تحفظات مصرية تعرقل توطيد العلاقات مع سورية

4
تحفظات مصرية تعرقل توطيد العلاقات مع سورية
تحفظات مصرية تعرقل توطيد العلاقات مع سورية

أفريقيا برس – مصر. لا تزال مصر تبدي تحفظات على الإدارة السورية الجديدة، ما يعيق تحقيق تقدم ملموس في مسار تطبيع العلاقات مع سورية بعد إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وتقول مصادر مطلعة إن هذه التحفظات تتمحور حول مخاوف أمنية بالدرجة الأولى، في ظل وجود عناصر تصنفها القاهرة بـ”الإرهابية” داخل سورية، وفي مقدمتها أفراد منتمون إلى هيئة تحرير الشام التي تضعها مصر على قوائم الإرهاب. وتضيف المصادر أن القاهرة تطالب بتسليم بعض هذه العناصر قبل أي خطوات جدّية نحو إعادة العلاقات مع دمشق، إلى جانب مخاوفها من إمكانية انتقال بعض المقاتلين إلى ليبيا، ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، في ضوء الاضطرابات الأمنية في الساحة الليبية.

جهود لتطبيع العلاقات مع سورية

في هذا السياق، تواصل تركيا أداء دور الوسيط بين الطرفين، إذ تكثف جهودها لتقريب وجهات النظر بين القاهرة ودمشق، في إطار تحرّكاتها الإقليمية الهادفة إلى تحسين علاقاتها مع الدول العربية، لا سيما مصر. وتقول مصادر إن هناك محاولات إقليمية ودولية لدفع مصر نحو تطبيع العلاقات مع سورية وإدارتها الجديدة، في إطار جهود أوسع تسعى إلى إعادة سورية إلى المشهد العربي والدولي، بعد سنوات من العزلة. ومع ذلك، لا تزال القاهرة تفضل اتخاذ موقف حذر، إذ تربط أي تقدّم في هذا الملف بإجراءات أمنية وضمانات واضحة بشأن مخاوفها. وكانت العاصمة الإدارية الجديدة قد شهدت لقاءً بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوري أحمد الشرع، على هامش القمة العربية غير العادية، الثلاثاء الماضي.

رغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالاجتماع، فإن بيان الرئاسة المصرية عكس حذراً واضحاً تجاه النظام السوري الجديد، وتبايناً في الرؤى بين القاهرة ودمشق بشأن مستقبل سورية. فقد كان لافتاً أن الخطاب الرسمي تجنب الإشارة إلى “دعم سورية” كدولة، بل اكتفى بالتعبير عن “دعم الشعب السوري”، وهي عبارة ذات دلالات مهمة حول الموقف المصري. وتعكس هذه الصياغة حرص مصر على تأكيد بعد إنساني وسياسي في دعمها سورية، من دون تقديم تأييد غير مشروط للنظام الجديد في دمشق. كما أن تأكيد الرئيس المصري “إطلاق عملية سياسية شاملة لا تقصي طرفاً”، يعكس موقف القاهرة الثابت تجاه الحل السياسي للأزمة السورية، ورغبة في رؤية تحول سياسي حقيقي، لا مجرد تغييرات شكلية في السلطة، فيما حملت تصريحات الرئيس السوري نبرة تصالحية واضحة، إذ أكد حرصه على بدء صفحة جديدة في العلاقات مع الدول العربية، وخصوصاً مصر.

مع العلم أنه عقب المعارك التي شهدتها مناطق سورية في الأيام الماضية، أصدرت الخارجية المصرية بياناً أشارت فيه إلى أن مصر تعرب عن قلقها إزاء المواجهات، وتؤكد “موقفها الداعم للدولة السورية ومؤسساتها الوطنية واستقرارها في مواجهة التحديات الأمنية، ورفض مصر لأية تحركات من شأنها أن تمس أمن وسلامة واستقرار الشعب السوري الشقيق”.

ضمانات وصغوط

وبشأن العلاقات مع سورية والبيان حول اللقاء بين السيسي والشرع، يقول المحلل السياسي عمار علي حسن، إن البيان المصري “يعكس قناعة القاهرة بأن النظام الحالي في سورية لم يستقر بعد ولم يفرض سيطرته الكاملة، بدليل التطورات التي تشهدها البلاد”. ويوضح أن “لمصر منطلقات أساسية في تعاملها مع سورية، أبرزها الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع تقسيمها”. بالإضافة إلى “ضمان وجود سلطة سورية تراعي المصالح والهواجس المصرية، خصوصاً في ما يتعلق بالمقاتلين المصريين الذين انضموا إلى السلطة الجديدة وأسقطوا نظام بشار الأسد”. وتتوقع القاهرة من النظام السوري الحالي، وفق حسن، اتخاذ “موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، خصوصاً في ظل التطورات الحالية بين مصر وإسرائيل على خلفية الحرب في قطاع غزة، إذ تحتل إسرائيل أجزاء واسعة من الأراضي السورية”. ويضيف أن “مصر ترغب في اتخاذ خطوات واضحة من السلطة السورية الجديدة في ما يتعلق بالمقاتلين المصريين، ليس بالضرورة عبر تسليمهم، ولكن على الأقل بضمان عدم استهدافهم السلطة المصرية الحالية”.

وبحسب حسن فإن “مقاربة مصر للمسألة السورية حالياً تختلف عن موقفها عند وصول أحمد الشرع إلى دمشق وإسقاطه نظام بشار الأسد، إذ بدأت بعض الهواجس في التراجع، والتحفظات في الزوال”. ويوضح أن “حضور الشرع القمة العربية في القاهرة، ومصافحته للرئيس المصري، إلى جانب توقف الإعلام المصري عن مهاجمته، والترحيب بموقفه من القضية الفلسطينية ورفض الاحتلال الإسرائيلي، كلها إشارات إيجابية قد تدفع القاهرة إلى الاقتراب أكثر من النظام السوري الجديد”. يأتي ذلك خصوصاً إذا تمكن النظام “من إعادة الأمن إلى البلاد وهزيمة المجموعات التابعة للنظام السابق، والتي بدأت في التحرك بدعم إقليمي لمناهضة السلطة الجديدة”.

من جهته يرى السفير عبد الله الأشعل، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، أن “مصر لا تزال تبدي تحفظات واضحة تجاه الإدارة السورية الجديدة”، موضحاً أن البيان المصري الصادر بشأن لقاء السيسي مع الشرع استخدم مصطلح “الشعب السوري” بدلاً من “الدولة السورية”، إذ إن “الدولة تشمل الشعب والنظام معاً، بينما تجنبت مصر الإشارة إلى النظام بشكل مباشر”. وتبرز عوامل أخرى إقليمية ودولية تحكم طبيعة العلاقات مع سورية. وتواجه القاهرة، وفق الأشعل، “ضغوطاً إقليمية ودولية كبيرة لدفعها نحو احتضان النظام السوري، خصوصاً من الولايات المتحدة والسعودية”. في المقابل، يعتقد الأشعل أن “طبيعة النظام السوري الجديد، الذي يحمل توجهات إسلامية، تجعله أقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين منه إلى النظام المصري الحالي، وهو ما ينشئ حالة من التوجس لدى القاهرة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here