عمال مصر.. زيادة الأجور تأكلها معدلات تضخم هائلة

0
عمال مصر.. زيادة الأجور تأكلها معدلات تضخم هائلة
عمال مصر.. زيادة الأجور تأكلها معدلات تضخم هائلة

أفريقيا برس – مصر. تحول الأول من شهر مايو/ أيار من مناسبة سنوية مفرحة للطبقة العاملة في مصر إلى إجازة رسمية، لإزالة الضغوط النفسية ومرارة العيش التي تحيط بعمال المهن المختلفة. تأتي احتفالات عيد العمال هذا العام في ظل حفاوة رسمية، تستهدف تكريم قدامى العاملين والنقابيين الذين عملوا بالمؤسسات الحكومية والعمالية الرسمية، في محاولة حكومية لبث الطمأنينة بين العاملين بالهيئات الحكومية والقطاع العام المعينين بالمصانع والمزارع وقطاع المقاولات والمرافق العامة، تبشرهم بزيادة كبيرة في الدخل، رُفع خلالها الحد الأدنى للأجور، مع خطة لرفعه في يوليو/ تموز المقبل، ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهرياً، مع علاوة بحد أدنى تصل إلى 1000 جنيه للموظفين.

تكشف الاحتفالات الرسمية عن معاناة عميقة للعمال تتفاقم سنوياً، حيث تتراجع أعداد العمال المعينين بالحكومة والقطاع العام، الذي يجذب نحو 6 ملايين موظف، ليبقى 28 مليون عامل من العاملين بالقطاع الخاص، بعيدين عن الرعاية الحكومية، التي تعمق رغبة المواطنين بالعمل لدى الدولة، عملاً بمبدأ “إن فاتك الميري تمرّغ في ترابه”.

يدرك من بلغوا سن العمل في رحلة البحث عن وظيفة، غياب فرص العمل اللائقة، خاصة بين خريجي الجامعات والتخصصات الرفيعة، مع تزايد معدلات البطالة الحقيقية بين الشباب وخريجي المدارس الفنية، والتي تتجاوز نسبة 24% وفقاً لتقديرات جهاز الإحصاء الحكومي، وبقاء ملايين آخرين يعملون في سوق العمل غير المنظم بلا مظلة تأمين صحي أو اجتماعي، تحت ظروف عمل قاسية، لا تخضع لأي رقابة حقيقية من الجهات المعنية بالدولة.

عمال مصر بلا حقوق

وأكّد نائب رئيس اتحاد العمال مجدي بدوي، أن الحكومة ملتزمة بتعميم المساواة في الحقوق بين العاملين بالدولة والقطاع الخاص، مستشهداً بإصدار اللجنة العليا للأجور، التي يرأسها رئيس مجلس الوزراء وتضم وزراء العمل والصناعة والتنمية المحلية وممثلي اتحاد العمال ومؤسسات الأعمال، قراراً يُلزم القطاع الخاص بصرف الحد الأدنى للأجور عند 6 آلاف جنيه للعامل اعتباراً من راتب شهر إبريل/ نيسان الماضي.

في جولة قام بها “العربي الجديد” بين شركات خدمات أمنية ونقل الأموال وإدارة مواقف السيارات العمومية التابعة لمحافظة القاهرة ووزارتي الداخلية والدفاع بوسط القاهرة، أكد العمال حصولهم على رواتبهم لشهر إبريل/ نيسان قبل يومين، بدون زيادة تُذكر، مشددين على أن رواتبهم ما زالت في حدود 2500 إلى 3500 جنيه للفرد، لعدم سريان زيادة الحد الأدنى للأجور التي قررتها الحكومة 3 مرات 2023 و2024 و2025، على التوالي، رُفع الحد الأدنى خلالها من 1200 إلى 6 آلاف جنيه للعامل.

يشير رئيس نقابة العاملين بالسياحة باسم حلقة إلى اهتمام الحكومة بصرف الحد الأدنى للأجور للعاملين بمؤسساتها والقطاع العام، التي تُمول أغلبها من الموازنة العامة للدولة، بينما لا يوجد انضباط لتنفيذ تلك الزيادات على القطاع الخاص، بما يجعلنا نشاهد مرتبات دون مستوى 3000 جنيه للعامل أي ما يعادل 60 دولاراً، بأغلب الوظائف المطروحة، سواء كانت لذوي الياقات البيضاء أو الزرقاء التي تعاني من البطالة الشديدة حالياً، مع قلة الوظائف بالمصانع والمشروعات الكبرى.

يذكر حلقة أن العامل، في ظل سوق عمل هشّة يتحكم بها القطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي، لم يعد يفقد قدرته على تنمية دخله فقط، ولكنه يفتقد أيضاً إلى مظلة الرعاية الصحية، التي يجب توفيرها للعمال وأسرهم لحمايتهم من مخاطر الأمراض، خاصة عند إصابتهم بأمراض ناتجة عن طبيعة المهنة أو الأمراض المزمنة.

يبيّن حلقة أن الحكومة تمنح القطاع الخاص فرصة للتهرب من رفع الحد الأدنى للأجور، بتقديم طلب اعتذار عن تنفيذ قرارات الزيادة الرسمية، لأسباب واهية، مع تركيزها على تطبيق هذه الزيادة في حالة التعيين للعاملين الجدد، كي تضمن زيادة الرسوم المقررة لصالح صناديق التأمين الاجتماعي، دون القدرة على متابعة أي زيادة بعد التحاق العامل بسوق العمل.

صدور قانون العمل الموحد

ووفق رئيس نقابة العاملين بالسياحة، فإن الإنجاز الوحيد الذي تحقق للعمال خلال العام المالي 2024-2025، يتعلق بصدور قانون العمل الجديد الشهر الماضي، متضمناً حقوقاً متوازنة بين العمال وصاحب العمل، ومع منح فرصة تشجيعية للمستثمرين للاستعانة بعمال أجانب، حافظ على حق العمال المصريين في عدم الفصل التعسفي، بعدم توقيعه على استمارة فصله من العمل قبل استلامه، والمعروفة بـ”استمارة 6″، على أن يتقدم بها العامل بنفسه إلى مكتب العمل، عند رغبته في إنهاء علاقته بصاحب العمل، مع تخصيص دوائر عمالية بالمحكمة الاقتصادية، تفصل في النزاعات بين العامل وصاحب العمل خلال 3 أشهر من عرض القضية، بعد أن كانت تستغرق سنوات بدوائر القضاء المدني.

الأجور المطلوبة لتوفير الأساسيات

وأجرى “العربي الجديد” مقارنة بين الأجور الرسمية والأجر اللازم لتوفير الحد الأدنى من الأساسيات وفقاً لمعدلات الأسعار والتضخم، مستنداً إلى أرقام ست مؤسسات حكومية ومراكز بحثية محلية ودولية مستقلة. وبحسب هذه الأرقام، بيّن المجلس القومي للأجور، التابع لمجلس الوزراء، أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، يسري إلزامياً من مايو 2024، بقيمة 6 آلاف جنيه، ولا يُطبق في قطاعات كثيرة بالدولة. فيما يكرر جهاز الإحصاء الحكومي أن متوسط الأجر الشهري للعامل في القطاع الخاص، شاملاً الأجر الأساسي والحوافز، يتراوح ما بين 9 آلاف و9800 جنيه.

لكن في المقابل، أشار معهد “أنكر” للأبحاث -مؤسسة دولية مستقلة تعمل على تقدير “الأجر الذي يوفر الحد الأدنى للعيش بكرامة”- إلى أن الأجر المعيشي لعامل يعول أسرة بالحضر، عند حدود 12 ألفاً و448 جنيهاً شهرياً. ويقدّر مركز حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأميركية، تكلفة الحد الأدنى للمعيشة، عند حدود 11 ألفاً إلى 14 ألف جنيه. فيما أكدت دراسة اكتوارية لدار الخدمات النقابية، الممثلة للنقابات العمالية المستقلة، أن الأجور الفعلية للعاملين بالقطاع الخاص والحكومي غير الرسمي، تتراوح ما بين 3 – 5 آلاف جنيه، مع عدم تمتّعهم بمظلة تأمين اجتماعي أو صحي، وأغلبهم يعملون بالمصانع الصغيرة والخدمات منخفضة الأجر.

في سياق متصل، تبين دار الخدمات النقابية “مؤسسة غير رسمية”، في تقريرها الأخير، استخدام السلطة سلاح التخويف والتهديد الأمني في دفع العمال إلى التنازل عن حقوقهم، وعدم المطالبة بتحسين أوضاعهم المالية والوظيفية، مؤكدةً ممارسة جهات العمل لنحو 121 ألف انتهاك لحقوق العمال، من بينها استدعاء العمال وممثليهم النقابيين إلى جهات أمنية وتهديدهم بالفصل والملاحقة بسبب مشاركتهم في احتجاجات سلمية للمطالبة برفع الأجور وتحسين أوضاعهم المعيشية. شملت الانتهاكات 32 واقعة سجن و7 آلاف تهديد من الأمن الوطني و500 حالة طرد تعسفي، تستهدف دفع المتضررين إلى الصمت القسري.

وأشار خبراء دار الخدمات النقابية إلى أن قانون العمل الجديد، لم يوفر للعمال ضمانة العمل في وظائف دائمة، وأية حصانة ضد الفصل التعسفي، وأية حماية للمرأة العاملة، مضفين أنه رغم وجود نصوص بحق العمال في الإضراب السلمي للدفاع عن حقوقهم المالية والوظيفية، فإنه عبر نصوص أخرى بالقانون سُلبت تلك الحقوق.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here