كورونا يُخفي موائد الرحمن ويشجع مبادرات خير تدعّم الفقراء

14

مصر – افريقيا برس. ككل شيء طبع فيروس كورونا تغييراته عليه، يحضر شهر رمضان الكريم متخليا عن طقوس اعتادها المصريون لأكثر من ألف سنة ومن بينها إقامة موائد الرحمن في بلد يقع نحو ثلث سكانه البالغ عددهم 100 مليون نسمة تحت خط الفقر.

فباستثناء رمضان الحاضر في زمن الوباء، اعتاد المصريون مشهد طاولات الطعام الممتدة في شوارع مصر منتظرةً قدوم الصائمين من الفقراء والعابرين قبيل انطلاق أذان المغرب لتقدم الإفطار المجاني لضيوف الرحمن.

وفي إطار الإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا المستجد، حظرت وزارة التنمية المحلية منح تراخيص إقامة موائد الرحمن، التي يقيمها مواطنون أو مؤسسات خيرية، كما منعت وزارة الأوقاف إقامة الموائد في محيط المساجد التابعة لها.

وتلا هذا القرار منع إقامة الصلوات خلال الشهر الفضيل في المساجد، ولئن أثر القرار الأول ماديا على جيوب المحتاجين، فإن الثاني أحزن القلوب المتعلقة بالعبادات الرمضانية كصلاة التراويح والاعتكاف في دور العبادة.

تاريخ الموائد
لا يوجد تتبع واضح لسبب أو مصدر تسمية موائد الرحمن بهذا الاسم، لكن الترجيحات تذهب إلى اقتباس التسمية من سورة “المائدة” حيث أنزل المولى عز وجل على سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام مائدة طعام من السماء لتكون آية لقومه وللعالمين.

ويرجع تاريخ موائد الرحمن في مصر إلى نحو أكثر من 1118 عاما، وقت حكم الدولة الطولونية، وتحديدا في السنة الرابعة من ولاية الأمير أحمد بن طولون (220-270 هجرية).

تقول المصادر التاريخية إنه أول من أقامها بهدف الإحسان والبر بالفقراء والمساكين تحت اسم “سماط الخليفة”، طوال شهر رمضان، بل أمر كبار الأعيان بأن يمدوا موائدهم للمحتاجين.

في حين يرى مؤرخون أن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي (932-975 هـ) كان أول من أقام مائدة في شهر رمضان بمحيط جامع عمرو بن العاص تحت اسم “دار الفطرة”، وكان طولها حوالي 175 مترا.

واستمرت موائد الرحمن حتى العصر الحديث، وكان الملك فاروق يحرص يوميا على افتتاح مأدبة هائلة في ساحة قصر عابدين، ويقرأ بها أشهر قراء القرآن الكريم.

وبعد رحيله عن حكم البلاد عقب انقلاب الضباط الأحرار في يوليو 1953، طرأ تغيير في نظام إدارة موائد الرحمن، فمنذ عام 1967 أصبح بنك ناصر الاجتماعي هو المسؤول عن الإشراف على موائد الرحمن الحكومية التي يتم توفير نفقاتها من أموال الزكاة والصدقات، إلى جانب الموائد التي يقيمها رجال الأعمال والمشاهير والجمعيات الخيرية.

إنفاق ضخم
لا يوجد إحصاء رسمي لعدد موائد الرحمن التي تقام في مصر، لكن وبحسب بعض التقديرات، فإنها تزيد عن 40 ألف مائدة، وتتكلف ما بين 3 و5 مليارات جنيه خلال شهر رمضان، بعضها يخدم عددا قليلا من الصائمين والبعض الآخر يصل إلى حد استيعاب آلاف الصائمين في اليوم الواحد.
وكشفت دراسة صادرة عن لجنة الفتوى بالأزهر أن عدد المواطنين الذين يستفيدون من موائد الرحمن يبلغ ثلاثة ملايين شخص يوميا، ويبلغ عدد الجهات أو الأشخاص الذين يقومون على تنظيم تلك الموائد 10 آلاف.

وارتفعت معدلات الفقر في البلاد لتبلغ 32.5% من عدد السكان، الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، بنهاية العام المالي 2017-2018، مقابل 27.8% لعام 2015-2016، وفق إحصائية أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).

مبادرات الخير
وأمام اختفاء موائد الرحمن من شوارع مصر، ظهرت دعوات لتجهيز وجبات الإفطار وتوصلها إلى المحتاجين في بيوتهم.

وتحت شعارات “خد فطارك وأمشي” و”خليك بالبيت فطارك هيوصلك” و”يلا نساعد أهالينا”، انطلقت مبادرات شعبية تجمع بين الخير والالتزام بالإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس.

وتعتمد المبادرات على تجهيز وجبات الإفطار في أكياس أو علب بلاستيكية، وتوزيعها على المحتاجين قبل موعد الإفطار وعلى العابرين وقت الإفطار.

ومن بين المبادرات الداعمة لإطعام الفقراء خلال الشهر الكريم مبادرة أطلقتها جمعية سفراء الوطن للتنمية والبناء تحت شعار “خد اللي يكفيك وخلي الباقي لأخيك”، التي تعتمد على توفير الأفراد مواد غذائية مع وضعها على منضدة أمام البيوت أو المحال، ليأخذ المحتاج منها ما يكفيه دون مقابل.

ويبدو أن مسجد الأرقم بحي باب الشعرية بالقاهرة، تجاوز مسألة الإجراءات الاحترازية من الوباء قبل سنوات، إذ ينتهج ما يطلق عليه “الإفطار المحمول” ويعتمد على نقل موائد الرحمن إلى المنازل.

ويتولى المسجد توزيع عبوات فارغة على من يرغب في إمداد المائدة بالطعام ليقوم هو بوضع ما يرغب فيها من أطعمة ثم يعيدها مرة أخرى إلى المسجد الذي يتولى توصيلها لذوي الحاجة.


تضامن مجتمعي
وبشأن هذه الموائد، يؤيد عضو جبهة علماء الأزهر والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الشيخ محمد عوف، القرارات الخاصة بعدم التزاحم حفاظا على حياة الناس وعدم انتشار وباء فيرس كورونا، سواء منع موائد الإفطار الجماعي أو صلوات الجمعة والتراويح.

لكن ما يثير دهشة وتساؤل عوف هو التناقض الشديد في صرامة الدولة المصرية لتنفيذ قرارات العزل بشأن أنشطة المساجد وموائد الإفطار، في مقابل تراخي الدولة وغضها الطرف عن تجمعات الممثلين في تصوير المسلسلات وتزاحم المواطنين في قطارات الأنفاق والأسواق.

وبالنسبة لكيفية إطعام الفقراء خلال شهر رمضان، يرى عضو جبهة علماء الأزهر في حديثه للجزيرة نت ضرورة التضامن المجتمعي في هذا الخصوص مع الحرص على السلامة الصحية.

ويقترح وضع صندوق لكل حي أو شارع تُجمع فيه الصدقات، ثم يتم توزيعها على فقراء الحي حسب أوضاعهم المعيشية، أو شراء احتياجاتهم الشهرية وتوزيعها عليهم.

كذلك يمكن عمل مائدة فردية بجوار كل بيت ودعوة فقير واحد لها يوميا، وتوزيع مواد غذائية جافة وهي ما يعرف بـ”شنطة رمضان” على المحتاجين، حسبما رأي عوف.

ويشير إلى إمكانية اختيار مطعم في كل حي لتوزيع وجبات جاهزة للفقراء يوميا يأخذها الفقير، ويتم إعلان ذلك على باب المطعم، ويتم دفع مستحقات الوجبات مسبقا لصاحب المطعم من قبل أصحاب الخير.

المصدر : الجزيرة

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here