تحديات الأزمة الاقتصادية في مصر وسيناريوهات المستقبل

5
تحديات الأزمة الاقتصادية في مصر وسيناريوهات المستقبل
تحديات الأزمة الاقتصادية في مصر وسيناريوهات المستقبل

إبراهيم عثمان

أفريقيا برس – مصر. تواجه مصر في الوقت الراهن تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة المستمرة من سنوات، والتي تتجلى في مجموعة من المؤشرات المقلقة، أبرزها الارتفاع الكبير في حجم الديون الخارجية والداخلية، وتزايد معدلات التضخم التي انعكست بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، في وقت تشهد فيه الأسواق المصرية قفزات غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات الأساسية، ما أضاف أعباء ثقيلة على كاهل الأسر، لا سيما الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

إلى جانب ذلك، تواصل معدلات البطالة ارتفاعها، ما يعمّق معاناة شريحة واسعة من الشبان الباحثين عن فرص عمل وسط تراجع الاستثمار الداخلي والخارجي، وتأثر القطاعات الإنتاجية والخدمية. وتعكس الأزمة الاقتصادية تداعيات تراكمية لسنوات من السياسات المالية والاقتصادية التي أدت إلى تضاؤل النمو الاقتصادي الحقيقي، وزيادة الاعتماد على القروض لسد عجز الموازنة، وتعويض تراجع العائدات من القطاعات الحيوية، مثل السياحة والصادرات.

وفي هذا السياق، ذكر الكاتب والباحث الإيطالي جوزيبي غاليانو، رئيس مركز كارلو دي كريستوفورس للدراسات الاستراتيجية، في تحليل نشره موقع “إنسايد أوفر” الإيطالي، الأسبوع الماضي، تحت عنوان “من القنبلة الديمغرافية إلى الأزمة الاقتصادية.. مصر تواجه مخاطر كبيرة”، أنّ مصر “بصدد لحظة حاسمة في تاريخها المعاصر، حيث تواجه أزمة اقتصادية خطيرة وضغوطاً ديمغرافية، وبانوراما إقليمية تكتنفها تطورات سريعة”.

وقال غاليانو إنّ “الاقتصاد المصري تعرّض لضربات مثلت مزيجاً من إدارة داخلية سيئة وصدمات خارجية، حيث كشفت أزمات مثل جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا وارتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم عن الهشاشة الهيكلية للمنظومة المالية المصرية وتسببت في تعميق الأزمة الاقتصادية المستمرة. ومع ارتفاع معدلات التضخم والدين العام الذي وصل إلى 95% من الناتج المحلي الإجمالي، أصبح الوضع مأساوياً بالنسبة لملايين المصريين”. وأضاف أنّ “المدخرات تبخرت وانهارت القوة الشرائية، وأصبح نقص السلع الأساسية مثل الأدوية واقعاً يومياً. وعلى الرغم من الدعم المالي من حكام الخليج والحلفاء الغربيين، بما في ذلك استثمارات من صناديق سيادية ومساعدات من الاتحاد الأوروبي، فإن التصدعات في النموذج الاقتصادي جلية”.

واستدرك بقوله إنه “على الرغم من أنّ عائدات السياحة وقناة السويس تخفف قليلاً من الضغوط، فإنها ليست كافية لتعويض العجز المتزايد. ومن ناحية أخرى، فقد أدى انخفاض قيمة الجنيه المصري، على الرغم من تشجيع تحويلات المهاجرين، إلى تفاقم السخط الاجتماعي”.

ولفت غاليانو إلى أنّ الرأي العام المصري، مدفوعاً من مخاوف تكرار أخطاء تاريخية، أيّد قرار الحكومة برفض إعادة توطين فلسطينيي غزة في سيناء. وعلى الرغم من شعبيتها المنخفضة، وفق التحليل، فإنّ قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي “ربحت تأييداً مؤقتاً غذته السردية التي تقول “القائد العسكري هو الأفضل جاهزية لمواجهة أوقات الفوضى”. ومع ذلك، فإن هذا التأييد قد يتلاشى مع تفاقم الأزمة الاقتصادية”.

وعرج الكاتب على الإحصائيات التي تفيد بأن عدد سكان مصر تجاوز 114 مليون نسمة، الأمر الذي يشكل ضغطاً هائلاً على موارد الدولة. وقال: “بينما تهدف مبادرات التخطيط العمراني، مثل بناء عاصمة إدارية جديدة، إلى تخفيف العبء عن القاهرة، فإنه غالباً ما يُنظر إلى هذه المشاريع على أنها أولويات خاطئة في بلد يرزح تحت الفقر والبطالة”، مشيراً إلى أنّ “الجهود المبذولة للحد من النمو السكاني باءت بالفشل تاريخياً، في ظل تجذر أعراف ثقافية ودينية بعمق في المجتمع المصري. ومع ذلك، بدأ التشاؤم الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة في إبطاء معدل النمو، ولو بشكل هامشي”.

وأوضح غاليانو أنّ “استراتيجية مصر الجيوسياسية تتشكل من خلال موقعها الفريد على مفترق الطرق بين أفريقيا والعالم العربي والبحر المتوسط. والحقيقة أن دبلوماسية القاهرة، من إدارة آثار الحرب في غزة إلى العلاقات المعقدة مع دول الخليج وإثيوبيا وتركيا، تتسم بالطموح وعدم الاستقرار”، مشيراً إلى أن “التحديات على الجبهة الداخلية لا تقل صعوبة. ومع اقتراب الاقتصاد من حافة الانهيار، والنمو السكاني السريع، والسخط الاجتماعي المتنامي، فإن مستقبل مصر سوف يعتمد على قدرتها على المواءمة مع هذه الضغوط المتقاربة”.

وخلص الباحث الإيطالي إلى أن “نظام السيسي ربما يكون قد تجاوز العواصف المباشرة، لكن التيارات الأعمق من خيبة الأمل والتعقيدات الجيوسياسية تتطلب كماً أكبر بكثير من الحلول على المدى القصير، إذ تقف مصر عند مفترق طرق: فخياراتها لن تشكل مسارها فحسب، وإنما ستؤثر أيضا على استقرار المنطقة بأسرها”.

وفي سياق متصل، ذكر الكاتب الصحافي الإيطالي جوفاني كابرارا، في تحليل نشره مركز “جيوبوليتيكا” الإيطالي للدراسات الجيوسياسية والعلاقات الدولية بتاريخ 7 يناير/ كانون الثاني الجاري، تحت عنوان “مصر بين أزمات مالية وثقل جيوسياسي”، أن ثمة سيناريوهين مفترضين في ما يتعلق بموقف مصر، على ضوء الأزمات الإقليمية والصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

ويتمثل السيناريو الأول، وفقاً لكابرارا، في انتهاج مصر مجدداً نظام ضرائب ثابتة، مع السماح للقوات المسلحة بالاحتفاظ بدورها في أهم الشركات المصرية. وفي هذا السياق، سوف تتواصل الأوضاع الحرجة الحالية للاقتصاد المصري. ورأى أن هذه السيناريو هو الأرجح، لأن منظومة السلطة (العسكريين والمسؤولين الحكوميين وجزء من القطاع الخاص) تعتزم الاحتفاظ بالوضع الراهن، على الأقل إلى أن تثبت استدامته.

أمّا السيناريو الثاني، فسوف تبادر الدولة فيه باتخاذ سلسلة من الإصلاحات الهيكلية، مثل تقليص دور القوات المسلحة في القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد، مع تشجيع مبادرات الاقتصاد الخاص. واستدرك الكاتب الإيطالي بأن العسكريين قد يقبلون بتلك الإصلاحات فقط في حالة التأكد من عدم استدامة المنظومة الاقتصادية الحالية.

من جهته، قال الباحث الإيطالي في معهد دراسات السياسة الدولية بميلانو ومعهد كلينجينديل المتخصص في الشؤون الدولية بهولندا، ماتيو كولومبو، إن “المساعدات المقدمة لمصر من قبل الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، علاوة على قروض صندوق النقد الدولي، تخفف من الضغوط على الاقتصاد المصري”. وأوضح أن “الفكرة هي أنه من غير المفهوم حتى الآن، إلى أي حد ترغب الحكومة المصرية في إصلاح نموذجها الاقتصادي، من خلال تعزيز القطاع الخاص الأقل تقدماً من المفترض، لذلك تسعى الدولة إلى الحصول على تمويل أجنبي لصالح المشاريع الاقتصادية المتعددة”.

ورأى أنه “من الصعب على الحكومة المصرية في الوقت الحالي اللجوء إلى الخصخصة التي من شأنها التأثير على مصالح أطياف النخبة المختلفة في البلاد، في وقت تحظى فيه هذه النخب بأهمية بالغة لنظام السيسي، في ما يتعلق بقدرته على الاحتفاظ بالسلطة”. وأضاف أن “الحكومة المصرية والرئيس المصري يقعان حالياً بين المطرقة والسندان: فمن ناحية ثمة ضرورة لإجراء إصلاحات على المنظومة الاقتصادية من أجل زيادة الإيرادات القادمة من القطاع الخاص، وحتى لا تعتمد الدولة كثيراً في المستقبل على الاستثمارات الأجنبية. ومن ناحية أخرى، هناك ضرورة لعدم إثارة استياء الأشخاص ذوي النفوذ الكبير، سواء من العسكريين أو كبار رجال الأعمال، بالنظر إلى أهميتهم البالغة في بقاء السيسي في السلطة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here