عيوب قانونية في قرار استبعاد مرشحين من انتخابات مجلس النواب

عيوب قانونية في قرار استبعاد مرشحين من انتخابات مجلس النواب
عيوب قانونية في قرار استبعاد مرشحين من انتخابات مجلس النواب

أفريقيا برس – مصر. مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب المصري، برزت أزمة قانونية وسياسية تهدّد نزاهة العملية الانتخابية، بعدما فوجئ عدد من المرشحين المحسوبين على المعارضة بقرارات استبعادهم من سباق الترشح، بحجة حصولهم على استثناء من أداء الخدمة العسكرية، رغم أن القانون المصري نصّ صراحة بأن الاستثناء شأن الإعفاء النهائي، أو أداء الخدمة العسكرية.

وتواجه الهيئة الوطنية للانتخابات اتهامات باستبعاد مرشحين غير مؤيدين للنظام مثل هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم من حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ما أثار موجة من التساؤلات في الأوساط القانونية والسياسية، خصوصاً أن الاستبعادات طاولت مرشحين بدوائر مهمة في محافظات مثل القاهرة والجيزة والمنوفية والإسكندرية والشرقية وأسيوط.

ووفق قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، فإنّ من شروط الترشح أن يكون المرشح قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية، أو أعفي منها إعفاءً نهائياً، أو استُثني منها طبقاً للقانون، وهي صياغة واضحة لا لبس فيها، تضع الاستثناء في مرتبة متساوية مع الإعفاء والأداء، حسب قانونيين، غير أن بعض لجان تلقي أوراق المرشحين فسرت النص على نحوٍ ضيّق، معتبرة أن الاستثناء لا يمنح صاحبه المركز القانوني نفسه لمن أدى الخدمة، أو أعفي منها، ولا سيّما في حالات الاستثناء المؤقت للعائل الوحيد أو المقيم في الخارج.

ورأى البعض من خبراء القانون، أن التفسير الضيق للنصّ مثل انحرافاً في التطبيق، باعتبار أن اللجان لا تملك سلطة تقدير إضافية، ويقتصر دورها على التحقق من سلامة المستندات المقدمة من راغبي الترشح، من دون تقييم أسباب الاستثناء أو دوافعه. وأمام قرارات الاستبعاد، تقدم عدد كبير من المرشحين بطعون عاجلة أمام محاكم القضاء الإداري في القاهرة والإسكندرية والمنوفية والشرقية، طالبوا فيها بإلغاء قرارات استبعادهم من الانتخابات، وإلزام اللجان بقبول أوراقهم. وبلغ عدد الطعون 15 طعناً رسمياً، بينها طعون تقدم بها محامون معروفون، وأعضاء في أحزاب سياسية، تؤكد جميعها أن قرارات الاستبعاد “خالية من السند القانوني ومخالفة للدستور”. ومن المنتظر أن تصدر المحكمة الإدارية العليا خلال أيام أحكاماً، قد ترسي إلى مبدأ قضائي جديد باستبعاد من صدر في حقهم قرارات بالاستثناء من أداء الخدمة العسكرية، أو إلزام اللجان بقبول الاستثناء كحالة قانونية مكتملة، لا يجوز استبعاد صاحبها.

وأكد المستشار عصام رفعت، القاضي السابق بمجلس الدولة، أن قرارات الاستبعاد “لا تستند إلى أي أساس قانوني واضح”، لأن الهيئة الوطنية للانتخابات لم تصدر أي قرار رسمي، أو منشور إداري، باستبعاد المرشحين الحاصلين على استثناء من الخدمة العسكرية. وقال رفعت: “التفسير إداري متشدّد من بعض اللجان، ويخالف نص القانون وروحه”، مضيفاً أنه أقام طعناً أمام المحكمة الإدارية العليا، نيابة عن أحد المرشحين المستبعدين، بين فيه عدم جواز استبعاد من حصل على إعفاء قانوني من وزارة الدفاع بالاستثناء من أداء الخدمة العسكرية، باعتبار أن الاستبعاد في هذه الحالة “بلا سند قانوني”.

وأشار رفعت إلى أن المذكرة القانونية التي قدمها للمحكمة تضمنت نصوصاً واضحة من قانون الخدمة العسكرية رقم 127 لسنة 1980، تعتبر الاستثناء “موقفاً قانونياً مكتملاً لا يجوز الطعن فيه”، وأن قرار الاستبعاد يعد “خلطاً إدارياً بين مفهومي الإعفاء المؤقت والاستثناء القانوني”. واعتبر رفعت أن التفسير الخاطئ للنص “قد يتسبب في بطلان الانتخابات بعد إجرائها، فضلاً عن تأثير ذلك سلباً على نزاهة العملية الانتخابية برمتها”. وقرارات الاستبعاد تمسُّ مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 53 من الدستور المصري، التي تنص بأن المواطنين “متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو الأصل أو لأي سبب آخر”.

ويحذر قانونيون، ومن بينهم مصطفى علوان، المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة “رايتس للاستشارات القانونية والتحكيم الدولي”، من تداعيات التوسع في تفسير النصوص على نحوٍ ضيّق، ما قد يؤدي إلى تهميش فئات واسعة من الشباب الذين حصلوا على استثناءات قانونية مشروعة، سواء لأسباب اجتماعية أو إنسانية، مثل العائل الوحيد أو ذوي الإعاقة، وهو ما يتعارض مع روح المشاركة السياسية التي يفترض أن تشجعها الدولة. ويقول إنّ الأزمة تعكس خللاً في التنسيق المؤسّسي بين وزارة الدفاع من جهة، والهيئة الوطنية للانتخابات من جهة أخرى، إذ يفترض أن تكون شهادات التجنيد الصادرة من إدارة التعبئة والتجنيد “حجة قاطعة لا تقبل الجدال أمام أي جهة إدارية أخرى”. وتابع علوان أن الاستبعاد مخالف للدستور والقانون، ويظهر الأمر بأن “هناك توجهاً سياسياً إزاء استبعاد أشخاص محددين من الترشح للانتخابات”.

من جهتها، قالت مصادر داخل بعض اللجان الفرعية بالمحافظات، إنّ قرارات الاستبعاد أحدثت ارتباكاً نتيجة رفض بعض اللجان أوراق مرشحين “فقط لوجود كلمة استثناء في شهادة التجنيد”، من دون التحقق من طبيعة الاستثناء، أو كونه نهائياً أو مؤقتاً. وأوضح أحد رؤساء اللجان، تحفظ عن ذكر اسمه، أن “السبب في الأزمة هو غياب تفسير موحد لمفهوم الاستثناء، إذ لم يصدر من الهيئة أي قرارات في هذا الشأن”، مضيفاً أن بعض الأعضاء رأوا أن الاستثناء لا يعني الإعفاء، فقرروا الرفض “تجنباً للمساءلة”.

وذكر أساتذة قانون دستوري والجنائي، أن قرارات الاستبعاد الحالية “باطلة قانوناً”، لأنها تتعارض مع مبدأ تدرج القواعد القانونية، الذي يجعل نص القانون أعلى من أي تفسير إداري أو قرار تنفيذي. وقال الدكتور عصام الإسلامبولي، أستاذ القانون الدستوري، إن “الاستثناء شكل من أشكال الإعفاء، وكل من حصل عليه من جهة رسمية يعتبر متمتعاً بموقف قانوني نهائي. وبالتالي لا يجوز لأي لجنة أو جهة إدارية أن تنزع عنه هذا الحق”.

وكانت أحزاب وشخصيات عامة مصرية قد ندّدت باستبعاد الهيئة الوطنية مجموعة من مرشحي أحزاب المعارضة من سباق الانتخابات، معتبرين أن ما يجري هو “محاولة منهجية لتحويل انتخابات مجلس النواب إلى إجراء شكلي لا يعبر عن إرادة المواطنين، واستخدامها في تزيين صورة الاستبداد”. وتجري الانتخابات على مرحلتَين، الأولى خارج البلاد يومي 7 و8 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفي داخل مصر يومي 10 و11 نوفمبر، وتشمل محافظات: الجيزة، والفيوم، وبني سويف، والمنيا، وأسيوط، والوادي الجديد، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان، والبحر الأحمر، والإسكندرية، والبحيرة، ومطروح. والثانية بالخارج يومَي 21 و22 نوفمبر، وفي الداخل يومي 24 و25 منه، وتشمل محافظات: القاهرة، والقليوبية، والدقهلية، والمنوفية، والغربية، وكفر الشيخ، والشرقية، ودمياط، وبورسعيد، والإسماعلية، والسويس، وشمال سيناء، وجنوب سيناء.

يذكر أن الهيئة الوطنية استبعدت جميع القوائم المنافسة لـ”القائمة الوطنية” على نظام القوائم المغلقة بالانتخابات، ولم تتضمّن الكشوف التي أعلنتها قائمة “الجيل” التي ترشحت عن قطاعَي شرق وغرب الدلتا، وقائمتَي “صوتك لمصر” و”نداء مصر” عن قطاع غرب الدلتا، ما يضمن فوز القائمة المدعومة من النظام الحاكم (تضمّ 12 حزباً موالياً) بجميع المقاعد المخصصة للقائمة بإجمالي 284. وقسم قانون مجلس النواب المقاعد مناصفة بين نظام القوائم المغلقة والنظام الفردي بإجمالي 568 مقعداً، مع منح رئيس الجمهورية الحق في تعيين نسبة 5% من إجمالي عدد الأعضاء، أي 28 نائباً من أصل 596.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here