أفريقيا برس – مصر. تنظر دوائر القرار في القاهرة بقلق بالغ إلى تطورات التصعيد بين إسرائيل وإيران، وفق ما كشفته مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوى، باعتبار أن استمرار تل أبيب في نهج التصعيد العسكري من شأنه أن يُحدث تحولاً استراتيجياً بالغ الخطورة في المنطقة، يمسّ مباشرة الأمن القومي المصري، ويعزز هيمنة إسرائيل قوة إقليمية. واعتبرت المصادر أن تصريحات القاهرة الرسمية المنددة بالهجوم الإسرائيلي “لا يمكن أن تكون كافية”، في ظل ما وصفته بـ”التحول الجوهري في موازين القوى الإقليمية”، الذي قد يقتطع من رصيد مصر السياسي ويضعف موقعها التاريخي في المعادلات الأمنية والاستراتيجية في الشرق الأوسط.
مصالح مصر
وكشفت مصادر مطلعة عن تشكيل “خلية أزمة” في القاهرة تضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية والسياسية والدبلوماسية، بدأت منذ صباح يوم الجمعة الماضي اجتماعات متواصلة لتقييم أبعاد التصعيد الإسرائيلي، ومتابعة التحركات العسكرية والدبلوماسية المرتبطة به، وبحث سبل التعامل مع التداعيات المحتملة على مصر والمنطقة. وبحسب المصادر، فإن الخلية تضع في اعتبارها احتمال توسع رقعة الاشتباك إلى ساحات أخرى في المنطقة، وتعمل على إعداد مقترحات لخيارات تحرك دبلوماسي مرن وفعّال، بما يحفظ مصالح القاهرة ويمنع تآكل مكانتها في بنية الإقليم.
في سياق متصل، كشف مصدر دبلوماسي مصري أن المشاورات الهاتفية التي جرت مساء أول من أمس الجمعة بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الإيراني عباس عراقجي، جرى خلالها تأكيد الرفض المصري للهجمات الإسرائيلية التي استهدفت ايران، والدعم الدبلوماسي المصري لطهران في المحافل الدولية. وأوضح المصدر أنه جرى خلال الاتصال تأكيد إمكانية لعب القاهرة دوراً فاعلاً لدى الإدارة الأميركية والقوى الفاعلة في المنطقة بهدف التوصل إلى تهدئة سريعة لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية ستطاول تداعياتها الشرق الأوسط بالكامل، وسط مخاوف من الاستهدافات الإسرائيلية للمنشآت النووية.
ولفت المصدر إلى أن الاتصال لاقى تقديراً إيرانياً في ظل الظرف الذي تواجهه طهران، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الوزير الإيراني أكد أن انتهاء الرد الإيراني ونطاقه لن يكونا مسار تفاوض في الوقت الحالي.
وكشف المصدر أن عبد العاطي نقل رسالة رسمية للقيادة الإيرانية بشأن عدم سماح مصر باستغلال مجالها الجوي في عمليات تستهدف مصالح ايران تحت أي ظرف. وأوضح المصدر أن الاتصال تطرق إلى استفسارات مصرية بشأن وضع المنشآت النووية التي استهدفتها إسرائيل خلال الهجوم، وسلامتها في ظل مخاوف إقليمية من تسرّب إشعاعي. وأضاف أنه خلال الاتصال، أكد عراقجي أن كافة الخيارات مفتوحة أمام طهران إزاء معاقبة كل الأطراف التي عاونت تل أبيب في هجومها واستهدافها الأراضي الإيرانية والقادة العسكريين.
وعن ذلك، حذّر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبد الله الأشعل، من أن الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لإيران لا ينعكس فقط على موازين القوى في الإقليم، بل يمسّ مباشرة الأمن القومي المصري. وأوضح أن “تخلُّص إسرائيل من الورقة الإيرانية سيجعلها أكثر تحرراً في التحرك ضد باقي القوى الإقليمية، وفي مقدمتها مصر”. وأضاف الأشعل أن “حالة التوحش التي تمر بها إسرائيل وقدرتها على ضرب عواصم عربية واحدة تلو الأخرى من دون رادع تؤكدان أن المشروع الإسرائيلي يسعى لتصفية أي توازن ردع في الشرق الأوسط”. واعتبر أن “مصر بحاجة ملحّة إلى تعزيز استعداداتها الأمنية والاستراتيجية لأي هجوم محتمل، خصوصاً إذا انتهت إسرائيل من تحييد المشروع الإيراني، الذي كان يمثل العقبة الأكبر أمام تفردها وهيمنتها الإقليمية”.
تمدد إسرائيلي
نبّه المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر اللواء أركان حرب، محمد الهمشري، من أن “ما نشهده يتجاوز مجرد ضربة محدودة، إذ يعكس تمدداً متصاعداً للنفوذ الإسرائيلي في عمق المنطقة”. ما يُعد، وفق الهمشري، “تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، لا سيما من الاتجاه الشمالي الشرقي”. وأضاف أن “الهجوم الإسرائيلي الأخير كشف عن مستوى غير مسبوق من التوغل الاستخباري والتفوق التكنولوجي لإسرائيل داخل العمق الإيراني، في مقابل تراجع القدرات التقنية لطهران وانكشاف بيئتها الداخلية أمنياً”.
واعتبر الهمشري أن “الرد الإيراني المرتقب قد يكون محدوداً بهدف حفظ ماء الوجه، لكن إذا تجاوز ذلك الحد وامتد إلى أهداف إسرائيلية نوعية أو إلى قواعد أميركية في الخليج، فإن الأمور قد تأخذ منحىً تصاعدياً بالغ الخطورة”. وبرأيه، فإن “المعادلة الأمنية الراهنة باتت شديدة الهشاشة، وأي تصعيد إضافي قد يجر المنطقة إلى سيناريوهات أكثر تعقيداً”. ولا تقتصر المخاوف المصرية على الجانب الأمني فحسب، بل تمتد إلى أبعاد جيوسياسية واقتصادية قد تكون أكثر تعقيداً في حال تحوّل الصراع إلى مواجهة مفتوحة بين إسرائيل وإيران. فاندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق من شأنه أن يهدد بشكل مباشر ممرات الطاقة والملاحة، بما في ذلك حركة السفن في قناة السويس. وفي رد فعل أولي على التصعيد، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي سلسلة اتصالات شملت وزراء خارجية فرنسا، وألمانيا، واليونان، وقبرص، وقطر، والعراق، والسعودية، والأردن، بالإضافة إلى إيران وفلسطين. وأكد عبد العاطي، خلال اتصالاته، أن مصر ترفض أي مساس بسيادة الدول، وتدعو إلى احترام قواعد القانون الدولي، محذراً من خطورة استمرار إسرائيل في هذا النهج الذي “يفتح الباب لانفجار إقليمي واسع، ويهدد استقرار وأمن المنطقة برمتها”.
في هذا الصدد، وصف أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأميركية والأوروبية للقانون الدولي محمد مهران، الضربة الإسرائيلية لإيران بأنها “جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاك صريح لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”. وأكد أنها “تهدد الأمن والسلم الدوليين وتستدعي تدخلاً عاجلاً من مجلس الأمن”، موضحاً أن “العملية الإسرائيلية تنتهك عدداً من المواثيق الدولية، من بينها اتفاقيات لاهاي وجنيف ونظام روما الأساسي”. كما أشار إلى أن “استهداف القيادات العسكرية في دولة ذات سيادة يشكّل عملاً عدوانياً محظوراً لا يبرره الدفاع الشرعي”. من جهة أخرى، حذّر مهران من تداعيات كارثية على المستويين الإقليمي والدولي، تشمل احتمال اندلاع حرب شاملة، وارتفاع أسعار النفط نتيجة التهديدات لمضيق هرمز. ودعا إلى تحرك عربي موحد وإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، مؤكداً أن الصمت الدولي سيقوّض مصداقية النظام القانوني العالمي ويمنح الشرعية لمنطق القوة على حساب العدالة.
المصدر: العربي الجديد
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس