ناجي دربالة: تعديلات قانون الإجراءات الجنائية تهدر المحاكمة العادلة

0
ناجي دربالة: تعديلات قانون الإجراءات الجنائية تهدر المحاكمة العادلة
ناجي دربالة: تعديلات قانون الإجراءات الجنائية تهدر المحاكمة العادلة

أفريقيا برس – مصر. في حواره مع “العربي الجديد”، يكشف المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق، أحد أبرز رموز تيار استقلال القضاء في مصر، عن الكواليس غير المعلنة لتعديل قانون السلطة القضائية، وكيف جرى تهميش الأقدمية القضائية لصالح تدخلات أمنية وسياسية صريحة. ويفند دربالة، العوار في التعديلات التي أقرها البرلمان المصري على قانون الإجراءات الجنائية، معتبراً أنها “تهدم جوهر العدالة”، وتنزع من المتهمين حقوقهم الدستورية الأساسية، سواء في حق الدفاع أو في المثول أمام المحكمة، بما يجعل المحاكمات معرضة للتشكيك والانتهاك، خصوصاً في القضايا ذات الطابع السياسي.

كيف ترون تعديلات قانون الإجراءات الجنائية التي أقرها البرلمان أخيراً؟

هذه التعديلات تمس جوهر قانون الإجراءات الجنائية من جهة الضمانات الأصولية التي يقوم عليها، وعلى رأسها حق المتهم في الدفاع عن نفسه، وهو حق دستوري لا يجوز المساس به، فأولاً، هناك تعديل خطير يتعلق بحق المتهم بوجود محامٍ أثناء المحاكمة. النص الدستوري واضح في أن المحاكمة تبطل إذا لم يحضر محامٍ مع المتهم. لكن الأخطر في التعديلات الجديدة هو السماح للمحكمة بالاكتفاء بأقوال الشهود في التحقيقات دون استدعائهم للمثول أمامها.

لماذا يُعد استدعاء الشهود أساسياً في نظر العدالة؟

لأن المحكمة تبني عقيدتها على شهادة مباشرة، هذا عنصر جوهري لتكوين قناعة القاضي. إذا اكتفت المحكمة بأقوال مكتوبة في التحقيقات، فقد تُدان حياة شخص دون أن تتحقق المحكمة من مصداقية الشاهد وجهاً لوجه.

ماذا عن التعديل المتعلق بمثول المتهم أمام المحكمة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة؟

هذا من أسوأ التعديلات، رؤية القاضي للمتهم عبر شاشة لا تُعادل أبداً المثول الحقيقي أمام المحكمة. القاضي لا يستطيع التأكد من أن المتهم لا يتعرض لضغوط أو إكراه أو أنه يريد التحدث بحرية، المتهم يظل حينها تحت سلطة الجهة التي تحتجزه، لا تحت سلطة القاضي، ما يُفرغ المحاكمة من مضمونها. وهناك أيضاً تعديل يتعلق بحماية هوية الشاهد، هذا التعديل يُنهي مبدأ المواجهة العلنية. لم يعد الشاهد ملزماً بالكشف عن هويته أو حتى وجهه، بل قد يُرمز له باسم رمزي! وهذا إهدار تام لحق الدفاع. من حق المتهم أن يعرف من هو الشاهد، ما علاقته بالقضية، وهل بينهما خصومة أو عداوة؟ لا يجوز إصدار أحكام بالسجن أو الإعدام استناداً إلى شهادة مجهولة.

في ضوء كل ما سبق… ما تقييمكم العام لهذه التعديلات؟

هي تعديلات تهدر ركائز المحاكمة العادلة، وتفتح الباب لمزيد من التجاوزات، خصوصاً في القضايا ذات الطابع السياسي. العدالة لا تُبنى على السرية والغموض، بل على المواجهة والعلانية والضمانات الصارمة للمتهم. ما يحدث اليوم هو تفريغ ممنهج لمفهوم العدالة من مضمونه الحقيقي.

كنتم المرشح الأوفر حظاً لرئاسة محكمة النقض وبالتبعية رئاسة المجلس الأعلى للقضاء وفق قاعدة الأقدمية… كيف تقيمون ما حدث؟

القضية ليست في شخصي أو في من يشغل المنصب، المسألة تتعلق بجوهر استقلال القضاء، حين يُمنح رئيس الجمهورية، أو أي طرف في السلطة التنفيذية، سلطة اختيار رئيس محكمة النقض وبالتبعية المجلس الأعلى للقضاء، فإننا بصدد مساس مباشر بمبدأ الفصل بين السلطات. المنصب القضائي الأعلى في الدولة لا يجوز أن يُختار بناءً على اعتبارات سياسية أو أمنية، بل يجب أن يُبنى الاختيار على الأقدمية المطلقة، كما جرى العمل لعقود، ليبقى القاضي مستقلاً ولا يدين لأحد بفضل.

هل جرى تجاوز الأقدمية عمداً؟

نعم، القانون الذي صدر عام 2019 كسر هذا العرف القضائي، وأعطى لرئيس الجمهورية سلطة الاختيار من بين خمسة من أقدم نواب رئيس محكمة النقض، رغم أنه لا يعرفهم شخصياً، ويعتمد في ذلك على تقارير أمنية تقدمها جهات مثل الأمن الوطني والأمن الجنائي. وهذا ما حدث فعلاً في أول تطبيق للقانون، المستشار أنس عمارة كان الأجدر برئاسة محكمة النقض، لكن تقارير أمنية استبعدته، لمجرد أنه شارك سابقاً في قائمة انتخابية داعمة لتيار استقلال القضاء عام 1987، رغم أنه لم يكن ناشطاً سياسياً، ولم يقد الحملة، إلا أن ذاكرة السلطة لم تنس، وتم تجاوزه لصالح من يليه في الأقدمية.

خضتم معركة قانونية ضد هذا القانون… ما الذي حدث؟

بعد صدور قرار إحالتي إلى المعاش، أقمت دعوى للطعن على القانون، مؤكداً أنه يخالف الدستور المصري والمواثيق الدولية بشأن استقلال القضاء، لم تكن الدعوى لمصلحة شخصية، بل دفاعاً عن المبدأ، وأوضحت فيها أنني متضرر مباشر، وكان من حقي الترشح لرئاسة محكمة النقض وبالتبعية رئاسة المجلس الأعلى للقضاء لعام 2024 ـ 2025. لكن المحكمة رفضت الدعوى، بحجة أنني “غير ذي صفة”، رغم أنني قدمت كل ما يثبت صلتي المباشرة بالقضية، وبعدها، أصبح القانون محصناً دستورياً، إذ أُدخل ضمن التعديلات الدستورية التي جرى الاستفتاء عليها، مما أغلق الباب نهائياً أمام الطعن القضائي عليه.

هل ترى أن هذا القانون سيبقى؟

صحيح أن المسار القانوني أُغلق، لكنني على يقين أن القانون لن يصمد طويلاً. 99% من القضاة يرفضونه داخلياً. العودة لمبدأ الأقدمية المطلقة مسألة وقت، تماماً كما حدث سابقاً عندما أسقطت الجمعيات العمومية للقضاة قانون المجلس الأعلى للهيئات القضائية في 2002. لكن اليوم، الوضع أكثر تعقيداً، إذ عاد هذا المجلس بصلاحيات أوسع، وبرئاسة رئيس الجمهورية وعضوية وزير العدل، وهو ما ينسف مبدأ الاستقلال. ونادي القضاة عليه مسؤولية تاريخية. رئيسه السابق أعلن أنه سيستقيل إذا تم تمرير القانون، لكنه لم يفعل. ينبغي عقد جمعية عمومية طارئة، وإعلان موقف واضح من هذا التدخل غير المقبول. القضاة في محاكمهم أيضاً عليهم واجب التعبير عن رفضهم. استقلال القضاء لا يُمنح، بل يُنتزع بالحراك الداخلي، كما فعلنا سابقاً في مواجهة القوانين التي مست كيان السلطة القضائية. استقلال القضاء ليس ترفاً دستورياً، إنه الضمانة الوحيدة لحقوق المواطنين، ولتوازن السلطات في الدولة، وإذا تهاوى هذا الاستقلال، فلن يبقى شيء يحمي الناس من تغوّل السلطة، لهذا سأظل أدافع عن استقلال القضاء، من أي موقع كنت فيه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here