سحر جمال
أفريقيا برس – مصر. قال الباحث والمحلل السياسي الهامي المليجي في حواره مع “أفريقيا برس” إن انفتاح شرق ليبيا على تركيا يندرج ضمن محاولة حفتر لإعادة تموضعه إقليميًا دون قطع علاقاته مع القاهرة وأبو ظبي، مستغلًا التنافس الإقليمي لتحقيق مكاسب سياسية.
وأكد المليجي أن الاتفاق البحري المحتمل بين شرق ليبيا وأنقرة قد يُستغل من قبل تركيا للطعن في شرعية اتفاق مصر واليونان لعام 2020، مما يهدد التوازنات البحرية في شرق المتوسط.
وأضاف أن فشل مصر في إقناع حفتر بعدم المصادقة قد يؤدي إلى توتر دبلوماسي جديد، ويُبطئ مسار التقارب المصري التركي، وسط قلق أوروبي متزايد من التوسع البحري التركي.
ما موقف الحكومة المصرية من احتمال مصادقة شرق ليبيا على الاتفاقية البحرية مع تركيا؟ وهل تلقت القاهرة أي إشارات رسمية من حكومة حماد أو حفتر؟
أعتقد أن الموقف المصري يتسم بالحذر والقلق، حيث ترى القاهرة أن المصادقة على الاتفاقية بين شرق ليبيا وتركيا تمثل تهديدًا مباشرًا لمصالحها البحرية، وللاتفاق المبرم مع اليونان عام ٢٠٢٠. لم تعلن القاهرة عن تلقيها رسائل رسمية، لكن من المرجّح أن تكون هناك قنوات تواصل أمنية ودبلوماسية غير معلنة مع الطرفين، خاصة مع حفتر الذي تربطه بالقاهرة علاقات وثيقة منذ سنوات.
هل ستقبل مصر لعب دور الوسيط بين اليونان وحكومة شرق ليبيا لمنع التصديق؟ وما طبيعة الوساطة التي يُنتظر أن يطلبها وزير الخارجية اليوناني من مصر خلال زيارته المرتقبة؟
من المحتمل أن تقبل القاهرة بهذا الدور، ليس فقط لحماية اتفاقها مع اليونان، بل أيضًا للحفاظ على نفوذها في شرق ليبيا. قد تشمل الوساطة ممارسة ضغوط سياسية على حفتر وحكومة حماد، وتقديم حوافز اقتصادية ودعم دبلوماسي مقابل التراجع عن المصادقة، كما قد يُطلب من مصر تنشيط أدواتها الأمنية والعشائرية في الشرق الليبي.
ما أسباب امتناع حكومة شرق ليبيا حتى الآن عن اتخاذ قرار صريح بشأن الاتفاق البحري مع تركيا؟ وهل هناك ضغوط داخلية أو دولية تؤخر هذا القرار؟
الامتناع يُعزى إلى توازنات دقيقة بين ضغوط تمارسها كلٌّ من القاهرة وأبو ظبي من جهة، وإجراءات أنقرة من جهة أخرى. كما أن الانقسام الليبي الداخلي يلعب دورًا كبيرًا، إذ إن المصادقة دون توافق وطني قد تُفاقم الانقسام وتفقد حكومة الشرق شرعيتها أمام المجتمع الدولي. كذلك، تُمارس ضغوط دولية، خصوصًا من أطراف أوروبية، على حفتر لعدم التورط في اتفاق قد يُستخدم كأداة ابتزاز للمجتمع الإقليمي.
في حال مصادقة شرق ليبيا على الاتفاقية التركية، ما الانعكاسات القانونية والجيوسياسية على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان عام 2020؟
الانكشاف القانوني سيكون محدودًا، لأن شرق ليبيا تفتقر إلى الاعتراف الدولي الكامل، إلا أن تركيا قد تستغل الاتفاق الجديد للطعن في مشروعية الاتفاق بين مصر واليونان، مما يؤدي إلى نشوء نزاعات قانونية بحرية معقدة أمام المحاكم الدولية والمنصات الدبلوماسية. أما جيوسياسيًّا، فقد تتضرر الثقة بين مصر وشرق ليبيا، وقد يُنظر إلى حفتر كطرف غير موثوق به في التحالفات التقليدية.
ما مدى صحة التقارير التي تفيد بسعي خليفة حفتر وأبنائه إلى تعميق العلاقات مع أنقرة؟ وهل هذا تقارب استراتيجي أم مجرد تنسيق مؤقت؟
صحيح أن هناك مؤشرات متزايدة على وجود تنسيق أمني بين حفتر وتركيا، يشمل بعضها مجالات تجارية تتعلق بالموانئ والبنية التحتية. هذا الانفتاح، رغم العداء السابق، يبدو أكثر من مجرد تنسيق ظرفي، إذ قد يُشكّل مقدمة لتحالف جديد إذا ضمنت أنقرة لحفتر مكاسب في الملف السياسي أو العسكري. ومع ذلك، فإن هذا التقارب لم يصل بعد إلى مستوى اعتبارِه تقاربًا استراتيجيًا شاملًا.
هل يمكن اعتبار انفتاح شرق ليبيا على تركيا بمثابة إعادة تموضع إقليمي لحفتر على حساب التحالفات التقليدية مع القاهرة وأبو ظبي؟
إعادة التموضع لا تعني قطع العلاقات مع القاهرة وأبو ظبي، لكنها تُعد إشارة إلى محاولة حفتر تنويع تحالفاته، وربما الاستفادة من التنافس التركي المصري للحصول على مكاسب أكبر. وقد يكون هذا الانفتاح ورقة ضغط على الحلفاء التقليديين لرفع مستوى دعمهم، وأنا هنا أتحدث بشكل أساسي عن أبو ظبي.
ما المخاوف التي تثيرها هذه التطورات لدى دول شرق المتوسط مثل قبرص والكيان الإسرائيلي، في ظل تعارض المصالح حول مناطق الغاز البحري؟
القلق الأكبر يتعلق بتهديد تركيا لخريطة التحالفات البحرية التي تضم الكيان الصهيوني وقبرص واليونان ومصر. فالتوسع التركي عبر اتفاقيات رمزية مع شرق ليبيا يمكن أن يفتح المجال لتشكيك قانوني في الحدود البحرية، مما يؤدي إلى إثارة نزاعات جديدة وتعطيل مشروعات الطاقة المشتركة، مثل خط أنابيب “إيستميد”. ويخشى الكيان الصهيوني من أن يؤدي ذلك إلى تقويض خطوطه لتصدير الغاز.
هل يُحتمل أن تستخدم تركيا الاتفاقية الجديدة كأداة تفاوض أو ضغط في ملفات إقليمية أخرى، كليبيا أو الطاقة أو شرق المتوسط؟
بكل تأكيد، فتركيا بارعة في استخدام أوراق النفوذ البحري والجيوسياسي كأدوات تفاوض. ويمكن أن تلجأ إلى استخدام الاتفاق كعنصر مساومة في ملفات الغاز، أو في مسار تطبيع العلاقات مع دول المتوسط، أو حتى في الملف السوري. ويجب أن ندرك أن الاتفاقية قد تمنح أنقرة ذريعة قانونية جديدة للتحرك في مناطق بحرية كانت وما زالت محل نزاع.
ما السيناريوهات المتوقعة إذا فشلت مصر في إقناع شرق ليبيا بعدم التصديق؟ وهل سنشهد تصعيدًا دبلوماسيًا بين القاهرة وأنقرة من جديد؟
إذا فشلت الوساطة المصرية، فقد يكون التصعيد دبلوماسيًا في البداية، وقد يتطور إلى توترات إعلامية وتحركات بحرية رمزية. لكن لا أظن أن تصل العلاقات إلى مرحلة العداء الكامل، غير أن ذلك قد يؤدي إلى تباطؤ مسار التقارب المصري التركي وتجميد بعض المشروعات الثنائية. كما قد تدعم مصر أطرافًا ليبية معارضة لحفتر بشكل غير مباشر، خاصة وأن النفوذ المصري حاضر بقوة سياسيًا ومجتمعيًا.
ما موقف الاتحاد الأوروبي من احتمال توسّع النفوذ البحري التركي في شرق المتوسط بموافقة ليبية شاملة؟ وهل هناك تحرك أوروبي أو يوناني داخل الاتحاد لمواجهة ذلك؟
الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا واليونان وقبرص، ينظر بقلق إلى أي توسع تركي في شرق المتوسط. وبالتالي، من المرجح أن يدعم أي تحركات قانونية أو سياسية تهدف إلى وقف الاتفاق أو إبطاله. واليونان بالفعل تتحرك عبر القنوات الدبلوماسية الأوروبية للضغط على كلٍّ من ليبيا وتركيا، كما أن القضية قد تُثار في المحافل الأوروبية لفرض عقوبات أو لتجميد التعاملات مع الأطراف الليبية التي ستوقّع على الاتفاق.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس