صفقة بيع بنك القاهرة للإمارات والأسئلة الملحة

8
صفقة بيع بنك القاهرة للإمارات والأسئلة الملحة
صفقة بيع بنك القاهرة للإمارات والأسئلة الملحة

أفريقيا برس – مصر. يحاول البعض تشتيت انتباه الرأي العام المصري وجرّه إلى أمور فرعية في ملف صفقة بنك القاهرة، ثالث أكبر بنك في مصر، وبيعه بالأمر المباشر للإمارات، لا محاولة مناقشة قضايا جوهرية تتعلق بصلب الصفقة المثيرة للجدل. مثلاً يخرج علينا هؤلاء بتصريحات من عينة أننا نثق في مؤسسات الدولة والقائمين على عملية البيع، وأننا يجب أن ننتظر نتائج المفاوضات الجارية بشأن البيع وبعدها نتحدث في التفاصيل، أو القول إن تقييم البنوك يختلف كلياً عن تقييم الشركات والأصول العقارية، وأنه سبق أن جرى الحديث عن بيع البنك مرات قبل ذلك، لكن الخطوة لم تتمّ، أو أن الصفقة يجب أن تتمّ لأنها أحد شروط صندوق النقد الدولي للإفراج عن باقي شرائح قرض الثمانية مليارات دولار، أو أنه يجب بيع البنك العام للتخلص من ملفات الديون المتعثرة فيه، والناتجة عن نهب رجال الأعمال أيام حكم مبارك عشرات المليارات من الجنيهات من قروضه وعدم سدادها، والأسماء كثيرة.

ومع الأخذ في الاعتبار كل تلك الملاحظات لكن هؤلاء يتفادون طرح قضايا جوهرية ويرفضون الإجابة عن أسئلة مهمة تتعلق مباشرة بالصفقة، ومَن يقف خلفها، ومَن يديرها، ولصالح مَن، وأسلوب البيع المتبع؟ ولماذا هناك إصرار على تجاهل مخاوف الرأي العام في مصر في هذا الشأن، والضرب عرض الحائط بالقلاقل المتزايدة والمتعلقة بالمشتري الخليجي الذي بات يهيمن على بنوك عدة في مصر، ومَن يقف خلفه؟

ولماذا الإصرار على بيع مزيد من البنوك المصرية للإمارات التي تمتلك بالفعل خمسة بنوك متوسطة الحجم في مصر، وعلاقة ذلك بمخاوف أكبر تتعلق بالمودعين أنفسهم، والتفريط في مزيد من الأصول العامة؟ وهو ما يهدد الأمن الاقتصادي للدولة، ويؤثر سلباً على إيرادات الموازنة العامة التي تتأكل يوماً بعد يوم؛ بسبب تأكل تلك الأصول ورهن مقدّرات الدولة الحيوية والاستراتيجية للمستثمرين الأجانب.

من أبرز تلك الأسئلة الجوهرية التي تبحث عن إجابة منطقية أيضاً، هو لماذا بنك إماراتي تابع لإمارة أبوظبي هو من حصل منفرداً على موافقة البنك المركزي المصري بإجراء الفحص النافي للجهالة لبنك القاهرة، تمهيداً لتقديم عرض استحواذ على البنك الحكومي التابع للدولة منفرداً؟ وهل هناك منافسون آخرون قد جرى استبعادهم من الصفقة، وأين العروض الأخرى؟ هذا سؤال مطلوب الإجابة عنه عاجلاً إذا كنا نتحدث عن مبدأ الشفافية والإفصاح والحوكمة والمخاطر في عملية البيع.

بيع بنك القاهرة بالأمر المباشر

ثاني تلك الأسئلة: لماذا بيع بنك القاهرة بالأمر المباشر وبالمخالفة للقانون والدستور والأعراف المصرفية؟ لِمَ لا تبيع الحكومة البنك التابع للدولة بأسلوب المناقصة العالمية والمزادات العلنية إذا كانت هناك ضرورة ملحة للبيع، خاصة وأن البنك يحقق أرباحا ضخمة تؤول لموازنة الدولة، ويمون الضرائب العامة بمليارات الجنيهات سنوياً؟

وأين حديث الحكومة السابق عن بيع بنك القاهرة للمصريين، سواء أفراداً أو مستثمرين، عبر طرح أسهمه في البورصة؟ وإذا كانت هناك حاجة ملحة للنقد الأجنبي والسيولة الدولارية، لماذا لا نطرح أسهم البنك على المصريين العاملين في الخارج، والمتحمسين لشراء أصول مصرية؟ خاصة مع تراجع قيمتها في ظل تهاوي قيمة الجنيه مقابل الدولار.

لماذا تتمّ صفقة بيع بنك القاهرة، وبهذا الحجم وتلك الحساسية، في السر والكتمان؟ لن أردد هنا مزاعم لصحافيين اقتصاديين مصريين أكدوا على صفحاتهم في “فيسبوك” أن الصفقة اتُّفق عليها بالفعل، وأن قيمتها وصلت بالفعل إلى البنك المركزي المصري، فلا يوجد دليل لدي على صحة تلك المزاعم ودقة المعلومات حتى الآن، وبالتالي يجب عدم التعامل معها بجدية.

ثالث الأسئلة: مَن الجهة المشرفة على عملية البيع، والمنوط بها مراجعة إجراءات الصفقة والسعر المقدّم؟ وإذا كانت تلك اللجنة موجودة رغم عدم الإعلان عنها، فهل تضمّ ممثلين عن الجهات الرقابية والسيادية في الدولة مثل البنك المركزي والجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية وهيئة الرقابة المالية وغيرها من الجهات المكلفة بصيانة وحماية المال العام؟ لا أحد يقول إن هناك بنوكَ استثمار أجنبية مسؤولة عن هذا الدور وأداء تلك المهمة، فمن المعروف أنه من السهل ترويض بعض تلك المؤسسات المالية والتأثير على قراراتها وتقييماتها المالية.

لن يخرج علينا أحد ويقول إن البنك المركزي المصري هو المنوط بمتابعة ملف صفقة بيع بنك القاهرة، ولهؤلاء أقول إن البنك المركزي هو جهة رقابية مسؤولة عن الرقابة على أنشطة البنوك والصرافات، وحماية أموال المودعين، وإدارة الاحتياطيات الأجنبية والدين العام، وليس من مهامه إبرام الصفقات المالية ومراجعة عقود البيع، مهمته قد تنحصر في التأكد من العرض الفني المقدم للشراء، وتاريخ المشتري المصرفي، والقيمة المضافة التي سيقدمها للقطاع المصرفي المصري، أما العرض المالي فهذه مهمة الجهة المسؤولة عن البيع، أي أصحاب رأس المال والدولة، هنا نتحدث عن أموال المصريين.

على أي أساس يجري تقييم بنك القاهرة بمليار دولار؟

رابع الأسئلة المطروحة: على أي أساس يجري تقييم بنك القاهرة بمليار دولار؟ هل تلك القيمة تعادل 100% من أسهم البنك أم أقل؟ وما هي النسبة المطروحة للبيع؟ وهل ستجري عملية التقييم وفقاً للقيمة السوقية، أم القيمة الإسمية والدفترية، أم التدفقات النقدية، أم وفق طرق وأساليب أخرى؟ ومن باب الشفافية ووضع حد للقيل والقال، لا بدّ أن يجيب مسؤول عن تلك الأسئلة وغيرها.

أما خامس تلك الأسئلة فيتعلق بحصيلة بيع بنك القاهرة، أين ستؤول الحصيلة؟ هل لسداد أعباء ديون مصر الخارجية التي لا يعرف المصريون كيف جرى الحصول عليها ومن وافق عليها، وما مصيرها، أم لدعم قيمة الجنيه المصري والحفاظ على استقرار سوق الصرف الأجنبي، أم لاستكمال باقي مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة التي لا تزال تبتلع مليارات الدولارات؟

نحن لا نبيع قطعة أرض مثل رأس الحكمة التي بيعت للجانب الإماراتي أيضاً، ولم نسمع عنها إلا وقت إبرام العقود، أو بيع حصة رئيسية في أسهم الشرقية للدخان، عملاق صناعة السجائر في الشرق الأوسط، للإمارات أيضاً، بل نبيع بنكاً له تاريخ طويل من العمل المصرفي، لعب دوراً مهماً في النهوض بالاقتصاد المصري وقطاعه الصناعي والخدمي، والأهم أنه يدير أموالاً للمودعين تتجاوز قيمتها 350 مليار جنيه، أي ما يعادل سبعة مليارات دولار.

هؤلاء المودعون يريدون الاطمئنان على أموالهم و”شقا عمرهم”، وقبلها يريد المصريون الاطمئنان على صيانة وحرمة المال العام، واحترام الحكومة نصوص الدستور والقانون التي تنظم إجراءات بيع أصول الدولة.

على أجهزة الدولة المصرية أن تتحرك لوضع النقاط فوق الحروف وسد الثغرات الحالية المتعلقة بإجراءات صفقة واحد من أهم البنوك المصرية، فالموضوع جد والأسئلة المطروحة جدية لا هزل فيها، والمصريون ما زالت عالقة في أذهانهم جرائم عدة ارتُكبت بحق المال العام، مثل جريمة بيع “عمر أفندي” و”إيديال” و”طنطا للكتان” التي بيعت بتراب الفلوس، وما صاحبها من فساد مالي ورشى، وبيع غيرها من الشركات العامة وأصول الدولة، خاصة أيام حكومة عاطف عبيد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here