منذ نحو 10 سنوات أطلقت قناة منوعات مصرية حملة دعاية كبيرة أثارت ضجة وقتها تحت عنوان “ميلودي تتحدى الملل”، حيث استهدفت الحملة الترويج للقناة بوصفها القناة الوحيدة التي تكسر ملل الفضائيات المصرية.
الحملة تضمنت العديد من المشاهد التمثيلية لكل ما يثير ملل المصريين وضجرهم، وأصبح مصطلح “يتحدى الملل” أقرب للمثل الشعبي يستخدمه المصريون للسخرية من المواقف السخيفة والمملة، والأشخاص الذين ليس لديهم جديد.
ربما يكون هذا المثل هو الأقرب في وصف التصريحات المكررة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال السنوات الست الماضية، والتي تراوح مكانها بين التذكير بـ”الانقلاب العسكري”، ومغازلة المرأة المصرية، والإشادة بصبر المصريين، فضلا عن تحذير الغرب من الإرهاب ومخاطر الهجرة غير الشرعية.
كان آخر تلك التصريحات المتكررة اليوم الخميس في مؤتمر أسوان للسلام والتنمية، المنعقد أقصى جنوبي مصر، والذي يشارك فيه 5 زعماء أفارقة، هم رؤساء نيجيريا وتشاد والسنغال ومالي والنيجر، بجانب عدد كبير من الوزراء والدبلوماسيين الأفارقة والمتخصصين في الشؤون الأفريقية.
أسير للانقلاب
رغم مرور أكثر من 6 سنوات على الانقلاب العسكري في صيف يوليو/تموز 2013، فإن الرئيس المصري يبدو أنه لا يزال أسيرا لتلك اللحظة، حيث لا يترك مناسبة إلا ويذكر المصريين بدوره في عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، وخروج الملايين في الشوارع مطالبة بالتغيير، على حد وصفه.
وأكد السيسي أن نظام الحكم السابق كان نظاما شرعيا لأنه جاء عبر الانتخابات لكنه حاول تغيير هوية المصرية، وهو ما استدعى خروج المصريين، وأن الجيش وجد في 30 يونيو/حزيران 2013 إرادة مصرية في التغيير، بحسب تعبيره الذي ما انفك يكرره في أغلب المناسبات العامة.
كما كرر السيسي التذكير بخروج المصريين فيما عٌرفت بجمعة التفويض يوم 24 يوليو/تموز 2013، حين طلب السيسي وهو وقتها وزير للدفاع “تفويضا لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل”، مؤكدا أن “35 مليون مصري” -دون مبالغة- خرجوا لدعمه.
مغازلة المرأة
خلال الجلسة نفسها أعاد السيسي ما اعتاد عليه في السنوات السابقة من مغازلة للمرأة المصرية ودورها في دعمه، وتأييد قراراته السياسية والاقتصادية.
وقال السيسي خلال جلسة تعزيز دور المرأة الأفريقية لتحقيق السلام والأمن والتنمية إن “المرأة المصرية تصدت بقوة في 2013 من أجل الحفاظ على الهوية المصرية دون استدعاء من أحد”.
وأشاد بدور المرأة في حكومته، وكرر ابتسامته مخاطبا رئيس الوزراء مصطفى مدبولي “لا أريد أن يغضب الوزراء الرجال ورئيس الحكومة، لكن المرأة كانت هي الأكثر كفاءة وتحملا للمسؤولية والأقل فسادا”، وهي التصريحات نفسها التي كررها في مناسبات عدة بطريقة الخطاب ذاتها.
وأكد أنه يدعم حقوق المرأة، خاصة فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية الذي يناقشه البرلمان حاليا، مضيفا “لن أوقع على قانون أحوال شخصية لا ينصف المرأة”.
وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، أصدرت أربع منظمات حقوقية (عدالة، والسلام الدولية، والشهاب، وهيومن رايتس مونيتور) تقريرا مشتركا يرصد حالات انتهاكات المرأة في مصر، ويُسلط الضوء على معاناتها.
وأوضح التقرير أن من صور العنف السياسي ضد المرأة في مصر: تعرضهن للاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتحقيق معهن تحت الترهيب النفسي، وأحيانا تحت التعذيب، سواء بشكل مباشر أو بالإهمال الطبي المتعمد.
صبر المصريين
وكالعادة استغل السيسي الحديث عن المرأة لتكرار إشادته بما وصفه بصبر المصريين على الإجراءات الاقتصادية القاسية التي نفذتها حكومته خلال السنوات السابقة من تحرير لسعر الصرف، ورفع الدعم عن السلع والخدمات الرئيسية، وهو ما تسبب في موجة غلاء، لكن السيسي أكد أنها الدواء المر في سبيل الإصلاح الاقتصادي.
وأوضح الرئيس المصري أنه فهم رسالة الدعم التي حصل عليها من المرأة المصرية، لذلك قرر المضي قٌدما في الإجراءات الاقتصادية، حيث مثلت المرأة حاجزا أمام خروج الزوج أو الابن في احتجاجات على تلك القرارات.
وأضاف السيسي “لم يخرج مواطن واحد ليقول لي خفف علينا قسوة ما نحن فيه، لأن المرأة كانت حاجزا أمام ذلك، المرأة المصرية أسكتت أبناءها وزوجها عن التعبير عن الألم والاستياء والرفض”.
وتنتقد منظمات حقوقية محلية ودولية توسّع الأجهزة الأمنية المصرية في قمع المظاهرات وإسكات الأصوات المعارضة، كما يحذر العديد من السياسيين والإعلاميين من خطورة كبت الاحتجاجات الشعبية، لأنها يمكن أن تؤدي إلى الانفجار على غرار مظاهرات 20 سبتمبر/أيلول الماضي، والتي دعا إليها المقاول والممثل محمد علي، وتسببت في ارتباك النظام.
وطالب السيسي من المصريين مرات عدة الصبر على الإجراءات الاقتصادية، وهي المطالب التي أثارت السخرية، بسبب تجديد السيسي مهلة الصبر كلما نفدت المهلة السابقة، وذلك بالتوازي مع تشديد القبضة الأمنية لمنع المظاهرات، ليخرج الرئيس المصري في كل مرة مشيدا بـ”صبر المصريين”.
فزاعة الإرهاب
الورقة الأخيرة في جعبة الرئيس المصري كانت مواصلة التحذير من الإرهاب بوصفه مهددا للعالم، حيث تحدث خلال المؤتمر عن مصر كنموذج ناجح في القارة السمراء لمكافحة الإرهاب، وأنها على استعداد لتقديم خبرتها ومساعدتها للدول الأفريقية لمواجهة تحدي الإرهاب عبر التدريب وتقديم السلاح.
وأشار السيسي إلى أن مصر لا تحارب الإرهاب في سيناء فقط، ولكن عبر حدودها الغربية بعد تفاقم الأزمة الليبية، ووعد بتقديم رؤية سياسية شاملة وحل جذري للأزمة الليبية خلال أشهر قليلة.
وعلى خلفية تصاعد التوتر مع تركيا بعد توقيع أنقرة اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع حكومة الوفاق الليبية، كرر السيسي ضرورة وجود رد جماعي حاسم على “الدول الداعمة للإرهاب” على حد وصفه.
حديث السيسي عن الإرهاب جاء استنساخا لحديثه المكرر خلال لقاءاته بقادة الدول الأوروبية، التي يرى معارضون أن الرئيس المصري يبتزها بورقة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، في مقابل الصمت الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان، فضلا عن دعم شرعيته.
نجاح السيسي في إسكات الدول الغربية دفعه لمهاجمة تلك الدول بتكرار الحديث عما يصفه باختلاف أولويات حقوق الإنسان بين مصر والدول الغربية، حيث يكرر دائما أن الأمن والاقتصاد هما الأولى للمواطن المصري من حرية الرأي والتعبير، وأن على أوروبا ألا تنظر للمصريين بعيون غربية فقط، وهو الحديث الذي أصبح سائدا في الإعلام المصري التابع للنظام.