أفريقيا برس – مصر. دعت الحكومة بداية هذا الأسبوع النقابات العمالية الكثيرة في الجزائر إلى المشاركة حول شروط الممارسة النقابية وكيفياتها، في ظل التحولات السياسية والقانونية التي يعيشها البلد، منها الإطار الدستوري الجديد، الذي أحال له البيان الصادر عن مجلس الوزراء – دستور أول نوفمبر 2020- زيادة على القوانين المنظمة للعمل النقابي على المستوى الدولي.
إحالات تبدو لأول وهلة إيجابية، خاصة تلك المتعلقة بالبعد الدولي حتى وهو يعيش أجواء نيوليبرالية تأثرت بها الرؤية القانونية، المتبناة من قبل المؤسسات الدولية في مجال الشغل، كما هو حال المنظمة الدولية للعمل، الشيء نفسه بالنسبة للدستور الجزائري، الذي من عادته أن يتحدث عن حقوق من ورق، لا تجد من يطبقها على أرض الواقع، في عالم الشغل المعروف عنه أنه تغير بشكل سريع ليس بالضرورة دائما نحو الأحسن، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق العمال والنقابات التي تمثلهم.
لم يستوعب الجزائريون بمن فيهم قيادات النقابات العمالية والخبراء المهتمون -على قلتهم ـ بعالم الشغل، هذه الخرجة الحكومية التي تريد “التجديد” في الإطارالقانوني للممارسة النقابية في الجزائر، خاصة عندما تكلم مجلس الوزراء عن الابتعاد عن الممارسات السياسوية والارتباط العضوي بين الأحزاب والنقابات، وعن ضوابط التمثيل الحقيقي للنقابات، بعيدا عن التمييع، كما جاء في بيان مجلس الوزراء 16-01-2022.
في حين كان الأجدر أن يتم إنجاز “حوصلة” للقانون الساري العمل فيه، الموروث عن إصلاحات حكومة حمروش -1990- قبل التفكير في التعديلات التي يمكن القيام بها لهذا القانون، الذي كان جزءاً من إصلاحات سياسية واقتصادية متعثرة، علما أن قانون حمروش تميز بنزعة إصلاحية جريئة، اكتفت بتحديد الإطار العام للعمل النقابي وتنظيم حق الإضراب والاعتراف بالتعددية النقابية لأول مرة في تاريخ الجزائر، من دون الدخول في التفاصيل القانونية التي تركتها لموازين القوى والوقت، قانون صادفته على أرض الواقع ظروف سياسية وأمنية واقتصادية أكثر من صعبة، اثّرت فيه سلبا وهو يطبق، فقد تأخر تطبيق التعددية النقابية على سبيل المثال لأكثر من عشر سنوات، تم فيها التلكؤ من قبل الإدارة في منح تأشيرات الاعتراف بالنقابات الجديدة الكثيرة، التي ظهرت في قطاع التوظيف العمومي تحديدا.
ليكون الموظفون هم المستفيدين من هذه القوانين الجديدة، عكس عمال وأجراء عالم الصناعة العام المملوك للدولة، الذي استمر الاتحاد العام في احتكار العمل داخله، ورفض أي تنافس نقابي يهدده، كمؤشر قوي على استمرار النقابة الرسمية في أداء وظائفها السياسية القديمة التي تعودت على القيام بها لصالح النظام السياسي.
النظام السياسي كان على رأس الأطراف التي سيّست العمل النقابي بواسطة الأحزاب التابعة له، ووظفته بعيدا عن أدواره الحقيقية، التي يطالب بيان مجلس المجلس الأخير بالعودة إليها، وهو يحيل إلى القوانين الدولية والدستور، في ظرف سياسي يجعل هذه الإحالات محل تشكيك، إذا عرفنا التوجهات الفعلية على أرض الواقع، على مستوى الوضع الاقتصادي والحريات بكل أنواعها، فقد زاد التضييق الإعلامي والسياسي بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وزاد منسوب الاعتقالات للناشطين، ما يدل بشكل واضح إلى أن الجو السياسي لن يكون عاملا مساعدا على فتح هذا النقاش حول المسألة النقابية في الجزائر، في اتجاه حريات أكبر، تبقى النقابات والعمال في حاجة أكيدة إليها، في وضع تدهورت فيه بشكل لافت القدرة الشرائية لأغلبية الأجراء بمن فيهم أفراد الفئات الوسطى الذين التحقوا بصفوف الفقراء الجدد.
زيادة على هذا الظرف السياسي والاقتصادي غير المؤاتي، لا يمكن التعويل على مصادر قوة فعلية كثيرة داخل عالم الشغل، والتجربة النقابية منذ الإعلان عن التعددية، التي لن نعود إليها بالتفصيل ونكتفي بالكلام عن الاتجاهات الكبرى التي تعيشها، من نقاط الضعف الكثيرة التي تصعب تعامل النقابات مع هذا الاقتراح الرسمي بفتح النقاش، حتى لو افترضنا صدق النيات، التشرذم الكبير الذي تعيشه الخريطة النقابية، الذي وصل في قطاع التربية إلى حالة كاريكاتيرية -كل فئة مهنية كونت نقابة، بكل الضعف المؤسساتي الذي تعاني منه النقابات الكثيرة هذه، التي ضعفت لديها قيم التضامن، وزاد منسوب الصراع بين القيادات المنشقة عن بعضها بعضا.
عدم التجديد العقائدي والفكري يمكن عدّه هو الآخر من نقاط ضعف هذه التجربة التي استمرت في العيش على فكر وعقائد خمسينيات القرن الماضي، ما يؤشر إلى قضية التكوين، وإنتاج قيادات نقابية جديدة كان يمكن أن تكون حاضرة على رأس النقابات، بدل القيادات القديمة التي لم تجدد معارفها لا في عالم الشغل ولا في الفكر والممارسة النقابية، تساعد على رد الاعتبار للعمل النقابي، لدى الفئات العمالية الشابة من الجنسين، هي التي ما زالت بعيدة على الممارسة النقابية وتنظر إليها بريبة، اعتمادا على التجربة القديمة التي عرفتها الجزائر التي ساد فيها استعمال النقابة كمصعد اجتماعي للكثير من الفئات المهنية داخل عالم الشغل.
بالطبع لا يمكن الاستمرار في توجيه اللوم لحالة الضعف التي تعيشها النقابات إلى الطرف العمالي فقط، لما للطرف الرسمي من مسؤوليات في هذا الوضع، هو الذي ما زال لم يرفع يده عن النقابات – حالة الاتحاد العام كمثال صارخ – التي ما زال يستعملها لكسب شرعية سياسية فشل في الحصول عليها في الفضاء السياسي وبواسطة آليات العمل السياسي المعروفة كالانتخابات الشفافة.
رب العمل الذي أصبحت تشتغل لديه اغلبية العمال والأجراء في الجزائر منذ التسعينيات، هو الآخر يتحمل مسؤوليات أكيدة في إضعاف الممارسة النقابية في الجزائر في السنوات الأخيرة، في وقت احتل فيه رب العمل في القطاع الخاص المكانة الأولى من حيث التشغيل، مقارنة بالدولة، رب عمل ما زال يعيش على فكر القرن التاسع عشر، يعتقد جازما بأن ملكيته القانونية لمكان العمل تعطيه الحق في رفض تكوين نقابات من قبل العمال، الذين يصر على ربط علاقة أبوية معهم، زيادة بالطبع على أمور اقتصادية أكثر موضوعية، كصغر حجم المؤسسة الصناعية الخاصة، وهشاشة الوضع القانوني لليد العاملة، التي فقدت كل غطائها القانوني، والتي ما زالت تتمتع بجزء منه في القطاع العام، في وقت تتجه فيه النخب السياسية الرسمية بما فيها جزء كبير من المعارضة نحو مواقف محافظة تجعلها لا تتفهم ما يحصل داخل عالم الشغل والنقابات وهو ما تعبر عنه أحسن تعبير وسائل الإعلام بكل أنواعها وهي تقاطع هذا العالم التي لا تريد أن تتقرب منه ولا تريد أن تعرفه.
ناصر جابي، كاتب جزائري
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس