أفريقيا برس – مصر. تسبب تراجع تدفق الغاز إلى مصانع الأسمدة المصرية بنسبة 50% خلال اليومَين الماضيَين في صعود أسعار الأسمدة الأزوتية والفوسفاتية في الأسواق بنسبة 15%، مع توقعات بمزيد من الارتفاعات، الفترة المقبلة، إثر تباطؤ عمليات التوريد من المصانع إلى كبار الموزعين بالقطاع الخاص، وشحّ بالمخصصات الموجهة لصالح الجمعيات الزراعية.
وقال نقيب الفلاحين حسين أبو صدام إنّ لجوء شركات الأسمدة إلى خفض كميات الإنتاج بنسبة تصل إلى 30% مع انخفاض كميات الغاز الموجهة للصناعة، أدى إلى قلة المعروض من الأسمدة في الأسواق، خاصة المدعومة من الدولة، لصالح صغار المزارعين والأراضي التابعة للجمعيات الزراعية.
وأوضح أن الأزمة توقع المزارعين بين خيارين كلامها مر، إما أن يقلل من كميات الأسمدة التي تحتاجها الحاصلات الزراعية الصيفية، وعلى رأسها الأرز والذرة والخضروات الصيفية مقابل التضحية بكمية الإنتاج المتوقعة، أو يخاطر بشراء الأسمدة بسعرها المرتفع، بما يزيد تكلفة المحاصيل، وتحميل تلك الزيادة على المستهلكين، الذين يعانون من الغلاء الفاحش في تكاليف المعيشة.
وأوضح أبو صدام أن تلك المعادلة، تجعل المنتجات الزراعية المحلية مرتفعة بالنسبة للمستهلك وغير منافسة سعرياً في الأسواق الدولية، التي بدأت تفتح آفاقاً واسعة أمام الحاصلات الزراعية المصرية، خاصة من الدول العربية والاتحاد الأوروبي وتركيا.
وأشار نقيب الفلاحين إلى ارتفاع طن الأسمدة الأزوتية لدى الموزعين في السوق الحرة، إلى ما بين 20 و21 ألف جنيه (الدولار = نحو 49.8 جنيهاً)، والفوسفاتية من 19 ألفاً و500 جنيه إلى 20 ألفاً و500 جنيه، معرباً عن خشيته من أن يؤدي تزايد السعر للقطاع الخاص إلى خفض الكميات الموجهة لدعم المزارعين المقرّرة بسعر خمسة آلاف جنيه للطن بواقع ثلاث “عبوات” وزن 50 كيلو للفدان، وخلق سوق سوداء جديدة، نتيجة تراجع الإنتاج المخصّص للسوق المحلية، إذ تفضّل الشركات المنتجة تصدير الأسمدة بالدولار للخارج. وتضاعفت أسعار الأسمدة محلياً عامَي 2023 و2024، رغم تراجعها عالمياً.
من جهتها، طلبت شعبة الأسمدة في اتحاد الصناعة من الحكومة السماح للشركات المنتجة باستيراد الغاز من السوق الفورية، لمساعدتها على حل أزمة التوريد الحادة التي نتجت عن تراجع الواردات من الغاز الإسرائيلي بنسبة 60% منذ أسبوع، والمتوقع أن تستمر نحو أسبوعَين.
وتخشى الشركات نقص الامدادات لفترات زمنية أطول، أسوة بما حدث العام الماضي، حينما لجأت أكبر ثلاثة مصانع محلية إلى التوقف عن العمل تماماً، بسبب توقف الإمدادات من الغاز الطبيعي، الذي تأثر سلباً بالتراجع الكبير في انتاج آبار “ظهر” بالبحر المتوسط، مع زيادة استهلاك محطات التوليد للغاز المتوافر بالشبكة الموحدة، وندرة إمدادات الغاز من السوق الدولية في نفس الوقت.
وأوضح خبير اقتصاديات البترول محمد فؤاد أن عمليات استيراد كميات كبيرة من الغاز المُسال بديلاً للواردات الإسرائيلية وتراجع الإنتاج المحلي، يقابله صعوبات فنية في توفير سفن “التغويز” التي تتولى إحالة الغاز السائل إلى غاز طبيعي بالشبكة الوطنية للغاز، مشيراً إلى حاجة البلاد إلى نحو خمس سفن تغويز، بينما المتوافر حالياً ثلاث سفن فحسب، من بينهنّ سفينة تعمل من ميناء العقبة، على ضخ 50% من طاقتها لشبكة الغاز الأردنية والسورية.
وأشار مصدر مطلع في وزارة البترول إلى أن طلب شركات الأسمدة باستيراد الغاز عن طريقها من السوق الفورية، تواجه صعوبات في آليات دفع قيمة الغاز المستورد، إذ لم تحدّد الشركات سبل دفع الغاز للجهة الموردة، والضمانات اللازمة للدفع، كما أكد المصدر أن بعض الشركات أجرت مفاوضات مع الشركاء الأجانب في مشروعات إنتاج الغاز، لشراء حصص من الغاز المحلي من الشركاء الذين يشترطون منحهم فرصة تصدير الغاز للخارج للحصول على الدولار، بما يمكنهم من توفير السيولة المالية، لعمليات التطوير وتنمية الآبار المصرية، وتشغيل مصانع الأسمدة المحلية في نفس الوقت.
أوضح المصدر أن هذا الاتفاق ما زال تحت الدراسة، من وزارة البترول التي ستصبح الضامن لدى الشركاء لدفع قيمة الغاز من حصص الشركاء الأجانب، مقابل حصول الحكومة على ضمانات من المصانع بتوريد قيمة الغاز بالدولار من عوائد بيع الأسمدة في السوق الدولية بالدولار.
وفي السياق، ذكر المصدر أن هذه المفاوضات تحتاج إلى سرعة في الحسم والتفاوض، لتمكين شركات الأسمدة من تدبير احتياجاتها، خلال الأزمة الحالية، مشيراً إلى لجوء شركات الأسمدة التي تساهم فيها أطراف خليجية إلى تدبير احتياجاتها من الغاز من السوق الدولية مباشرة، مستغلة توافر الغاز الطبيعي عالمياً، عند حدود 12 دولاراً للمليون وحدة، والذي يباع للمصانع من الشبكة الوطنية للغاز للشركات الصناعية والبتروكيماويات، بما بين 6.5 إلى 7.2 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وتتكرّر أزمة الغاز في مصانع الأسمدة للعام الثالث على التوالي، إذ بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، مع تراجع كميات الإنتاج بحقل ظهر بنسبة 40%، وأدت إلى خفض الغاز الطبيعي المغذي لمصانع “كيما” بأسوان وأبو قير للأسمدة و”موبكو” و”الدلتا” بنسبة 11%. زادت حدة الأزمة خلال الفترة من إبريل/ نيسان إلى سبتمبر/ أيلول 2024، وأدت إلى توقف تام وجزئي لمصانع الأسمدة والبتروكيماويات لفترات زمنية طويلة متصلة ومتقطعة، وارتفاع سعر طن الأسمدة من مستوى سبعة آلاف جنيه إلى 12 ألف جنيه، لتزيد في الصيف الحالي إلى مستوى 21 ألف جنيه.
ولجأت وزارة لكهرباء إلى تخفيض استهلاك محطات الكهرباء من الغاز، الذي يمثل نحو 76% من إنتاج الكهرباء محلياً، بالعودة إلى إنتاج الطاقة من المازوت والسولار بالمحطات القديمة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس