أفريقيا برس – مصر. قال المحلل الجيوسياسي ماريو سافينا إن شركة الطاقة الإيطالية إيني تستهدف الاستمرار في لعب دور رئيسي في منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا الغنية بموارد الطاقة”. وأضاف سافيني الذي يعمل محللاً في مرصد البحر المتوسط بمعهد سان بيوس الخامس للدراسات السياسية بإيطاليا، أن “دولاً مثل ليبيا والجزائر ومصر تشكل، في هذا السياق، عناصر أساسية لمشاريع الشركة الإيطالية”.
وأشار سافينا، إلى أنه “علاوة على النفط والغاز، ومن منظور مستقبلي، تشتغل إيني أيضاً على الطاقة المتجددة: إذ يمكن لسوق شمال أفريقيا تحقيق نتائج ممتازة نظراً لما يحظى به من إمكانات قوية، خاصة في ما يتعلق بالطاقة الشمسية”، مشيراً إلى أن “الاستثمارات المعلن عنها مؤخراً تسير في هذا الاتجاه وتهدف أيضاً إلى تطوير البنى التحتية، وهي عملية ضرورية وحيوية لتعزيز القطاع.
وأعلن الرئيس التنفيذي لشركة “إيني” الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي في وقت سابق من الشهر الجاري، عن خطة طموحة لاستثمار نحو 24 مليار يورو في ثلاث دول بشمال أفريقيا، هي مصر وليبيا والجزائر، على مدى السنوات الأربع المقبلة، بواقع ثمانية مليارات يورو في كل دولة. وأكد سافينا أن “النتيجة بالنسبة لإيطاليا، هي تعزيز دورها لاعباً مرجعياً في المنطقة، وتعزيز ريادة إيني في البحر المتوسط وزيادة مرونة منظومة الطاقة الوطنية. كما أن الموقع الجغرافي لإيطاليا يضعها مركزاً طبيعياً لإعادة توزيع الغاز نحو شمال أوروبا، من خلال منظومة البنى التحتية الحالية والمشاريع الجديدة”.
وتابع أن “إيني تلعب، في الوقت ذاته، دائماً وأبداً دوراً سياسياً ودبلوماسياً، معززة النفوذ الإيطالي من خلال تحقيق نتائج على مستويات متعددة. وعلاوة على ذلك، فإن العلاقات الاقتصادية القوية مع دول شمال أفريقيا سوف تُترجَم إلى توطيد العلاقات السياسية”، مضيفاً أن “الجزائر وليبيا ومصر تمثل، في هذا الإطار، شريكاً أساسياً في منطقة البحر المتوسط في ملفات مختلفة: الطاقة والتجارة والهجرة والأمن. ويتجلى ذلك في رغبة إيطاليا مواصلة تعزيز الحوار معها على الرغم من بعض الوقائع، مثل قضيتي ريجيني وأسامة نجيم، واللتين أثارتا مشاكل على الجبهة الداخلية الإيطالية”.
ولفت إلى أنه “بالإضافة إلى ما سبق، لا تزال هناك بعض الأمور المجهولة على الجبهة الداخلية للدول المعنية: فمن ناحية، يمثل مناخ عدم الاستقرار في ليبيا مصدر قلق لأكثر من عشر سنوات كما يتضح من الإغلاق المتكرر لحقول النفط بسبب الاشتباكات بين مختلف الفصائل الليبية؛ ومن ناحية أخرى، فإن البنى السياسية الموجودة اليوم في مصر والجزائر، والتي تتمحور حول الأدوار القوية للرئيس والجيش، لا تتماشى مع المبادئ الديمقراطية الأوروبية”.
وختم المحلل الإيطالي بقوله إنه “كما يخبرنا الماضي القريب، لا يبدو أن هذا يمثل مشكلة عندما تكون حماية المصالح الوطنية على المحك”.
ووفق تقرير حديث لوكالة نوفا الإيطالية، فإن إيني تنشط في عدة مناطق امتياز بمصر، تشمل خليج السويس ودلتا النيل والصحراء الغربية، كما تُشغّل حقل “ظهر” العملاق للغاز الطبيعي. وتشارك كذلك في مشروعات “نورس” و”بلطيم” و”مليحة”، إضافة إلى تشغيلها محطة تسييل الغاز في دمياط. ويعد خط أنابيب “غرين ستريم” الرابط بين ليبيا وإيطاليا، والذي ينقل الغاز من حقلي “الوفاء” و”بحر السلام”، أحد أبرز مشروعات “إيني” هناك. وتخطط الشركة لإطلاق مشروع “الهياكل الاستراتيجية A&E” بحلول عام 2026، والذي سيُعزز إمدادات السوق المحلية ويُبقي على صادرات الغاز.
وفي الجزائر، تُركز الشركة على مشاريع تنقيب وإنتاج الهيدروكربونات في مناطق بئر الرباع، وحوض بركين، وامتيازات عين أميناس وعين صالح، بالإضافة إلى تطوير مبادرات كفاءة الطاقة وخفض انبعاثات الميثان من خلال اتفاقيات استراتيجية مع “سوناطراك”. كما تعمل على مشروع “ميدلينك” الطموح، وهو خط كهرباء عالي الجهد تحت سطح البحر بقدرة 2000 ميغاواط، يربط الجزائر بإيطاليا مباشرة بحسب الوكالة ذاتها.
إيني جزء من تحول استراتيجي في سياسة إيطاليا
في السياق، سلطت اللجنة البرلمانية لأمن الجمهورية الإيطالية (Copasir) في تقريرها لعام 2024، الضوء على التحول الاستراتيجي في سياسة إيطاليا تجاه القارة الأفريقية، إذ أصبحت أفريقيا محوراً رئيسياً لمصالح الطاقة والاقتصاد والأمن القومي. وتأتي “خطة ماتي” بوصفها أداة شاملة لتعزيز الحضور الإيطالي، بالتوازي مع مشاريع استراتيجية مثل ممر الطاقة الجنوبي والربط الكهربائي “إلماد”.
وفي ظل التنافس الدولي المتصاعد، تستهدف إيطاليا تأمين موارد الطاقة الحيوية وتعزيز استقلالها الاستراتيجي عبر شراكات طويلة الأمد مع الدول الأفريقية، وهو توجه مرشح للتصاعد خلال عام 2025 بدفع من التطورات التكنولوجية والتحولات. ويلفت التقرير المنشور الخميس الماضي، إلى أن سلامة الوصول إلى المواد الخام الاستراتيجية، وفي مقدمتها المعادن النادرة، باتت تشكل عنصراً حاسماً في حماية المصالح الوطنية.
ويتزامن ذلك مع تصاعد المنافسة الدولية، في ظل استراتيجيات تعتمدها قوى مثل روسيا والصين، تقوم على الاستثمار في البنية التحتية والسيطرة على الموارد الطبيعية واختراق الهياكل المؤسسية المحلية. وفي هذا السياق، تتبنى الحكومة الإيطالية مقاربة شاملة تجمع بين الأمن والدبلوماسية والتنمية الاقتصادية، تتجسد بوضوح في “خطة ماتي”، التي تمثل الإطار الاستراتيجي لتعزيز الحضور الإيطالي في القارة.
ولا تقتصر الخطة على دفع التعاون الاقتصادي، بل تُعد جزءاً لا يتجزأ من جهود تعزيز الأمن القومي، مع مشاركة فاعلة من أجهزة الاستخبارات في ملفات استراتيجية، مثل مشروع ممر الطاقة “SouthH2″، ومشروع الربط الكهربائي “إلماد” بين تونس وإيطاليا.
وبحسب تقرير كوباسير، لم تعد أفريقيا مجرد ملف هامشي في أجندة الأمن القومي الإيطالي، بل أضحت ساحة مركزية تتقاطع فيها قضايا مراقبة الحدود، وتنويع مصادر الطاقة، وتعزيز المرونة الجيوسياسية، لا سيما في ظل اشتداد التنافس الدولي. وتشير التقديرات الاستخبارية إلى أن هذا التوجه سيواصل التصاعد خلال عام 2025، مدفوعاً بالتطورات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي تعيد رسم ملامح مشهد التهديدات العالمية.
وتعزز الوقائع الميدانية هذه القراءة الاستراتيجية؛ إذ أعلنت شركة “إيني” الإيطالية، في تطور حديث، عن اكتشاف حقل نفطي بحري مهم قبالة سواحل ناميبيا، في تأكيد ملموس أن الوجود الإيطالي في القارة لم يعد محصوراً بالأبعاد الدبلوماسية والأمنية فقط، بل يمتد إلى ضمان استقلال الطاقة الوطني، بما يدعم طموحات روما في بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد مع الدول الأفريقية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس