أفريقيا برس – مصر. أعلن البنك المركزي المصري، اليوم الأحد، أن صافي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي في مصر ارتفع إلى 50,071.3 مليون دولار أميركي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل 49,533.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول، ليسجل بذلك أعلى مستوى في تاريخه متجاوزاً للمرة الأولى حاجز الخمسين مليار دولار. ويمثل هذا الرقم ذروة جديدة في مسار تصاعدي متواصل منذ مطلع العام، يعكس تحسناً تدريجياً في موارد الدولة من العملات الأجنبية واستقراراً في إدارة السياسة النقدية.
ويُظهر تتبع البيانات التاريخية للبنك المركزي أن الاحتياطي المصري لم يبلغ هذا المستوى من قبل، إذ كان أعلى رقم سُجل سابقاً في سبتمبر الماضي عندما وصل إلى 49.534 مليار دولار، في حين بلغ ذروته قبل جائحة كورونا عند نحو 45.5 مليار دولار في فبراير/شباط 2020. ويغطي هذا الحجم من الاحتياطي حالياً ما يزيد عن ستة أشهر من الواردات السلعية والخدمية، وهو ما يمنح الاقتصاد المصري هامش أمان واسعاً في مواجهة الصدمات الخارجية والتقلبات في الأسواق الدولية.
ويرتبط هذا الارتفاع القياسي بعدة عوامل مجتمعة، أبرزها تحسّن أداء الحساب الجاري، إذ أظهرت البيانات الرسمية تراجع العجز إلى 2.2 مليار دولار خلال الربع الثاني من عام 2025، مقارنة بنحو 3.7 مليارات دولار في الفترة ذاتها من العام السابق. وجاء ذلك مدفوعاً بارتفاع تحويلات المصريين العاملين في الخارج وزيادة إيرادات السياحة، إلى جانب تحسن الميزان التجاري غير النفطي الذي استفاد من زيادة صادرات الأسمدة والغاز الطبيعي وتراجع فاتورة الواردات.
كما ساهمت تحويلات المصريين بالخارج بدور محوري في دعم الاحتياطي، إذ سجلت ارتفاعاً بنحو 50 % خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بعام 2024، نتيجة استقرار أسعار الصرف الرسمية وعودة جزء كبير من التحويلات من السوق الموازية إلى القنوات المصرفية. ووفق تقارير اقتصادية محلية، فإن هذه التحويلات أصبحت مرة أخرى أحد أعمدة السيولة الدولارية في الجهاز المصرفي المصري، بعد أن تراجعت خلال العامين الماضيين.
إلى جانب ذلك، شهدت إيرادات السياحة وقناة السويس تعافياً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية، حيث تجاوزت إيرادات القناة ثمانية مليارات دولار حتى نهاية أكتوبر، بالرغم من التوترات الإقليمية وتراجع حركة الشحن في البحر الأحمر، بينما ساهمت زيادة عدد السائحين الوافدين من أوروبا والشرق الأوسط في تعزيز تدفقات النقد الأجنبي إلى البلاد. وقد أشار مسؤولون بوزارة السياحة إلى أن مصر استقبلت أكثر من 11 مليون سائح خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، في مؤشّر واضح على تعافي القطاع.
كما ساهمت السياسات النقدية والمالية التي اتبعها البنك المركزي والحكومة في دعم هذا الاتجاه، إذ ركزت على تعزيز الاستقرار في سوق الصرف، وتشجيع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وجذب تمويلات تنموية جديدة من مؤسسات إقليمية ودولية. وشهدت الفترة الأخيرة زيادة في مشتريات المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل، إلى جانب تدفقات رأسمالية من صناديق استثمار عالمية، وهو ما دعم الاحتياطي بشكل ملموس.
وعلى جانب آخر، ساهمت الزيادة في تقييم أصول الذهب والأصول الأجنبية الأخرى المكونة للاحتياطي في رفع قيمته الإجمالية، بعد الارتفاع الكبير في أسعار الذهب العالمية خلال الربع الأخير من العام الجاري، إضافة إلى تحسن تقييم العملات الأجنبية المقومة بالدولار. وأوضح محللون أن مكونات الاحتياطي المصري لا تقتصر على النقد السائل فقط، بل تشمل كذلك وحدات حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي وأرصدة ذهبية ضخمة تمثل نحو 10% من الإجمالي.
ويرى خبراء اقتصاد أن تجاوز الاحتياطي النقدي حاجز الخمسين مليار دولار يشكل نقطة تحول مهمة في ميزان الثقة بالاقتصاد المصري، بعد سنوات من التقلبات وتراجع الاستثمارات الأجنبية. ويؤكدون أن هذا المستوى المرتفع يمنح البنك المركزي مرونة أكبر في إدارة السياسة النقدية والتعامل مع أي ضغوط على الجنيه أو على ميزان المدفوعات، في وقت تواجه فيه المنطقة تحديات اقتصادية وجيوسياسية متزايدة.
وقال مصدر مصرفي رفيع إن الزيادة الأخيرة تعود كذلك إلى تسويات مالية جرت مع مؤسسات دولية وتدفقات استثمارية جديدة في أدوات الدين المحلية، إضافة إلى عوائد استثمار جزء من الاحتياطي في أدوات مالية منخفضة المخاطر. وأضاف المصدر، طالباً عدم ذكر اسمه، أن البنك المركزي يعمل في الوقت الراهن على الحفاظ على مستوى الاحتياطي عند هذا الحد القياسي مع مواصلة سياسة التنويع بين العملات والأصول.
ومن وجهة نظر تحليلية، يشير توقيت وصيغ الصفقات الخليجية الأخيرة إلى أن مصر وظّفت إطاراً استثمارياً طويل الأمد لرفع احتياطياتها من العملات الأجنبية. ففي فبراير/شباط 2024 وقّعت القاهرة مع صندوق أبوظبي السيادي (ADQ) اتفاقية لتطوير منطقة رأس الحكمة الساحلية بقيمة إجمالية تبلغ 35 مليار دولار، من بينها نحو 24 مليار دولار لحقوق التطوير و11 ملياراً كاستثمارات وودائع مباشرة. وقد شكّلت هذه الصفقة نقطة الانطلاق الأولى لزيادة الاحتياطي خلال العام، مع بدء تدفق المبالغ النقدية في الربع الأول.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2025 أعلنت شركة “الديار” المملوكة لجهاز قطر للاستثمار عن مشروع ضخم لتطوير منطقة علم الروم على الساحل الشمالي باستثمارات تبلغ 29.7 مليار دولار، تتضمن دفعة نقدية مباشرة بقيمة 3.5 مليارات دولار لشراء الأرض، تُسدَّد بحلول نهاية العام الجاري. وعلى الرغم من أن هذه الدفعة لم تُسجّل بعد بالكامل في احتياطي أكتوبر، فإنها تمثل مصدراً متوقعاً لدعم الاحتياطي خلال الأشهر المقبلة.
وتضاف إلى ذلك استثمارات سعودية وإماراتية أخرى في قطاعات الطاقة والعقارات، بعضها في صورة ودائع طويلة الأجل بالبنك المركزي، مما وفّر غطاءً إضافياً للنقد الأجنبي. ويؤكد خبراء أن هذه الصفقات آلية لجذب رؤوس أموال خليجية ضخمة، ضخت عملة صعبة إلى السوق المصرية، وساهمت في ترميم الثقة بالاقتصاد، ما انعكس في الأرقام القياسية للاحتياطي الأجنبي. ويشير مراقبون إلى أن استمرار هذا الاتجاه مرهون بقدرة الحكومة على تحويل هذه الاستثمارات إلى مشروعات إنتاجية حقيقية، وضمان دخول الدفعات النقدية في مواعيدها، مع الحفاظ على مستويات الاستقرار النقدي وسعر الصرف.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





