التحنيط في زمن الفراعنة

146

بقلم : سحر جمال

افريقيا برسمصر. التحنيط كان جزءا هاما من حياة المصريين القدماء وسرا من أسرارهم وغاية كبرى لدى الجميع فالحياة عند المصريين لم يكن لها قيمة ولكن البعث والخلود كان هو الفكرة المسيطرة على الجميع فمن أغرب الاشياء التي قام بها الفراعنة قديما التحنيط وكان الفراعنة يقومون بتحنيط موتاهم لانهم يعتقدون أنها ستسمح لهم بالاستمرار في الحياة في العالم الاخر وقد تطورت عملية التحنيط عند الفراعنة بداية من الدفن في الصحراء الى المقابر الفرعونية وانتهاء بالاهرامات التي استخدمها الملوك القدماء كمقابر عملاقة لهم  لكن التحنيط كان   مكلفا جدا لذلك كانت عملية مخصصة فقط للاغنياء والاثرياء والاقوياء في المجتمع المصري القديم وكانت تستغرق عملية التحنيط حوالي 70 يوما.

وارتبطت الديانة المصرية بعقيدة البعث والخلود وأن الموت هو باب للعبور إلى عالم الحياة الدائمة وكانو مولعين بها فلقد أسموها حياة الجنة الأبدية وأسمى ما يتوقون إليه هو الذهاب للعالم السفلي مما جعل المصريين يبحثون عن طريقة لسر الخلود فقاموا باختراع فن التحنيط.

كلمة التحنيط حولها علامات استفهام وملامح غموض عندما تذكر بين الناس فالتحنيط هو أحد الأسرار الذي اختص به فئة من المصريون القدماء وحاولو حفظ هذا السر ومحاولة عدم اطلاع أي إنسان من الدول المجاورة عليه لكن السر لم يستمر حتى النهاية إذ تمكن الباحثون من التعرف على هذه الأسرار عن طريق سجلات الكتاب والمؤرخون الكلاسيكيون الذين زاروا مصر والمعلومات التي قدمها العلم الحديث من خلال الاطلاع على الجثث وتحليلها وما عثر في القبور من أدوات وعقاقير تستخدم في التحنيط، فالحقيقة رغم تقدم فن التحنيط إلا أن طرق التحنيط الجيدة من الدرجة الأولى والثانية بقيت حكرا على الملوك والأمراء والأغنياء من الناس أما المصريين العاديين فلم تحنط جثثهم بهذه الطرق  بسبب تكاليفها الباهظة فلجأ المصريون لاختراع طريقة ثالثة للتحنيط رخيصة الثمن لهم لكنها لم تحافظ على سلامة الجثة مدة طويلة.

مفهوم التحنيط
فن برع فيه القدماء المصريون ومعنى كلمة التحنيط هو حفظ جثث الموت لتبقى سليمة لفترات طويلة أما مصطلح مومياء الذي نطلقه عى الجثث التي عثر عليها في مصر فهو مفهوم يطلق على جثة أي كائن حي سواء حيوان أو إنسان وفي الوقت الحالي لقد ظهرت أنواع أخرى من التحنيط مثل : حفظ الأجساد بالتبريد وحقن الشرايين بسائل قاتل للميكروبات لينشر في الجسم ويحفظه من التحلل.

التطور في عملية التحنيط
في الدولة القديمة  كان التحنيط يتم عن طريق تفريغ البطن ثم ملئه بالتوابل والراتينج ثم يلف الجسد بالكتان. وفي الدولة الوسطى كانت طريقة التحنيط باهضة الثمن باستخدام الصموغ ذات الرائحة والتوابل والراتينج وبإزالة المخ والأعضاء الداخلية ثم ينقع في مادة النطرون لمدة 70 يوما، وحاولوا حفظ الجسد بدون فتحة عن طريق حقن الجثة بزيت خشب الأرز ومادة التربنتين.

مراحل التحنيط

مرحلة الغسل والتطهير
حيث يقوم المحنطون بغسل المتوفي وتنظيفه من الأوساخ بوضعه في حوض الغسل فالهدف من الغسل بالماء وملح النطرون أ أنه يساعد على البعث والولادة.

نزع المخ والأحشاء
قام المحنط بامتصاص الماء في جسم المتوفي ونزع الأحشاء على حدة ليجففها وقد نزع المخ أولا ثم أعضاء البطن والصدر. حيث يقوم المحنطون بنزع المخ من خلال العظمة المصفوية أو من فتحة خلف العنق، واستخراج المخ  عملية ضرورية فالفكرة الاساسية من عملية التحنيط هى الحفاظ على الجثة من التحلل والتأكل البكتيرى فيستخدم المحنط آلة نحاسية طويلة ويحسرها داخل جمجمة المتوفي ويحرك الطرف الآخر الموجود خارج الجسد ويقوم بقطعه قطع صغيرة ليخرجها من فتحتي الأنف وعند الانتهاء من تفريغ الجمجمة من النسيج يقوم بوضع سائل مستخرج من أشجار الصنوبر من خلال ادخاله عن طريف الأنف ثم يقوم المحنط باخراج القلب والرئتين والمعدة والأمعاء والكبد والكليتين عن طريق شق فتحة في الجانب الأيسر من البطن، ويضع هذه الأعضاء في ملح النطرون ويدهنها بزيت الأرز ويلفها بالكتان ويضعها في الآنية الكانوبية وثم يقوم بارجاع القلب والكليتين في جسد المتوفي لأن القلب له دور في العالم الآخر لاعتقادهم ان القلب هو مقر الروح والعاطفة اما  الكبد والبنكرياس او المعدة بشكل عام تحتوى على العديد من الانزيمات الهاضمة التى تساعد على تحلل الجثة لذلك لابد وان يستخرجوا الإحشاء.

ثم ننتقل إلى النقطة الأكثر ذكاء على الإطلاق وهي عدم تخلصهم من الأعضاء التى تم استخراجها من الجسم بل يتم وضع كل عضو فى إناء يحتوى على ملح النترون وذلك لاعتقادهم ان الأعضاء ستتجمع مرة أخرى ليعود كل عضو من هذه الأعضاء إلى مكانه الصحيح وذلك فى حياة البعث مرة أخرى.

الحشو
تقوم هذه المرحلة بالدور الذي قصد اليه المحنط في حال اكتمال 70 يوما وتنقسم الى وضع مواد حشو مؤقتة ومواد حشو دائمة ومواد حشو تحت الجلد.

مواد حشو مؤقتة
توضع المواد في جسد الميت ولا تنزع منه لأنها تقتل البكتيريا ولكن تنزع من الجسد بعد عملية التجفيف وهي ثلاثة أنواع من لفافات الكتان وهي لفافات بها ملح النطرون لتمتص المياه ولفافات كتان تمتص السوائل المتبقية ولفافات كتان تضم مواد عطرية.

مواد الحشو الدائمة
هي مواد حشو تبقى للأبد ومنها  ملح النطرون، نشارة الخشب، المر والقرفة، لفافات كتانية مغموسة بالراتنج الصمغي، البصل.

مواد حشو تحت الجلد
أما مواد حشو تحت الجلد فهي توضع تحت جلد الميت لتعطي الجسد ملامحه عندما كان حيا لتستطيع الروح التعرف عليه حيث توضع في الطبقة الوسطى من البشرة ومن هذه المواد الطين، الكتان، الرمال، نشارة الخشب، زبدة وصودا وهذه المواد توضع من خلال فتحات في الذراعين والساقيين والظهر.

مرحلة التجفيف
يلقي المحنط كميات كبيرة من ملح النطرون على جسد الميت لمدة 40 يوما لتخليص الجسم من وزن الجسد وهو الماء، وتخليصه أيضا من الأطعمة التي تناولها المتوفي، وملح النطرون يتكون من كربونات وبيكربونات وكلوريد وسلفات الصوديوم لذلك هويلعب دور مهم في عملية التجفيف، في هذه المرحلة  وكان المتوفي يوضع على سرير حجري مائل وفي أعلى أعلى سطح السرير توجد قناة تتجمع فيها المياه من الجسد ثم تتجمع في حوض أسفل السرير، بعد انتهاء مدة التجفيف يقوم المحنط بازالة ملح النطرون واستخراج مواد الحشو المؤقت.

صب الزيوت والدهون
تعالج هذه الخطوة التغيرات الجسدية بعد التجفيف مثل لون الجسد واحتراق أنسجة الجلد وانكماش الدهون أسفل الجلد، ويقوم المحنط بصب سائل أبيض مغلي وهو الراتنج على جسد الميت والمواد المستخدمة في هذه الخطوة الراتنج، زيت الأرز، دهان مرحت، شمع النحل، زيت التربنتين، ولقد استغرق المحنط عشرة أيام للقيام بدهن الميت ولفه بالكتان والملابس، وبعد انتهاء المحنط من صب الزيوت يقوم بغلق فتحات الجسد مثل العينان، الاذنان، فتحتا الأنف والفم  ويقوم بالضغط على العينين لتسقط ويضع فوقها قشرة بصل لمنع البكتريا، ويسد فتحتي الأذن والأنف بأقراص الراتنج، ويعالج الفم بملئه بالكتان ثم يلصق الشفتين بشمع النحل، أما فتحة التحنيط تخوف المحنط من دخول الأرواح الشريرة فكان يلصق على الفتحة تميمة العين الحامية (عين حورس) أما شفتا الفتحة قام بتخييطها باوتار الكتان وإلصاقهما بشمع النحل.

مرحلة التكفين
بعد وضع صبغ الوجه ووضع الباروكات والصنادل والحلي يقوم الكاهن بعد ذلك بلف الجسد أسبوعين بالكفن ويصاحب كل لفة قراءته لتعويذة وتهدف هذه المرحلة إلى توفير حماية إضافية للجسد لمنع التحلل، ويلون الكفن باللون الأحمر وتنتهي خطوات التحنيط بوضع القناع على وجه المتوفي ومن ثم يقوم المشرف على قراءة التعاويذ من كتاب الموتى ودفن الجسد المحنط.

المواد والعقاقير التي تستعمل في التحنيط
– النطرون وهي مادة تتكون من بيكربونات وكربونات الصوديوم وهي توجد في وادي النطرون وعندما يتبخر البحيرات تتكون طبقة بيضاء من الملح وهي النطرون، استخدمتها الأسرة الرابعة لتجفيف الجثث.
– القار وهي مادة توضع في جوف جسم الإنسان المحنط لحفظه من التحلل وجدت بعد الأسرة الحادية والعشرين
– المواد الراتجنية هي من المواد الأساسية في التحنيط وهي عبارة عن زيت ثخين مأخوذ من عصارة جذع النباتات من أنواعه : الصمغ والمر.
– شمع النحل استخدمت هذه المادة في عملية التحنيط لقفل العينيين والأنف والفم ولصق الجرح وكمادة أشبه بالعازلة.
– خيار شنبرد (الكاسيا ) والقرفة : هي قشور مجففة من أشجار في الهند والصين وهي عبارة عن بهارات تستخدم كمواد مجففة.
– النباتات مثل استخدام البصل للحفاظ على الجثة من العفن والتمر لتجفيف جوف الجثة واستخدام أنواع الأزهار لتعطير الجثة، ومن المواد النباتية هي نشارة الخشب والكتن لحشو جوف الجسم ونبات الحناء لتجميل الجثة.
– العقاقير ذات الروائح الزكية  هي تستخدم كمواد معطرة ومنها زيت الزيتون واللبان وصمغ الراتنج كالمر يتم وضع الاصابع الذهبية بيد المتوفي كايمانا بانها الطريقة الافضل لحماية جسد المتوفي من الارواح الشريرة.

مرحلة الطقوس الدينية
مرحلة الطقوس الدينية والتي تستمر من خلال التعاويذ التي تقرأ في كل مرحلة من مراحل التحنيط، حيث ذكرت برديتان بعض التعاويذ مرفقة بالتعليمات التي توصي بإزالة أظافر اليدين والأصابع قبل لفها حيث يصاحب ذلك تعويذة خاصة لكي تستعيدهما المومياء بعد ذلك، ومسح الرأس بالزيت مسحاً ختامياً بعدد من اللفائف المشعبة بالزيت أو الراتنج وتتكفل التعاويذ التي تقال برد الحواس لها وهكذا بقية الأعضاء.

الأدوات المستخدمة في عملية التحنيط
فرشاة التحنيط المصنوعة من سعف النخيل وطولها 10 سم – مقص برونزي طوله 6.8 سم -ملقاط طوله 7.5 سم  -مخرزان أحدهما بيد خشبية والآخر بدون يد – إبرة برونزية بخيط كتاني – إزميل برونزي -جفت برونزي بمحبس من العصر الروماني سباتيولا من البرونز طولها 13.5 سم – ملوقة (ملعقة) برونزية -مشرطان أحدهما طوله 17 سم والآخر 7.14 سم

وأغلب هذه الأدوات مصنوع من البرونز عدا فرشاة التحنيط المجدولة من سعف النخيل، ومما يرجح استخدام هذه الأدوات في عمليات التحنيط هو وجودها ضمن مخلفات التحنيط داخل وخارج المقابر وكان الإله (أنوبيس) إله المحنطين، والإله (ابولوات) الذي برأس ابن آوى من الوجوه المألوفة في الطقوس والعقائد الجنائزية إضافة للآلهة (أوزيرس، حتحور، مرت، سجرت).

التجهيز
توضع الجثة المحنطة بعدها في تابوت أو نعش يكون مزيناً بصور الآلهة التي ستعينه على الاستيقاظ بعد الموت، واختلفت أنواعها حسب مكانة الميت ومستواه الاقتصادي، وكانت تتخذ في الغالب شكل أوزيريس المسجى.

أما طقوس الدفن فكانت تجري وسط نوع من الرقص الديني الجنائزي وقرع الدفوف، وكان الكهنة يحملون التابوت وصندوق الأحشاء وقد تكدست الزهور حول التابوت الذي يعبرون به النيل. والنسوة من أقارب الميت يندبن ويولولن، ويحمل تابوت آخر تماثيل الميت وتحمل بقية القوارب المتاع الجنائزي وأهل المتوفى، وكان يسبق قارب الجثة قارب آخر يضم عدداً من النسوة يولولن في اتجاه الجثة، ويقف في مقدمة القارب واحد من أهل المتوفى ويصيح بماسك الدفة بأن يتجه صوب الغرب إلى بلد الأبرار.

ويضم القارب الثالث أقارب المتوفى من الذكور أما القارب الرابع ففيه أصدقاء وزملاء المتوفى يحملون عصيهم في أيديهم، وقد أتوا ليقدموا التكريم الأخير للراحل، وليضعوا في مقبرته هداياهم التي يحملها خدمهم أمامهم من باقات الزهور وقرابين الطعام وغيرها.

وفي الشاطئ الغربي من النيل تبدأ طقوس التشييع الأخير، ويسير الرجال في المقدمة وتتبعهم النساء، وفي أثناء سير الجنازة كان الكهنة يقومون بحرق البخور أمام المومياء، وبترتيل التراتيل الحزينة على المتوفى وغالباً ما كانت تتقدم طائفة من الراقصين الذين يحملون اسم (موو) حيث يقومون برقصة دينية للمتوفى بملابس خاصة مع ندابتين تمثلان إيزيس ونفتيس تمثلاً بمأساة أوزريس.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here