أسعار السلع تواصل الارتفاع رغم تراجع الدولار

1
أسعار السلع تواصل الارتفاع رغم تراجع الدولار
أسعار السلع تواصل الارتفاع رغم تراجع الدولار

عادل صبري

أفريقيا برس – مصر. شهد الجنيه المصري ارتفاعاً مقابل الدولار بنسبة بلغت 2.5% منذ مطلع الشهر الجاري، في خطوة اعتبرتها الحكومة “صحوة اقتصادية داعمة للعملة المصرية، ونقطة انطلاق نحو خفض الأسعار ومعدلات التضخم” خلال الأشهر المقبلة.

في أرض الواقع رصد “العربي الجديد” سير أسعار السلع والخدمات في اتجاه معاكس لما تروج له الحكومة ويأمله المواطنون بتراجع الأسعار مع انخفاض الدولار، الذين اعتادوا ارتفاع السلع كلما زاد الدولار مقابل الجنيه، بينما يؤدي انخفاضه حالياً أمام الجنيه إلى مزيد من الغلاء للسلع، وخصوصاً الأساسية والخدمات. وأدخلت المعادلة المعكوسة المستهلكين في دوامة تضخم مستمرة، دون سقف.

تدفع الحكومة الأسواق نحو الغلاء المتصاعد، فقبل أن تنفض الدورة البرلمانية، مطلع الشهر الجاري، جهز مجلس النواب سلسة من القرارات، تستهدف تهيئة المواطنين لأوضاع جديدة، تشمل تعديل قانون الضريبة المضافة التي سمحت برفع أسعار الدخان على دفعتين بنسبة 27% خلال العام، وفرض ضريبة على البترول الخام بنسبة 10%، ووضع تقديرات بالموازنة بخفض قيمة الدعم السنوي للمحروقات والكهرباء، بنسبة 50%، بما يعني تحميل المواطنين تلك القيمة، قبيل انتهاء عام 2025.

تبرر الأغلبية البرلمانية الداعمة للنظام خطة الحكومة بتصاعد حالة التوتر الأمني بالمنطقة وحرب التعرفة الجمركية، التي سترفع قيمة الواردات وتحد من عوائد الصادرات وقناة السويس، بينما تسوق لزيادة أسعار السلع والخدمات الحكومية، بارتفاع تكلفة استيراد الغاز والنفط، وزيادة معدلات الاستهلاك وتكلفة الواردات والفاقد الناتج من سرقات الكهرباء وتوزيع الخبز المدعم.

رفع أسعار 1000 صنف دوائي

طالبت شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية الحكومة برفع أسعار 1000 صنف دوائي، بنسبة 10% على الأقل. برر أمين شعبة الأدوية محمد شاهين طلب الشركات المصنعة للزيادة الجديدة، بارتفاع تكلفة الوقود، والكهرباء والحد الأدنى لأجور العاملين، ومواجهة الزيادة في الرسوم التي تحصلها هيئة الدواء على تصاريح الإنتاج والتي تصل إلى 5 أضعاف قيمتها وارتفاع أسعار الواردات التي تمثل نحو 92% من مستلزمات الإنتاج، والتشوهات التي أصابت إنتاج الأدوية جراء التراجع المستمر بقيمة الجنيه، منذ بدء تعويمه عام 2016، مؤكداً أن الزيادات التي أدخلت على أسعار المنتجات الدوائية والطبية، خلال العامين الماضيين، لم تؤدِّ إلى ضبط تلك التشوهات التي استمرت 10 سنوات.

وأشار شاهين في لقاءات متلفزة إلى أن الدواء المحلي يمثل 92% من احتياجات المرضى المصريين، ويبلغ حجم إنتاجه نحو 250 مليار جنيه سنوياً.

أكد مصدر بشركة أدوية مالكة لسلاسل مصانع شهيرة أنه رغم تراجع الدولار، فإن الشركات تسعى للتحوط من عودته إلى الارتفاع خلال المرحلة المقبلة، لذلك تتقدم كل شركة بمفردها برفع أسعار عدد محدد من الأدوية، التي يمكن أن تحصل عليها منفردة بنسبة 5% على كل صنف، إلى حين موافقة هيئة الدواء على زيادة الأسعار لكل الشركات، مؤكداً أن الهيئة تدرس حالياً رفع سعر نحو 400 منتج دوائي، قبل النظر في طلبات الغرفة التجارية التي تزيد على 1000 صنف محلي الصنع.

قال مدير المركز المصري للحق في الدواء، محمد فؤاد، إنه رصد زيادة كبيرة في أسعار 100 صنف دوائي منذ بداية يوليو/ تموز الجاري، مشيراً في تصريحات صحافية إلى زيادة أسعار مستحضرات حيوية وأساسية وكريمات مضادات حيوية وألبان الأطفال بنسبة راوحت ما بين 30%-60%.

غلاء الأسمدة والغذاء

قفزت أسعار الأسمدة في السوق الحرة بنسبة 40%، ليراوح سعر طن اليوريا ما بين 32 ألفاً إلى 34 ألف جنيه، من متوسط 23 ألف جنيه للطن، قبل أزمة انقطاع الغاز الطبيعي عن مصانع الأسمدة، التي أدت في الوقت نفسه إلى ارتفاع أسعار مواد البناء والمنتجات المعدنية والحديد، وكذلك الأخشاب التي تأثرت بزيادة أسعار النولون 20% مع ارتفاع أسعار المازوت في الربع الثاني من 2025.

تمر الأسواق الشعبية بحالة انفلات في التسعير، خصوصاً للمنتجات الغذائية التي تتفاوت قيمتها من محل لآخر، ومن منطقة لأخرى، بنسب تراوح ما بين 5% إلى 20%، وعلى رأسها اللحوم والأسماك والمشروبات والعصائر، يرجعها مواطنون إلى غياب الرقابة الحكومة واختفاء دور منظمات المجتمع المدني وحماية المستهلك، في مواجهة تلك الظاهرة، التي تسبب حالة من الفوضى بحركة الأسعار.

رفعت محلات الطعام أسعار الوجبات الشعبية، ومنها “الفلافل” التي زادت بنسبة 40%، لارتفاع الزيوت والخضار والبقوليات، بينما زاد سعر طبق الكشري ما بين 10% إلى 20% في أغلب المطاعم، مع ارتفاع تكلفة الكهرباء، والبقوليات والأرز والمعجنات.

أرجع أستاذ الاقتصاد في جامعة المنوفية محمد البنا، تحسّن قيمة الجنيه مقابل الدولار إلى مرونة سعر الصرف الذي يتبعه البنك المركزي حالياً، والذي يسمح بأن تتحدد قوته وفقاً للعرض والطلب، مع ملاحظة أن السعر اليومي “on the spot” يعكس قوة الطلب والعرض نتيجة تباين سعر الفائدة بين مصر وشركائها التجاريين، الذي يؤثر باستثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية.

أوضح البنا أن تحسن قيمة الجنيه حالياً يعكس تراجع الطلب على الدولار وزيادة التدفقات الخارجية، بينما تحديد قيمته في المستقبل المنظور يعتمد على قوة الاقتصاد الحقيقي المرهون بتحسن النمو الاقتصادي والناتج المحلي الاجمالي خلال العام المقبل، والذي ييين مقدار الصادرات والواردات، التي تشكل ضغوطاً على مستقبل الجنيه.

أكد الخبير الاقتصادي أن ارتفاع الأسعار وتغير معدل التضخم أمر طبيعي في ظل انفتاح الاقتصاد المصري على الأسواق العالمية في جانب السلع الأساسية والاستثمارية والوسيطة التي تشمل خامات الإنتاج ومستلزماته، ويتأثر بمستوى الأسعار في أسواق دول الشركاء التجاريين وسعر الدولار والعملات الأخرى في مقابل الدولار، الذي يعرف بالتضخم المستورد الذي له نصيب كبير في تغذية الاتجاهات التضخمية في مصر.

يشير الخبير الاقتصادي إلى أن مصر تعاني من فجوة موارد خطيرة تجعلها في حاجة إلى استثمارات تعادل ما بين 20%-25% من الناتج المحلي، وإلى أن الديون قاربت على 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وفوائد الدين تمتص الجانب الاعظم من موارد الموازنة العامة للدولة.

دفعت فوضى التسعير عضو اتحاد الغرف التجارية حازم المنوفي إلى المناداة بتدخل الحكومة المباشر بفرض أسعار على التجار والموزعين، مؤكداً في بيان أن المشهد الحالي أفرز حرية سوق وهمية مكنت فئة من التحكم في أسعار السلع، وخلقت بيئة غير آمنة للتجار والمستهلكين، وتدفع المؤسسات الصغيرة إلى الخروج من السوق ومواجهة الإفلاس، بما جعل تطبيق الاقتصاد الحر بمثابة انتحار اقتصادي وظلم اجتماعي يستدعي تدخل الدولة، لتحقيق التوازن بين حرية السوق والعدالة الاجتماعية، بما يحمي الاقتصاد وغير القادرين ويحول دون تراجع الجنيه.

تحسن اقتصادي شكلي

قال رئيس قطاع البحوث بمجموعة سي آي كابيتال المالية، منصف مرسي، إن الاقتصاد شهد تحسناً ظاهرياً أدى إلى تعافٍ مؤقت للجنيه، بسبب تراجع العجز في الحساب الجاري وتحسن تدفقات تحويلات المصريين بالخارج والسياحة والاستثمار بأدوات الدين الحكومية، مستدركاً بأن التحسن الجاري يعتمد بدرجة كبيرة على عوامل غير مستدامة بالكامل، بينما يحتاج استمراره في المستقبل القريب إلى دعم من تدفقات استثمارية مباشرة وزيادة الصادرات والنمو.

يحذر خبراء من اتساع مواجهة الجنيه مزيداً من الضغوط اعتباراً من الشهر القادم، في ظل اتساع العجز التجاري غير النفطي إلى 28 مليار دولار بسبب زيادة الواردات من السلع الأساسية والوسيطة بما يرفع الطلب على الدولار.

يبين محللون انهياراً بإيرادات قناة السويس بنسبة 54.1% لتنخفض من مستوى 8.5 مليارات دولار عام 2022 إلى 2.6 مليار دولار عام 2024، مع توقع باستمرار تلك الخسائر خلال 2025، لاستمرار حالة الحرب الإسرائيلية على غزة، وعدوانها المستمر على العديد من الدول العربية والمنطقة، التي سببت هشاشة بإيرادات القناة وتقليل فرص استقرار العملة، خصوصاً أنها قد تؤدي إلى خروج مفاجئ للأموال الساخنة، بما يعيد الضغوط على الجنيه وتراجعه.

يتوقع محللون أن يراوح سعر الدولار بين 48.5 -52 جنيهاً حتى منتصف 2026، في حالة استمرار تدفقات تحويلات المصريين بالخارج والاستثمارات الأجنبية وتحسن السياحة والاستثمار غير النفطي. أما في حالة حدوث قفزات جديدة بأسعار النفط والغاز، وخروج الأموال الساخنة، وتباطؤ الاستثمار المباشر، فإنّ الجنيه سيتراجع إلى ما بين 53-56 جنيهاً بنهاية 2026.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here