أشرف الهور
أفريقيا برس – مصر. لم يكن يتوقع أن يتحول الوسيط المصري الذي يتدخل في كل الملفات الفلسطينية، ذات العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في فترة ما خصما لسياسات تل أبيب، بسبب تعمدها المستمر عدم الالتزام بوعود ونقاط وردت في تفاهمات الهدوء، خاصة على ساحة غزة، وهو أمر انعكس مؤخرا على جملة من الخطوات، تمثلت في وقف مصر إرسال وفد أمني رفيع لتل أبيب، وارسال الأخيرة واحدا من أكبر مسؤوليها الأمنيين للقاهرة في محاولة لرأب الصدع.
وإن لم يكن تهرب إسرائيل من استحقاقات قرار وقف إطلاق النار، الذي وقع برعاية مصرية مع حركة الجهاد الإسلامي قبل ثلاثة أسابيع، وما سبقه من عدم التزام تل أبيب بوعود خاصة بالتهدئة الميدانية في الضفة الغربية، السبب الأول في التوتر، إلا أن هذه الأمور كانت بمثابة نقطة الفصل، في العلاقة الحالية، بعد أن شعرت القاهرة بحرج كبير أمام الفلسطينيين في هذه المرحلة، بعد أن شعرت بالإحراج ذاته أمام الجمهور المصري، بسبب حادثة إسقاط أحد مسيراتها بصواريخ إسرائيلية، ومن قبله ما كشف عن مجزرة اقترفتها إسرائيل بحق جنود مصريين في حرب العام 1967.
وفي التفاصيل لم تكن تل أبيب قد اكتفت بعدم تطبيق بنود تفاهمات وقف إطلاق النار الأخير، الذي مر عليه ثلاثة أسابيع، والتي تشمل إطلاق سراح الأسير خليل عواودة المضرب عن الطعام للشهر السادس على التوالي، والعمل على حل قضية الأسير بسام السعدي القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، ما تسبب لها بإحراج أمام حركة الجهاد الإسلامي، التي كانت قد دخلت في موجة التصعيد العسكري الأخيرة، وقدمت تساؤلات واستفسارات كثيرة للوسيط المصري خلال الفترة الماضية عن مصير التفاهمات، حتى قامت قبل أن يجف حبر الاتفاق، بشن حملة عسكرية دامية على مدينة نابلس شمال الضفة، وتحديدا في اليوم الثاني لانتهاء العدوان، تخللها استشهاد اثنان من النشطاء العسكريين وفتى، رغم أنها تعهدت ضمنيا للوسيط المصري، بالكف عن أي أعمال عسكرية، من شأنها أن تزيد التوتر، وتظهر الوسيط بصورة غير القادر على وقف التجاوزات، خاصة في ظل التزام الفلسطينيين بتلك التفاهمات.
وقد كشف النقاب أن أزمة علاقات بين القاهرة مع تل أبيب، لم ينكرها وزير الجيش بيني غانتس، لم تكن وليدة الأحداث الأخيرة التي عاشتها المناطق الفلسطينية فقط، بل أن الأزمة بدأت قبل هذه الأحداث بشهرين.
غانتس أقر علنا بوجود أزمة في العلاقة مع مصر، وقال «مصلحة مصر وإسرائيل تتطلب تجاوز الأزمة الحالية بين البلدين» وأشار إلى أن هناك أيام توتر ناتجة عن انتهاء «عملية الفجر الصادق» في إشارة إلى التصعيد العسكري الأخير ضد غزة، وعبر عن أمله في أن تمر الأزمة في الأيام المقبلة، وحسب غانتس فإن مصر تعد «لاعبا إقليميا رئيسيا ومن أهم أصدقاء إسرائيل» ويضيف «البَلَدان في بعض الأحيان تكون هناك تقلبات، والطرفان سيجدان الطريقة لإعادة الاستقرار».
وفي هذا السباق، ذكرت الإذاعة التابعة لجيش الاحتلال، الأسباب الأولى للخلاف، وقالت إنها ظهرت بعد أن قام الجيش الإسرائيلي بإسقاط طائرة مسيرة مصرية، كانت قد دخلت الأجواء الإسرائيلية عبر الحدود، وهو ما أثار وقتها غضب الجانب المصري، الذي شعر بالحرج، وحسب مسؤولين أمنيين مطلعين في تل أبيب، فقد أكدوا أن تلك الحادثة هي التي أشعلت التوتر الكبير مع القاهرة.
ولم تكن ارتدادات تلك الحادثة قد هدأت، التي تخللها محادثات بين كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية ونظرائهم المصريين في محاولة لتجاوز ما حدث، قد هدأت، لعدم الاتفاق على تجاوز ما حصل، حتى كشف بعدها بشهر عن مجزرة ارتكبت ضد جنود الصاعقة المصريين خلال حرب الـ 67.
وهنا يؤكد مسؤولون إسرائيليون أن مصر لم يعجبها الكشف عن الحادثة التي تأخرت عقودا، عقب تقارير عبرية أكدت وجود قبر جماعي للجنود المصريين، قضوا على أيدي جيش الاحتلال، ومدفونين حاليا تحت أراضي كيبوتس ناحشون خاصة وأن أيا من قادة إسرائيل لم يعلنوا سابقا، رغم العلاقات الدبلوماسية الطويلة مع مصر عن تلك الحادثة.
واستمر استهتار الجانب الإسرائيلي بالوسيط المصري، حتى بلغ ذروته في الأيام التي تلت عملية «الفجر الصادق» التي شنتها قوات الاحتلال ضد غزة قبل ثلاثة أسابيع ضد غزة، ودامت لثلاثة أيام، أدت إلى استشهاد نحو 50 فلسطينيا وإصابة المئات بينهم أطفال ونساء، وقد انتهى ذلك التصعيد بناء على الوساطة المصرية.
وجاء هذا التوتر الثالث الذي زاد من حجم الخلاف، بعد أن تنصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من ذلك الاتفاق، والذي تعهدت مصر بموجبه إطلاق سراح القيادي السعدي والأسير المضرب عن الطعام عواودة.
تعمد إحراج القاهرة
وتعمدت إسرائيل وفق ما كشف، على «الدوس على أصابع قدم القاهرة» فبالرغم من قيام رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد، بإجراء اتصال مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لشكره على إنجاز تفاهمات وقف إطلاق النار، كانت هناك عملية أخرى في الطريق للتنفيذ، تستهدف المطارد إبراهيم النابلسي، حيث تم اغتياله من طرف الجيش الإسرائيلي، بعد حصاره في أحد المنازل في نابلس والاشتباك معه لساعات، ولذلك تسببت عملية قتل النابلسي بغضب مصري كبير، حيث توقعت القاهرة أن المحادثة بين السيسي ولابيد، ستؤدي إلى توجيه تعليمات منظمة للجيش الإسرائيلي، ولكن هذا ما لم يحدث.
ووفق تقارير عبرية، فإن حالة الغضب المصرية هذه، كانت نابعة من توقعات مصر أن تعطي إسرائيل فرصة لرئيس المخابرات عباس كامل، لتهدئة الأمور على الأرض قبل أن تباغت إسرائيل غزة بشن عدوان مفاجئ يوم الخامس من الشهر الجاري بدأته باغتيال أحد أبرز قادة الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي تيسير الجعبري، وما تلاه من الذهاب بعيدا عن تطبيق تفاهمات وقف إطلاق النار الأخير، رغم أن القاهرة قدمت وعدا لحركة الجهاد بأن يكون التنفيذ قريبا، خاصة وأن ذلك الاتفاق نص على إطلاق سراح عواودة بعد نقله إلى مشفى مدني، إذ ذهبت سلطات الاحتلال لتطبيق الشق الخاص بالعلاج، وبدلا من إطلاق سراحه ثبتت اعتقاله.
ولذلك لم تدفع القاهرة بوفدها الأمني الرفيع إلى تل أبيب، وبدا أن الأمر مرده أن ذلك الوفد الذي كان سيرأسه اللواء عباس كامل مدير المخابرات، لن يعود وبين يديه إنجازات مثل إطلاق سراح عواودة، علاوة على أن عدم الذهاب يحمل رسالة مصرية لتل أبيب، تدلل على حالة الغضب من التصرفات التي تقوض جهود الوسيط.
وقد أجبر هذا الأمر رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» رونين بار، على زيارة القاهرة، وعقد لقاء مع كامل، ضمن المساعي الرامية لإنهاء الأزمة، فالقناة «i24news» الإسرائيلية، ذكرت أن رئيس «الشاباك» برر لكامل، اعتبارات إسرائيل لخوض التصعيد العسكري الأخير، على ضوء التحذيرات من هجمات محتملة للجهاد الإسلامي، ومواصلة اعتقالات النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأوضح تقرير القناة الإسرائيلية أن مصر كانت غاضبة، بعد أن قامت إسرائيل بعد وقف إطلاق النار في غزة، بتنفيذ حملة اعتقالات كبيرة في الضفة، وتصفية عدد من النشطاء في نابلس.
وخلال الزيارة بحث رئيس «الشاباك» مع المسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصرية، الأوضاع في قطاع غزة والمطالب المصرية بالإفراج عن معتقلي حركة الجهاد الإسلامي، عواودة والسعدي.
الجدير ذكره أنه عقب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، كشف المتحدث باسم حركة الجهاد، داود شهاب، أن الاتفاق مع إسرائيل بوساطة مصرية، جاء بعد أن «وعدت القاهرة بالعمل على الإفراج عن الأسيرين خليل عواودة وبسام السعدي».
مساعي إسرائيل للصلح
ومن أجل احتواء حالة الغضب المصرية، أطلع رئيس «الشاباك» رئيس المخابرات المصري، على آخر ما توصلت إليه التحقيقات الإسرائيلية، بشأن جهود البحث عن المقبرة الجماعية التي دفن بها نحو 20 جنديًا مصريًا قتلوا في مواجهة مع جيش الاحتلال عام 1967 بالقرب من القدس المحتلة، إذ تأمل تل أبيب أن يكون ذلك مفتاحا لحل الإشكال، فيما شددت القاهرة خلال المحادثات على تمسكها بضرورة تنفيذ إسرائيل التفاهمات والوعود التي قطعتها بشأن التهدئة.
وبانتظار تنفيذ الجانب الإسرائيلي الوعود التي قطعها في تفاهمات وقف إطلاق النار الأخيرة، فإن الأمور ستظل مفتوحة على كل الصعد، خاصة وأن الفلسطينيين لا يثقون بوعود تل أبيب، ويتوقعون أن تماطل في تنفيذ التفاهمات.
ولذلك ذكرت تقارير عبرية، أن حركة الجهاد الإسلامي ستحاول تحقيق أي إنجاز لها منذ التصعيد الأخير على قطاع غزة، وحسب توقعات جهات أمنية في تل أبيب، فإن الجهاد الإسلامي يرى في مصر العنوان، لكن طالما استمرت المماطلة الإسرائيلية في قضية المعتقلين إلى جانب استمرار العمليات العسكرية في الضفة الغربية، فليس من المؤكد أن الجهاد سيستمر في انتظار مصر إلى الأبد، وستتحرك الحركة لفعل شيئ للتعبير عن استيائها.
ومن المحتمل أن يكون دخول الأسرى في السجون الإسرائيلية في خطوات تصعيدية، ومنها الذهاب للإضراب عن الطعام في الشهر المقبل، حال لم تقم سلطات الاحتلال بتلبية مطالبهم الخاصة بتحسين وضعهم في السجون، سببا لزيادة حدة اشتعال الأوضاع، خاصة بعد أن طلبت الفصائل من الوسطاء وبالأخص المصري، التدخل، ودفع الاحتلال لإنهاء مأساتهم، ووقف الإجراءات العقابية التي تريد سلطات السجون تنفيذها، وهو أمر من المستبعد أن تستجيب خلاله إسرائيل لطلب الوسطاء، على غرار المرات السابقة، رغم أنها وعدت في اذار/مارس الماضي الوسطاء، بوقف تلك العقوبات، وهو أمر نقل وقتها للفصائل التي أوقفت الإضراب الشامل في السجون.
وفي المقابل أنذرت الفصائل بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه معاناة الأسرى، وقالت إنها ستفعل كل ما بوسعها لنجدتهم، ما يفتح أبواب الصراع والمواجهة على مصراعيها، حيث كان مسؤول ملف الشهداء والأسرى والجرحى في حركة حماس، زاهر جبارين قال إن الشعب الفلسطيني وقيادة المقاومة لن يتركوا الأسرى وحدهم، وأضاف منذرا «إذا ما اندلعت المعركة داخل السجون، فالمقاومة ليس لديها أي خط أحمر في استخدام وسائل النصرة» وأشار إلى اجتماعات متواصلة في الداخل والخارج بين حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، لمتابعة معركة الأسرى داخل السجون.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس