سامح راشد
أفريقيا برس – مصر. في مفاجأة غير مسبوقة، كشفت نتائج كليات الطب في عدّة جامعات مصرية عن رسوب نسبة كبيرة من طلاب الفرقة الأولى، أي الحاصلين على شهادة الثانوية العامة العام الماضي. ولأن نسب الرسوب كانت عالية وغير مسبوقة، وتتركّز في كليات الطب في بعض محافظات الصعيد في جنوب مصر، وهي كلية طب “جنوب الوادي” بنسبة رسوب 70% و”أسيوط” 60% و”قنا” 72%، اضطرّ المسؤولون عن تلك الكليات إلى الكشف عن كواليس المفاجأة. وأهم ما فيها، أن أغلب أولئك الراسبين ينتمون إلى مناطق جغرافية معينة ومن مدارس بعينها، بل إن 95% منهم من هذه المدارس. وهي ذاتها المدارس والمناطق التي أثيرت بشأنها ضجّة واسعة في امتحانات الثانوية العامة العام الماضي. بسبب اختيار تلك المدارس تحديداً مقارّ لامتحان طلبة أبناء عائلات كبيرة ذات نفوذ، وتواتر أنباء عن حالات غشّ جماعي منظّمة جرت في تلك اللجان. ومن مدرسة ثانوية واحدة، التحق 80 طالباً بكلية الطب، رسب منهم 79 طالباً في عامهم الأول بكلية الطب. وفي كلية طب الأسنان في جامعة جنوب الوادي، وصلت نسبة الرسوب إلى 80% من طلاب الفرقة الأولى. بينما المعتاد أن تكون نسبة نجاح الطلاب أعلى من 90%.
قبل 20 عاماً تقريباً، انكشفت فضيحة فساد إداري ومالي في وزارة التعليم بمصر، حيث أُوقِف أشخاص متورّطون في عصابة منظّمة لتزوير نتائج تصحيح امتحانات الثانوية العامة. وأقرّ أفراد العصابة، وقتئذٍ، بأنهم غيّروا نتائج أعداد من الطلاب ليصبحوا من المتفوّقين. وبالفعل، التحق عدد كبير منهم بكليات القمّة، خصوصاً الطب والهندسة. وتوصلت التحقيقات إلى استمرار تلك الجرائم لما يزيد على عشر سنوات متتالية، ما يعني أن مئات وربما آلافاً من الأطباء والمهندسين الموجودين بمصر حالياً هم الذين نجحوا وتفوّقوا في الثانوية العامة بالتزوير والغش.
المعنى الواضح في ما جرى، أن الفساد الذي نخر في جسد وزارة التعليم المصرية منذ سنوات طويلة، لا يزال مُستشرياً، وإن لم يكن شاملاً كل المحليات، غير أن استحواذ جنوب مصر على معظم حالات الغشّ التي أكدتها أعداد الراسبين في كليات القمّة، يعني استمرار سيطرة العصبيات الجهوية وسطوة العائلات وأصحاب النفوذ مالياً أو سياسياً على مجريات الأمور داخل تلك النطاقات المحلية.
أما وإن رائحة فضيحة امتحانات الثانوية العامة العام الماضي قد فاحت في وقتها حتى زكمت الأنوف، ففي ذلك دلالة أخرى على ما وصلت إليه الأوضاع من تردٍّ في مصر. إذ لم يتحرّك أحد في مواجهة ما حدث، لا في الحكومة المصرية، وتحديداً وزارة التعليم، ولا في السلطات الرقابية المناط بها تتبع تلك الحالات من الفساد وإحالتها على القضاء، ولا حتى من الإعلام الذي لا يكفّ عن التطبيل لتفاهاتٍ يعتبرها إنجازات، ويصم آذانه وأعينه عن تلك الفضائح، وغيرها من وقائع تدهور عام في منظومة إدارة الدولة.
سبّبت جرائم تزوير النتائج قبل عقدين مقتل مواطنين مصريين على أيدي أطباء ومهندسين وغيرهم ممن تخرّجوا على أيدي تلك العصابة التعليمية. وتشهد على ذلك حالات وفاة غير مفهومة لمرضى، كان من بينهم وزير سابق للصحة. وكذلك توالي سقوط عقارات وتهدّم منازل فوق رؤوس أصحابها.
على المنوال نفسه، لن تقف تبعات الكارثة الجديدة عند رسوب طلبة في عامهم الجامعي الأول بكليات الطب، فعاجلاً أو آجلاً سيتخرّجون ويصبحون أطباء ويُقتل على أيديهم مرضى جُدد. والأسوأ أن عدم اتخاذ أي إجراءٍ تجاهها العام الماضي، ثم هذا العام، يعني، بالضرورة، تشجيعاً على تكرارها وإقراراً ضمنياً بسيادة مبدأ “من أمن العقاب أساء التصرّف”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس