أفريقيا برس – مصر. قلق كبير يعيشه العالم إزاء تصاعد الأزمة الأوكرانية وبدء روسيا عملية عسكرية هناك وسط حالة من التجييش المتصاعد بين الشرق والغرب تنذر بحرب عالمية ثالثة أو بإشعال الحرب الباردة من جديد، التي لن تقتصر تداعياتها على لاعبيها الأساسيين فحسب بل ستشمل آخرين، فماذا يعني ذلك بالنسبة لمصر وهل هي بصدد اختبار صعب قد يدفعها إلى إعادة رسم خارطة تحالفاتها؟
رغم البعد الجغرافي للأزمة الروسية الأوكرانية، فثمة مصالح عديدة وإستراتيجية تربط القاهرة بأطرافها، فمن ناحية توصف العلاقات المصرية الأميركية بالإستراتيجية خاصة على المستوى العسكري، ومن ناحية أخرى شهدت العلاقات المصرية الروسية في السنوات الأخيرة تطورات غير مسبوقة عسكرية وأمنية واقتصادية فضلا عن التقارب في ملفات إقليمية متأزمة.
وفي قراءة مستقبلية للأزمة الأوكرانية، والتي كان واضحا من أيام أنها باتت على شفير العمل العسكري، يرى مراقبون أن الأمر سيتطلب من غالبية دول العالم، بما فيها مصر، أن تحدد موقفها، وبالتالي فإن العالم سيكون على موعد مع تحولات إستراتيجية كبرى في العلاقات الدولية.
يعزز ذلك، ما ذكرته مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية، في تقرير قبل أيام حول التغييرات الدولية إذا ما خضعت أوكرانيا لروسيا، أن النتيجة المريرة لحرب أوسع في أوكرانيا هي أن روسيا والولايات المتحدة سيواجهان بعضهما كأعداء لا يستطيعان تحمل الأعمال العدائية عند عتبة معينة.
لذلك، يمكن أن تمتد المواجهة الأميركية الروسية -بحسب المجلة- في أسوأ الأحوال لتشمل الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط أو أفريقيا إذا قررت واشنطن إعادة تأسيس وجودها بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان.
حليفان وأدوار متبادلة
تشير صفحات التاريخ الحديث إلى أن مصر سبق أن تورطت في معارك وحروب مباشرة كانت موسكو أحد أطرافها، خلافًا لكونها مسرحًا من مسارح الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في النصف الثاني من القرن الـ20.
ففي عام 1853 شاركت مصر إلى جانب الدولة العثمانية في حرب القرم، بهدف تحجيم النفوذ والمساعي الروسية للسيطرة آنذاك على شبه جزيرة القرم، وحققت القوى الدولية من وراء هذه الحرب مكاسب وزعت بين 3 قارات، كانت مصر فيها أحد أوراقها.
وفي منتصف خمسينيات القرن الـ20 لجأت مصر إلى الاتحاد السوفياتي، الذي دعمها دبلوماسيا وعسكريا في حروبها ضد “إسرائيل” المدعومة أميركيا، قبل أن تشهد قضيتا الحرب والسلام في سبعينيات القرن تغيرات وتحولات مصرية إستراتيجية نحو الولايات المتحدة.
وفي العقود التالية، انقطعت العلاقات بين القاهرة وموسكو، وإن كانت قد اتصلت على استحياء مع انتهاء الحرب الباردة (أواخر الثمانينيات) وخلال حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981- 2011)، قبل أن تعود بقوة مع صعود الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي لسدة الحكم صيف 2014.
وأوائل العام الماضي عاشت القاهرة حالة من الارتباك حيال علاقتها المستقبلية مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أكمل عامه الأول في البيت الأبيض الشهر الماضي، ما دفعها إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين لمجابهة الفتور الأميركي المحتمل.
وفيما يخص الملفات الإقليمية، تبدو القاهرة أكثر تقاربًا مع موسكو من واشنطن في ملفي ليبيا وسوريا تحديدًا، وعزز ذلك الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من قضايا ونزاعات الشرق الأوسط.
سياسة التنويع
ردا على سؤال حول تداعيات الأزمة الأوكرانية على مصر وهل تجبر القاهرة على إعادة رسم خارطة تحالفاتها، أوضح الأكاديمي والمحلل السياسي المصري محمد الزواوي، أن مخرجات الصراع الحالي هي التي ستحدد مدى تأثر مصر وموقفها من واشنطن وموسكو.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال الزواوي إن مصر تبنت منذ عقود سياسة تنويع تحالفاتها الإقليمية والدولية، وتنويع مصادر السلاح كركن من أركان إستراتيجية أمنها القومي، ومن غير المتوقع أن تؤثر الأزمة الأوكرانية على هذه الرؤية.
وأضاف أن بلاده تبنت الرؤية الغربية في السياسات الإقليمية مع إبقاء الباب مفتوحا مع روسيا فيما يتعلق بسياسات التسليح، فمصر فعليا تنتمي إلى المعسكر الغربي منذ معاهدة السلام 1979، إلا أن رؤيتها فيما يتعلق بسياسات الحكم والسلطة تميل إلى الرؤية الروسية بوجود رجل من المؤسسة العسكرية في سدة الحكم وعدم اتباع الديمقراطية الليبرالية الغربية.
وفي ضوء مخرجات الصراع الحالي، أشار الزواوي إلى أن التعاون المصري الروسي عسكريا سيتحدد بناء على اختلاف وتيرة الصراع ومدى تأثر روسيا اقتصاديا في أعقابه، حال فرض الغرب عقوبات قاسية على موسكو قد تؤدي إلى إضعاف الاقتصاد وقدرته على الاستمرار في إنتاج سلاح يكافئ السلاح الغربي على المدى البعيد.
لكن على المدى القصير، بحسب الزواوي، فإن رفض الولايات المتحدة إعطاء مصر مقاتلات “إف 35” (F-35) يجعلها تتعاقد مع نظيراتها الروسية من مقاتلات الجيل الخامس مثل السوخوي والميغ، لضمان أمنها القومي وتحقيق التوازن العسكري الإقليمي أمام كل من “إسرائيل” وتركيا في شرق المتوسط.
وحول تداعيات فرض عقوبات غربية على المتعاونين مع روسيا، أوضح الزواوي أنه رغم التهديدات الأميركية باستخدام قانون “كاتسا” (CAATSA)، فإن القانون لن يمنع مصر أو غيرها مثل تركيا والسعودية من تحقيق أمنها القومي باللجوء إلى أطراف أخرى لشراء السلاح.
وأضاف أن تلك الدول تذهب أولاً إلى الولايات المتحدة لطلب السلاح المتقدم وعندما ترفض واشنطن تتحول حينئذ إلى الأسواق الأخرى، وكان هذا هو الرد الذي أبلغته تركيا لواشنطن في حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب عندما تعاقدت على شراء أنظمة الدفاع الروسية “إس 400” (S-400).
أما ما يتعلق بمصير التعاقدات الاقتصادية المصرية الروسية، فتوقع الزواوي استمرار التعاون بين القاهرة وموسكو في مجال التقنية النووية مثل مفاعل الضبعة وغيره من أجل تنويع مصادر الطاقة المصرية، طالما بقيت موسكو قادرة على توفير تلك التقنية على المدى البعيد.
تحول إستراتيجي
وفي تصريحات متلفزة قبل أيام، حذَّر أستاذ العلوم السياسية المصري محمد كمال، من تداعيات أي تصعيد للأزمة على مصر والإقليم والعالم، مشيرًا إلى أن وصولها إلى حافة العمل العسكري ومناقشتها في المحافل الدولية على غرار الأمم المتحدة، سيجبر مصر على أن تتخذ موقفًا وتحدد مع من تقف روسيا أم الولايات المتحدة.
وشدد كمال على أن الوضع سيكون صعبًا على مصر خاصة وأن علاقتها طيبة مع الطرفين، متوقعًا -حال انتهى المشهد بارتفاع مكانة روسيا في المسرح الدولي- حدوث تحولات إستراتيجية كبرى في الشرق الأوسط، ومراجعة كل الدول التي لا تزال تعتبر واشنطن حليفا إستراتيجيا موقفها، والعكس صحيح لو انتصرت الولايات المتحدة، وفق قوله.
سيناريو مستبعد
وخلافًا للطرح السابق، استبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، نشوب نزاع مسلح بين روسيا والولايات المتحدة، لكنه أشار إلى إمكانية اندلاع نزاع مسلح بين روسيا وأوكرانيا مثلما حدث من قبل أكثر من مرة، وعاد للحدوث في الساعات الماضية بعدما أعلنت روسيا بدء عملية عسكرية في أوكرانيا.
وفي تصريحات للجزيرة نت، شدد نافعة على أنه لن يحدث غزو روسي شامل لأوكرانيا إلا في حالة واحدة وهي تشجيع الغرب كييف على محاولة استعادة القرم أو المناطق التي تقطنها أغلبية روسية بالقوة المسلحة.
واعتبر نافعة ما يثار عن تهديدات بفرض عقوبات أميركية محتملة على موسكو أو المتعاونين معها في خضم الأزمة الأوكرانية “دعاية غربية”، مضيفًا أنه حتى لو فرضت عقوبات ستصمد روسيا التي لن تقبل دخول أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي الناتو (NATO) مهما كان الثمن.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس