميات الشارع الذي يزدحم بالعديد من المعالم التاريخية والتراثية والثقافية، إذ أطلق عليه اسم “الطريق الكانوبي”، خاصة أنه كان مصفوفاً بالأعمدة الرخامية على الجانبين، تم تغيير الاسم إلى شارع ميناء رشيد، ثم سُمي باسمه الحالي “شارع فؤاد” نسبة إلى الملك أحمد فؤاد، والذي حكم مصر حتى عام 1936، وهو حفيد مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا الكبير.

يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر نقيب المرشدين السياحيين الأسبق، إسلام عاصم: “شارع فؤاد هو مرآة لتاريخ مدينة الإسكندرية، وفيه تتجاور مبانٍ ومنشاَت مع دور سينما ومقاهٍ ثقافية تعود إلى عصور متباينة، وهو أيضاً واحد من الشوارع القليلة في العالم التي ظلت تحافظ على اسمها طوال عقود من دون أن تغيّره الحكومات المتعاقبة. ما يميّز المباني العتيقة في شارع فؤاد ليس جمال التصميم ودقة الزخارف فحسب، بل روحها التي تعكس هوية المدينة، وتجذب الوافدين إليها من المصريين والعرب والأجانب، إذ تُشعر الزائر بأنه لا يسير في طريق عادي، بل يمشي فوق طبقات من الذاكرة توثق تعاقب عصور من الفخامة والانفتاح الثقافي”.

ويوضح الخبير الأثري أحمد عبد الفتاح، المشرف العام على متاحف ومواقع الإسكندرية الأثرية الأسبق، أن “شارع فؤاد يحمل في طياته عراقة وتاريخ مدينة الإسكندرية منذ نشأتها، ويضم العديد من البنايات والمنشآت التراثية والتاريخية المهمّة، والتي تعكس التنوع الثقافي والحضاري، ومنها مسرح سيد درويش، أو (أوبرا الإسكندرية)، ومتحف الإسكندرية القومي، والذي كان في الماضي قصراً لأحد أثرياء المدينة”. ويوضح عبد الفتاح أن الشارع يعجّ بالعديد من الأماكن الثقافية والفنية إلى جانب المباني التاريخية، مثل أول مبنى لصحيفة الأهرام في مصر قبل قرن ونصف القرن، وقصر “أجيون”، الذي يعود تاريخ بنائه إلى ما بين عامي 1885 و1887، وهو مسجل باعتباره مبنى أثرياً في مجلد حماية التراث بالمدينة منذ عام 2008، وقصر المركز الثقافي الإسباني، إضافة إلى المبنى البديع لمديرية الشؤون الصحية، والذي كان يعرف سابقا بـ”أوتيل بيني”.

ويلفت الفنان التشكيلي محمد العشري، وهو أحد سكّان الشارع، أنه لا يمكن الحديث عن شارع فؤاد من دون التوقف أمام إرثه الفني والثقافي، فقد شهد أول عرض سينمائي في مصر وقارة أفريقيا في عام 1896، عقب أشهر قليلة من أول عرض سينمائي عالمي في فرنسا، كما تحتضن المنطقة عدداً كبيراً من دور السينما، ومنها “سينما أمير”، أقدم دور العرض السينمائي في الشرق الأوسط، و”سينما ريو” التي تحتفظ بديكوراتها الأصلية حتى اليوم، إلى جانب مسارح مثل “ليسيه الحرية”، ومكتبات شهيرة منها “مكتبة البلد” و”الكتب خان”.ويؤكد أن “الشارع يشبه متحفاً مفتوحاً، يكفي أن تقف أمام أي مبنى من مبانيه لتقرأ في نقوشه وتفاصيله حكاية عصر بأكمله، لكننا نواجه مشكلةً مستمرةً في الحفاظ عليه، فالعمارات القديمة تحتاج ترميماً، وهناك محاولات لتحويل بعضها إلى كافيهات بشكل يهدد قيمتها التاريخية”.

ويتفق معه الباحث في مجال التراث العمراني سامح عفيفي، قائلاً: “على الرغم من الجمال الخلاب لشارع فؤاد، إلا أنه بات محاصراً بأطماع الاستثمار التجاري. فالكثير من العقارات القديمة بيعت أو حُوّلت إلى مقارّ لسلاسل المقاهي العالمية أو مطاعم الوجبات السريعة، ما شوّه كثيراً من ملامحه التراثية. فيما تصمت الجهات المسؤولة، تتوالى التحذيرات من فقدان الشارع هويته. مشكلتنا الأساسية في الإسكندرية هي عدم وجود خطة للحفاظ على النسيج التاريخي للمدينة. شارع فؤاد تحديداً يحتاج إلى قرارات حاسمة، باعتباره منطقة تراثية محمية، أو تركه فريسة للاستثمار العشوائي، وحينها لن نملك سوى الصور القديمة له”.

ويرى الباحث في التراث خالد شرف، أن “الحل يبدأ من الاعتراف بأن لدينا كنزاً اسمه شارع فؤاد. إذا حُوّل إلى منطقة ثقافية وسياحية متكاملة، مع مسار للمشاة وأكشاك لعرض الفنون وفعاليات دورية، فإن المدينة كلها ستربح، اقتصادياً وسياحياً وثقافياً”. ويؤكد أن الزائر لشارع فؤاد اليوم، قد لا يشعر بأجوائه التاريخية فوراً، لكنه كلما توغل فيه، تنكشف له روائح الزمن الجميل في الواجهات المهملة والممرات الحجرية ودرجات السلالم ذات الطابع الأوروبي. ويزداد إقبال السائحين على الشارع، خاصةً من الجنسيات الأوروبية، الذين يقضون وقتاً طويلاً في التصوير والتأمل.

ويلفت إلى أنه خلال الأعوام الماضية، أطلقت محافظة الإسكندرية بالتعاون مع وزارة السياحة عدة مبادرات لترميم الواجهات في الشارع، لكن كثيراً من تلك المشروعات توقفت أو اقتصرت على الطلاء السطحي. كما جرى الحديث عن إدراج الشارع ضمن المسارات السياحية الرسمية للمدينة، لكن التنفيذ ظل ضعيفاً.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here