أفريقيا برس – مصر. تُعد أزمة تمويل اللجوء اختباراً مزدوجاً للدولة المصرية التي تُواجه استحقاقات داخلية متراكمة في ظل اقتصاد مأزوم، كما يقترب برنامج الأغذية العالمي من تعليق الدعم النقدي لنحو ربع مليون لاجئ في مصر بسبب فجوة مالية بقيمة 21 مليون دولار.
وتضع هذه الأوضاع الحكومة المصرية في موقف معقد. فمن جهة، تستخدم استضافة اللاجئين ورقة ضغط دبلوماسية في علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة، ومن جهة أخرى تتهرب من تقديم الدعم المباشر، وتترك عبء الإغاثة على المنظمات الدولية، بما فيها منظمات الأمم المتحدة التي تواجه أزمة تمويل حادة.
وتعرّي الأزمة هشاشة الوضع المعيشي، ليس فقط للاجئين، بل لشرائح واسعة من المصريين أيضاً، ففي بلد يعاني من تضخم جامح وتآكل في القوة الشرائية، لم يعد الفارق بين اللاجئ والمواطن كبيراً حين يتعلق الأمر بتوفير الاحتياجات الأساسية. ومع تراجع الدعم الدولي، يبرز احتمال زيادة التوتر الاجتماعي بين الفقراء المحليين واللاجئين، مع ترويج خطاب يُحمّل اللاجئين مسؤولية تفاقم الأعباء الاقتصادية.
وسبق أن استخدم هذا الخطاب خلال السنوات الماضية، خصوصاً مع اللاجئين السوريين، والذين طاولتهم اتهامات منافسة المواطنين على فرص العمل، أو استحواذهم على الدعم، ما خلّف نزعات كراهية، وأحياناً عنفاً مجتمعياً مستتراً.
وتكمن مفارقة كبيرة في وضع اللاجئين السودانيين، الذين يُشكلون غالبية المستفيدين من المساعدات النقدية الأممية، فقد فر هؤلاء من حرب أهلية مستعرة في بلادهم، ودخلوا إلى مصر عبر الحدود الجنوبية التي تُعد الأكثر هشاشة أمنياً، ومع تقليص المساعدات، بدأ بعضهم في العودة الطوعية إلى بلادهم رغم الحرب، وهو ما وصفه برنامج الأغذية العالمي بأنه “قرار يفضي إلى الموت”، وأفادت تقارير بمقتل عائدين.
وطرأ تحوّل في الفترة الماضية على سياسات منظمات أممية في تمويل المساعدات والاستجابة للأزمات الإنسانية، شملت اللجوء إلى القطاع الخاص، وهو ما يفعله برنامج الأغذية العالمي حالياً، فبدلاً من الاعتماد على المانحين الحكوميين، باتت المنظمات الدولية تضطر إلى جمع التبرعات.
يقول الباحث في شؤون اللاجئين والهجرة أشرف ميلاد، إن “تراجع الدعم الدولي للاجئين في مصر أصبح واقعاً لا يمكن إنكاره، ومكتب مفوضية شؤون اللاجئين في القاهرة يعاني من فجوة تمويلية تُقدّر بنحو 79% من ميزانيته السنوية، ما أثر بشكل مباشر على الخدمات المقدمة، وعلى الدعم المالي الذي يحصل عليه اللاجئون، رغم أنه في الأساس لم يكن كافياً، ويغطي نسبة محدودة من المسجلين”.
ويوضح ميلاد قائلاً: “تراجع التمويل سيؤدي إلى إعادة مراجعة آليات صرف المساعدات، وربما تقليصها بشكل إضافي خلال الفترة المقبلة. حدود مصر الجنوبية لا تزال تشهد تدفقات مستمرة من اللاجئين السودانيين، وفي الوقت نفسه يُسجل عائدون إلى السودان، لكنّ أغلب العائدين ليسوا مسجلين لدى مفوضية اللاجئين، وبالتالي لا يُحسبون في الإحصاءات الرسمية، بينما يستمر عدد اللاجئين المسجلين في الارتفاع”.
وعبّر الباحث المصري عن مخاوفه من حدوث تغيّر في سياسة القاهرة تجاه اللاجئين، ويؤكد أن “المسؤولية عن اللاجئين ليست تفضلاً من الدولة، وإنما التزام قانوني بموجب اتفاقيات دولية صدّقت عليها مصر، واستقبال اللاجئين ليس خياراً تطوعياً، بل التزام على كل دولة عضو في الأمم المتحدة يقضي بقبول أي لاجئ دخل أراضيها، حتى لو كان دخوله غير قانوني. الكثير من اللاجئين يقررون العودة إلى بلادهم رغم المخاطر بدافع الكرامة، وبعضهم يفضل الموت جوعاً في بلده على العيش منتظراً المساعدة في مصر، والتي قد لا تأتي”.
ويشدد على أن “الغالبية الساحقة من اللاجئين لا يرغبون في الإقامة الدائمة في مصر، بل يطمحون إلى إعادة التوطين في دول أخرى، وبالتالي لا يوجد خطر من سيطرة اللاجئين على فرص العمل، أو تغيير البنية السكانية كما يصوّر البعض. عدد اللاجئين القادرين على العمل فعلياً محدود، ووجودهم في سوق العمل غير الرسمي لا يجب أن يُفهم باعتباره منافسة غير عادلة”.
بدوره، يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، إن “مصر غيّرت بالفعل سياساتها تجاه استقبال اللاجئين خلال الفترة الماضية في ما يخص لاجئي الغالبية العظمى من الدول المجاورة، باستثناء اللاجئين السودانيين، وهذا الاستثناء يعود إلى أواصر الأخوّة التي تربط بين الشعبين، وطبيعة العلاقات التاريخية العميقة بين البلدين، فمصر لطالما تعاملت مع السودانيين باعتبارهم امتداداً طبيعياً لنسيجها المجتمعي، ما ينعكس في تسهيلات نسبية لا تزال قائمة مقارنة بغيرهم من الجنسيات”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس