مصطفى عبد السلام
أفريقيا برس – مصر. من المبكّر القول إنّ الحكومة المصرية حسمت أمرها بشأن صفقة استيراد الغاز الإسرائيلي والبالغ قيمتها 35 مليار دولار، والقفز إلى نتيجة سريعة هي أن القاهرة في طريقها إلى إلغاء الاتفاقية المثيرة للجدل، أو التراجع عن تلك الصفقة المريبة التي أثارت غضب الرأي العام في مصر، خاصّة وأنه جرى إبرامها في ذروة حملة الإبادة الجماعية التي شنتها دولة الاحتلال على أهالي غزة.
ومن المبكّر القول إنّ الحكومة الإسرائيلية حسمت أمرها بشأن أكبر صفقة تصدير غاز في تاريخها اتفقت عليها مع مصر قبل أقل من ثلاثة أشهر، وأنها ستتراجع عن تنفيذ تلك الصفقة على خلفية تطورات داخلية وخارجية داخل دولة الاحتلال تتعلق بما يتردد عن خلافات مكتومة بين تل أبيب والقاهرة، أو لأسباب اقتصادية منها تهدئة الأسعار داخلياً عبر توجيه الغاز المنتج لتلبية احتياجات الأسواق الإسرائيلية المتزايدة من الغاز أولاً ثم التصدير ثانياً.
لكن من الواضح أن القاهرة تتحرك سريعاً لتدبير احتياجات الدولة المصرية من الغاز الطبيعي المُسال، وتلبية احتياجات السوق المحلي المتزايدة، وتأمين استقرار إمدادات الطاقة للمصانع وشركات توليد الكهرباء، وتفادي أي أزمات مزعجة ناتجة عن نقص الوقود الأزرق كما جرى في الصيف قبل الماضي، خاصة مع تراجع إنتاج حقول الغاز المصرية بحدة وفي مقدمتها حقل ظهر الواقع قبالة سواحل البحر المتوسط.
ويبدو أن القاهرة اتخذت خطوات جدية نحو التوسع في استيراد الغاز المُسال وتنويع المناشئ والدول الموردة، وأنها تضع ضمن السيناريوهات المتوقعة عرقلة الحكومة الإسرائيلية تمرير صفقة الغاز التي أُبرمت في شهر أغسطس/آب في ظل تنامي الخلافات بين الطرفين، خاصة ما يتعلق بالوضع في سيناء وغزة، وهو الأمر الذي أشار إليه وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي، إيلي كوهين، بداية الشهر الجاري حينما قال إنّ تل أبيب لن توقع اتفاقية تصدير الغاز إلى مصر قبل التأكد من الحفاظ على مصالحها الأمنية، إضافة إلى ضمان أسعار عادلة للمستهلك.
وفي ظل تلك المعطيات وغيرها اتخذت الحكومة المصرية خطوات استباقية لتفادي مخاطر كبيرة متوقعة في سوق الطاقة، عبر التعاقد على استيراد الغاز من دول وشركات عدة، أحدث مثال في هذا الشأن هو إبرام صفقة غاز طبيعي ضخمة مع شركة هارتري بارتنرز الأميركية للطاقة، وبقيمة 4 مليارات دولار، على أن يبدأ توريد الشحنات اعتباراً من يناير المقبل.
ومع ضخامة الصفقة الأخيرة وافقت الشركة الأميركية على منح الحكومة المصرية تسهيلات ائتمانية في السداد تتراوح ما بين 6 شهور إلى 12 شهراً، وبعلاوة سعرية تتناسب مع وضع سوق الغاز المُسال العالمية.
الاتفاقية ليست الوحيدة بل تأتي في إطار اتفاقيات أخرى لاستيراد الغاز الطبيعي المُسال وبقيمة 10 مليارات دولار ومرتقب توقيعها خلال العامين المقبلين لتغطية احتياجات الطلب المختلفة في مصر.
سبق الصفقة الأميركية توقيع الحكومة المصرية صفقات استراتيجية أخرى مع شركات إقليمية وعالمية، منها أرامكو السعودية، وترافيغورا السنغافورية، وفيتول الهولندية لتجارة الطاقة، بعقود تمتد لعامين ونصف العام بدأت في يوليو الماضي، وذلك ضمن جهودها أكبر لتعزيز استقرار إمدادات الطاقة، كما وسعت قاعدة الموردين بهدف الحصول على عروض أسعار أكثر تنافسية وتحقيق مرونة أكبر في التوريد.
وتعاقدت الحكومة أيضاً على استيراد ما يتراوح بين 155 و160 شحنة غاز مُسال خلال العام الجاري 2025، لسد الفجوة بين الاحتياج الفعلي للسوق المحلية من الغاز الطبيعي والإنتاج المحلي. زادت عملية الاستيراد خلال الفترات التي توقفت فيها إسرائيل عن توريد الغاز لمصر.
خطوات متسارعة تقوم بها القاهرة لتأمين احتياجاتها من الطاقة، فهل تمثل تلك بداية للابتعاد عن رهن أمنها القومي والاقتصادي بالغاز الإسرائيلي ومشتقات طاقة تأتي من دولة لا تزال هي العدو الأكبر بالنسبة لشريحة كبيرة من المصريين؟
أم أن دوائر صناع القرار في القاهرة لا تزال ترى أن مشروع تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة يبدأ من حقول ليفياثان وتمار وكاريش وغيرها من الحقول الإسرائيلية الواقعة شرق البحر المتوسط، وبالتالي فإنّ صفقة شراء الغاز الأميركي ما هي إلّا ورقة ضغط على حكومة نتنياهو لتمرير صفقة الغاز التي جرى الاتفاق عليها مع تل أبيب في أغسطس الماضي؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





