حروب مصر وإسرائيل في مرآة السينما.. بطولة هنا وصدمة هناك

5
حروب مصر وإسرائيل في مرآة السينما.. بطولة هنا وصدمة هناك
حروب مصر وإسرائيل في مرآة السينما.. بطولة هنا وصدمة هناك

أفريقيا برس – مصر. انعكست الحرب بين مصر وإسرائيل على شاشة السينما منذ نشبت أول مواجهة عسكرية في عام 1948، وظلت حاضرة ومواكبة للحروب التالية حتى حرب 1973، وكانت في الجانبين مادة ثرية سواء في الإنتاج السينمائي المصري أو الإسرائيلي. ولأن الفيلم ليس مجرد إعادة تمثيل للواقع، وإنما رؤية وتصور، فإن تلك الأعمال عكست ذهنية صناعها، وأعادت صياغة ذلك الواقع في قوالب فنية تخدم السردية الرسمية والهوية الوطنية.

وخرجت إلى النور أفلام تجسد بطولة المقاتل المصري، وقدرته على حماية الأرض والكرامة، في مقابل أعمال إسرائيلية ترصد وتوثق الصدمة التي سببتها الحروب المتوالية في المجتمع، وتحاول تفسير هزائمه.

لعبت السينما دورها كساحة موازية للحرب على الشاشة، تقدم الانتصارات والهزائم عبر الصورة والموسيقى والحوار، لكن الهدف في حروب “الشاشة الكبيرة” لم يكن الأرض أو جسد المقاتل المعادي، وإنما الوعي الجمعي نفسه.

وبين الرؤية السينمائية المصرية التي تبنت البطولة والصمود، في مقابل الرؤية المعادية التي تبنت الصدمة والارتباك وإعادة التأويل، نقترب من الأعمال التي تناولت هذه الحروب من الجانبين، لنرصد السرديات الفنية، واللغة البصرية لكل طرف، والتباين في اختيار الشخصيات والأحداث والنهايات في محاولة لكشف الأسلوب الذي بنيت به ذاكرة الحرب على الشاشة.

4 حروب.. وسرديتان

مثلت الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل محطات ثقافية هامة، إذ وُلدت بالتوازي معها موجة من السينما الوطنية والسياسية والأغاني الشعبية والروايات التي احتفَت بالتضحية والصمود عبر 4 حروب في أعوام 1948، و1956، و1967، و1973.

وكما أعادت تلك الحروب رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط، فإنها أعادت رسم الخريطة الثقافية في مصر، خاصة أنها شهدت تحولات عميقة بين انتصار شبه محسوم في 1948، ثم هدنة غيرت توازنات القوى، ليتحول النصر إلى هزيمة، ثم محاولة لاحتلال سيناء من قبل إسرائيل ومعها فرنسا وإنجلترا في عام 1956، وانسحابهم إثر تهديد الولايات المتحدة بالتدخل، ثم نكسة 1967، وأخيرا حرب استرداد الكرامة في 1973.

وقد انعكست الصدمة في الداخل الإسرائيلي على الإنتاج السينمائي بشكل خاص بعد حرب 1973، إذ ألهمت السينمائيين بأفلام روائية ووثائقية عن إخفاقات عسكرية وفشل استخباراتي، ليتحول الإنتاج السينمائي لكل طرف إلى مرآة لتصورات اللحظة، وتشكيل للوحة التي ينبغي أن تراها الأجيال التالية.

ويعد فيلم “أبناء الصمت” 1974، للمخرج الراحل محمد راضي، واحدا من أشهر الأفلام التي قدمت عن أجواء حرب 1973، ويقدم صورة إنسانية لحياة الجنود المصريين في الخطوط الأمامية خلال حرب الاستنزاف وأكتوبر/تشرين الأول، ويبرز الصمود والأمل والشجاعة بعيدا عن الخطاب الدعائي المباشر.

أما فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي” 1974، للمخرج حسام الدين مصطفى، فيربط بين مرارة هزيمة 1967 وحلم استعادة الكرامة في 1973، عبر قصة جندي عائد من الأسر يواجه خيانة عاطفية ويستعيد قوته في معركة العبور.

في “الطريق إلى إيلات” 1993، للمخرجة إنعام محمد علي، نشاهد توثيقا لعملية بحرية جريئة نفذتها القوات الخاصة المصرية عام 1969 ضد أهداف إسرائيلية في ميناء إيلات، تتجلى فيها البطولة الجماعية المشحونة بالتخطيط والإقدام والتضحية.

وفي المقابل، يأتي الفيلم الإسرائيلي “يوم كيبور”، ليلقي نظرة وثائقية، على حرب 1973 من منظور فرق الإنقاذ والفرق الطبية الإسرائيلية. باستخدام التصوير اليدوي والمقاطع الصوتية المتقطعة، يُركز على الارتباك والإرهاق والتكلفة الشخصية للحرب بدلا من التركيز على البطولات أو الانتصار.

وفي فيلم “معركة سيناء” 1968، نجد الميل نفسه نحو التوثيق، ولكن لحرب يونيو/حزيران 1967. ويمزج العمل بين لقطات من ساحة المعركة والتعليق لإبراز الإستراتيجية والسرعة والتفوق التكنولوجي. ويمنح سرديته مذاقا سياسيا حين يُصوّر الصراع على أنه انتصار دفاعي تم من خلال الصمود والبراعة العسكرية.

صورتان لكل حرب

لم يتعامل صناع السينما المصريون مع الحرب باعتبارها خلفية درامية للأحداث، وإنما باعتبارها مساحة معرفية لمعنى الوطن، ولعل المثال الأكثر وضوحا على ذلك هو فيلم “بورسعيد” 1957، الذي جسد مقاومة المدينة للغزو الأنجلو فرنسي الإسرائيلي. ويمزج الفيلم بين المقاومين على الأرض والخطابات الوطنية، وصور عمال الموانئ والجنود العاديين في بطولة جماعية، استجابة لدعوة الرئيس جمال عبد الناصر للصمود.

واستمرت هذه الرؤية خلال حرب الاستنزاف (1968-1970) وحرب أكتوبر عام 1973. احتفت أفلام مثل “الوفاء العظيم” 1974 و”الطريق إلى إيلات” 1993 بعمليات ناجحة للقوات المسلحة والبحرية المصرية، والانقلابات الاستخباراتية، والتضحية بالنفس. وألقت الضوء على العمل الجماعي بدلا من المجد الفردي، واستخدمت موسيقى تصويرية حماسية وقيما أخلاقية واضحة لتعزيز انتماء الجمهور للقضية.

ويمكن رصد السمات المشتركة لهذه الأعمال، التي نقلت البطولة إلى الناس العاديين بدلا من المنقذين المنفردين وتقدير التضحية باعتبارها سبيلا للكرامة الوطنية، والاستعداد الدائم لمواجهة العدو. استخدم صناع هذه الأعمال اللقطات المقربة لوجوه الجنود، ولقطات بانورامية للقناة أو سيناء، وأغاني عسكرية بهدف التعبئة الجماهيرية، مما شكّل ذاكرة ملايين المصريين لهذه الحروب.

على عكس الحالة الاحتفالية المصرية، تناول المخرجون الإسرائيليون والغربيون الحروب العربية الإسرائيلية على أنها لحظات صدمة ومفاجأة ومراجعة للذات الوطنية. وبدلا من أن تكون ملاحم نصر، فإن العديد من هذه الأفلام والوثائقيات أشبه باعترافات، تصارع إخفاقات الحرب أو تبعاتها.

تستكشف أفلام وثائقية، مثل “الصراع حول الحرب” (The Battle over War) الصادر سنة 2013، الروايات الرسمية لحرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، مستنكرة عدم قدرة أجهزة الاستخبارات والقيادة على فهم نيات مصر، وعدم الاستعداد للحرب. أما فيلم “فوق وما بعد” (Above and Beyond) الصادر في 2014، فرغم تناوله حرب 1948، إلا أنه يُظهر مرحلة مبكرة من هذه الأسطورة متطوعين وطيارين أجانب يحشدون أنفسهم للدفاع عن الدولة الناشئة في مواجهة تحديات الجوار.

وتتبنى العديد من الأعمال الدرامية التي تناولت حرب 1973، بما في ذلك فيلم “يوم كيبور” (Yom Kippur) سنة 2000 للمخرج عاموس جيتاي، منظورا نقديا، إذ تُظهر الفوضى والارتباك والإرهاق المعنوي بدلا من مجد ساحة المعركة.

وتجمع الأعمال الإسرائيلية سمات مشتركة، بينها عنصر المفاجأة كمحفز للسرد، والتشتت والانهيار داخل الجيش الإسرائيلي، وجهود إعادة بناء صورته من خلال تفسيرات بأثر رجعي أو تبريرات سياسية، ونبرة صمود كئيبة بدلا من نصر ساحق. لتحول الرؤية السينمائية الحروب إلى حكايات تحذيرية ونقد ذاتي، ويشكل فهم الجمهور الإسرائيلي والدولي للأداء العسكري المصري ونقاط ضعف دولتهم.

مرآة مزدوجة

تظهر مشاهدة الأفلام المصرية والإسرائيلية/الغربية قصتين مختلفتين، ولغتين سينمائيتين مختلفتين. والمثال الكاشف هنا يأتي من خلال تصوير عبور قناة السويس عام 1973، حيث تُصوّر الأعمال المصرية، مثل “الطريق إلى إيلات”، الحدث كعمل تم التخطيط له بدقة، وإبداع، وتؤكد على العمل الجماعي للقوات البحرية واستعادة الكرامة الوطنية. بينما تُظهر الأفلام الإسرائيلية في فيلم مثل “يوم كيبور” للمخرج عاموس جيتاي، الحرب نفسها كما لو كانت عملا عشوائيا أدى إلى فوضى، ومن ثم يلقي الضوء على المسعفين الميدانيين، وسوء التواصل، والتكلفة الشخصية للحرب المفاجئة.

ونظرا لاختلاف السردية، تختلف أدوات السرد والرموز المستخدمة فيه، فثمة صور بانورامية شاملة لقناة السويس في ضوء النهار الساطع الذي تصاحبه الموسيقى العسكرية للتعبير عن قوة الجماعة وضرورة النصر والتحرير، وفي المقابل تستخدم الرواية الإسرائيلية والغربية الكاميرا المحمولة، والألوان الداكنة، والثرثرة اللاسلكية، لتعكس حالة الارتباك.

وبينما يعبر أداء الأبطال المصريين عن وحدة وعزيمة حديدية، فإن أبطال الأفلام الإسرائيلية يتراوحون بين الشك والجرح والتنازلات الأخلاقية. وتعكس النهايات هذا الانقسام، فالسرديات المصرية تنتهي بالنصر أو إتمام المهمة بنجاح، بينما تترك الأفلام الإسرائيلية والغربية الجمهور أمام أسئلة مفتوحة، ونتائج غامضة، أو شعور مستمر بالخسارة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here