بعد قرار مصر الحد من الولادة القيصرية.. لماذا ترتفع معدلاتها؟

3
بعد قرار مصر الحد من الولادة القيصرية.. لماذا ترتفع معدلاتها؟
بعد قرار مصر الحد من الولادة القيصرية.. لماذا ترتفع معدلاتها؟

أفريقيا برس – مصر. وفق الطقوس الرومانية القديمة، لم يكن يسمح بدفن المرأة التي تموت أثناء الحمل أو الولادة والجنين ما يزال في رحمها، ولذلك كان يتم إجراء شق في بطنها لاستخراج الجنين في محاولة لإنقاذه أو لدفنهما بشكل منفصل.

ومن هنا، ارتبطت الولادة القيصرية في بدايتها باحتضار الأم أو وفاتها أثناء المخاض، ولم يكن مقدرا لها أن تختارها أغلب النساء طواعية كإجراء أسهل للإنجاب وأقل ألما، أو أن تسعى الدول لوضع سياسات تحد من انتشارها بعد أن أثبتت الدراسات العلمية مخاطرها على النساء والأطفال.

على المستوى العالمي، شهدت معدلات الولادة القيصرية ارتفاعًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة. ووفقًا لتقرير “مراجعة سكان العالم” لعام 2021، جاءت جمهورية الدومينيكان في الصدارة بأعلى معدل، تلتها كل من تركيا ومصر والبرازيل، حيث تُجرى أكثر من نصف الولادات في هذه الدول عبر العمليات القيصرية.

مصر تتصدر القائمة

كشفت نائبة وزير الصحة المصري لشؤون السكان وتنمية الأسرة، الدكتورة عبلة الألفي، لوسائل إعلام محلية، أن مصر سجلت ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الولادة القيصرية، لتتصدر قائمة أعلى دول العالم بنسبة 72%، وفقا لبيانات المسح الصحي المصري، وهو ما يفوق بكثير المعدل الأمثل الذي توصي به منظمة الصحة العالمية (10 إلى 15%).

وأوضحت الألفي أن الولادة القيصرية ترتبط بأخطار عديدة على الطفل، ومن بينها احتمالية الإصابة بالتوحد وضعف الأداء الدراسي، إضافة إلى مشاكل تتعلق بتطور الجهاز المناعي واضطرابات المناعة الذاتية.

وأضافت أن هذا الإجراء يؤثر أيضا على تركيبة ميكروبيوم أمعاء الطفل ويزيد من خطر إصابته بالسمنة والربو، وبالنسبة للأم، فتمثل “المشيمة المتوغلة” أبرز التحديات، حيث قد تؤدي إلى حدوث نزيف حاد أو استئصال الرحم.

وفي مواجهة هذه الزيادة المقلقة، أعلنت وزارة الصحة المصرية في 29 أغسطس/آب الماضي 2025، حزمة من الإجراءات التنظيمية للحد من الولادات القيصرية غير المبررة طبيا وتعزيز الولادة الطبيعية.

وشملت القرارات إلزام المنشآت الطبية الخاصة بتقديم تقارير إحصائية شهرية مفصلة تشمل إجمالي عدد الولادات ونسب القيصرية مصنفة وفق نظام “روبسون”، والذي يحدد معايير اللجوء للعملية، إلى جانب تحليل أسبابها باستخدام “البارتوغرام” وهي أداة عالمية لرصد تطور مراحل المخاض وتتيح للأطباء رصد أي تحديات والتدخل في الوقت المناسب لضمان سلامة الأم والجنين.

تركيا.. دوافع النمو السكاني

تفضل العديد من النساء التركيات الولادة القيصرية كبديل أكثر أمانا وفعالية من الولادة الطبيعية، غير أن الحكومة التركية تنظر إليها كتهديد طويل الأمد للنمو السكاني، إذ تحتاج المرأة بعد العملية إلى فترة أطول للتعافي، مما قد يعيق قدرتها على تكرار الحمل قبل سنتين أو 3 سنوات من إجراء العملية، ويأتي هذا القلق في ظل تراجع معدلات المواليد بشكل ملحوظ في تركيا خلال السنوات الأخيرة.

ويشير تقرير “مراجعة سكان العالم” لعام 2021 إلى أن 584 من بين كل ألف ولادة تمت عبر عملية قيصرية في تركيا في ذلك العام، وللحد من هذه الأرقام الآخذة في الارتفاع، فرضت وزارة الصحة التركية في أبريل/نيسان الماضي 2025 حظرا على الولادات القيصرية غير المبررة طبيا داخل المنشآت الطبية الخاصة.

البرازيل.. إجراءات بلا نتائج ملموسة

أما البرازيل والتي تُعرف بأنها “عاصمة الولادة القيصرية” في العالم، فمنذ عام 2015 تبنت الحكومة سلسلة إجراءات للحد من انتشار القيصرية بها، من بينها إلزام الأطباء بتوضيح أخطار الولادة القيصرية للحوامل، وتوقيع النساء على نماذج موافقة قبل الخضوع للعملية، فضلا عن توقيع الأطباء على نماذج أيضا لتبرير اتخاذهم هذا القرار.

ورغم ذلك، لم تحقق هذه الإجراءات نتائج ملموسة، إذ يُنظر إلى الولادة الطبيعية باعتبارها بدائية ومؤلمة بلا داع، وهي صورة غذتها وسائل الإعلام البرازيلية، الأطباء أيضا لا يشجعون النساء على الولادة الطبيعية لأنها قد تستغرق عدة ساعات ولا يمكن التنبؤ بنتائجها، فضلا عن كونها أقل ربحية وأكثر مخاطرة.

وقال سيزار إدواردو فرنانديز، رئيس الاتحاد البرازيلي لجمعيات أمراض النساء والتوليد، لصحيفة الغارديان، “تلعب العوامل الاجتماعية والثقافية دورا حاسما أيضا، ففي البرازيل، يُنظر إلى الولادة الطبيعية باعتبارها حكرا على الفقراء، بينما تعد الولادة القيصرية رمزا للمكانة الاجتماعية”.

أخطار الولادة القيصرية

منذ أن أجريت أول ولادة قيصرية على مريضة حية في عام 1500 بسويسرا على يد زوجها جاكوب نوفر، الذي كان يعمل راعيا للماشية، واستطاع إنقاذ زوجته بعد أن تأخر مخاضها وتعسرت ولادتها، تحولت هذه الجراحة إلى إجراء منقذ للحياة وطوق نجاة لبعض الحالات.

ومع ذلك، تظل الولادة القيصرية عملية جراحية كبرى محفوفة بالأخطار، ويتطلب التعافي منها وقتا أطول، وهو ما يجعل منظمة الصحة العالمية تحذر من اللجوء إليها إلا في الحالات الطبية الطارئة.

وتشير الدراسات إلى أن آثارها لا تقتصر على الأم فحسب، بل تمتد إلى الطفل أيضا، فقد أظهرت دراسة أسترالية عام 2007 أن الأطفال المولودين بعملية قيصرية أكثر عرضة للدخول إلى وحدات رعاية حديثي الولادة “الحضانات”، وأشارت الدراسة كذلك إلى زيادة احتمال حدوث مضاعفات في الحمل المستقبلي للأم، بما في ذلك خطر حدوث ولادة مبكرة أو ولادة جنين ميت.

أما بالنسبة للأمهات، فقد خلصت دراسة عالمية أجرتها منظمة الصحة العالمية في عام 2010 إلى أن حالات وفيات الأمهات وحالات الدخول إلى وحدات العناية المركزة ونقل الدم واستئصال الرحم كانت أعلى بـ3 أضعاف بين النساء اللاتي خضعن لعمليات قيصرية اختيارية مقارنة باللواتي أنجبن عبر ولادة طبيعية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here