أفريقيا برس – مصر. في وقت يتراجع الدولار أمام العملات الرئيسية، يشهد الجنيه المصري حالة من التذبذب بين هبوط وصعود، تسبب توتراً بأسواق تتحسب من أيّ تطورات مفاجئة تعرض الاقتصاد الهش لمزيد من الضغوط. ارتفع سعر الدولار في بداية معاملات الأسبوع، بالبنك المركزي أمام الجنيه بنحو 7 قروش، ليصل إلى 50.87 جنيهاً، بينما يبدو متراجعاً في البنوك، عند متوسط 50.85 جنيهاً للدولار.
يسترد الجنيه جزءاً من خسائره أمام الدولار التي بلغت نحو 2% منذ بداية عام 2025، مع ذلك يبقى عند مستوياته المتدنية التي بلغها في مارس/ آذار 2024، بعد تعويم أفقده نحو 40% من قيمته أمام الدولار والعملات الرئيسية. ويثير التراجع الطفيف وحالة التذبذب في سعره مقابل الدولار الذي شهد تراجعاً قياسياً، يعد الأكبر في تراجعاته الشهرية، منذ عام 2009، بنسبة 3.02% وفقاً لمؤشر الدولارDXY، مخاوفَ من تفاقم ضغوط الدولار على الجنيه.
يبرر أعضاء في اتحاد جمعيات المستثمرين المصريين، شكوكهم في قدرة الجنيه على الصمود أمام الدولار المتراجع دولياً، بسبب ارتفاع تكلفة الواردات التي تأتي أغلبها من أسواق أوروبية وآسيوية، وتضاؤل الصادرات، مع بقاء 90% من معاملات مصر الدولية بالدولار، بما يخفض قيمة الصادرات وعوائد السياحة والخدمات السيادية التي ترفع من الناتج القومي الإجمالي.
يؤكد وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي سمير رضوان، وجود مخاوف من تذبذب أداء الجنيه أمام الدولار والعملات الرئيسية، وارتفاع حدتها في الفترة المقبلة، مبيناً أن سببها الرئيسي يرجع إلى زيادة معدلات تدفق الواردات، التي تمثل نحو 60% من احتياجات البلاد من السلع الأساسية، بينما الصادرات بلا نمو، بل تتراجع في بعض الأحيان والأسواق، وتنخفض قيمتها خاصة المقرونة بسعر الدولار.
يوضح رضوان أنه ما دام الاقتصاد يدار من دون تغيير هيكلي يسمح بزيادة الإنتاج والتصدير، سيظل معلقاً تحت رحمة الدولار، مذكراً بأن ما يجري تصديره من منتجات تعتمد بنسبة 50%-80% من مكونات إنتاجها على الواردات، بما يزيد العجز بين الصادرات والواردات. يرجع وزير المالية السابق، تراجع قيمة الصادرات إلى عدم استغلال الحكومة للفرص والاتفاقات الدولية المتاحة أمامها مع 105 دول تسمح بتصدير المنتجات المصرية إليها، من دون تعرفة جمركية أو بنسب ضئيلة للغاية، بينما تتمسك بالتصدير إلى الأسواق التي تفرض عليها القيود والجمارك التي تضعف من قيمة الصادرات والتنافسية.
يشير رضوان إلى عدم توظيف الحكومة المساحة المتاحة أمامها في تجمع “دول بريكس” التي تضم نحو 100 دولة، بالقدر الكافي الذي يتيح أمامها فرصة تبادل الصادرات والواردات بالعملات المحلية، منبهاً إلى تراجع المعاملات الاقتصادية مع دول “الكوميسا” التي تشكل تحالفاً اقتصادياً مهماً لمصر مع دول قارة أفريقيا.
يوضح رضوان أنّ مصر أهملت التبادل التجاري مع أفريقيا رغم التحسن الكبير بالعلاقات السياسية مؤخراً، وتبحث عن زيادة الصادرات إلى دول كالخليج التي لا تقبل المنتجات الصناعية المصرية، التي توفرها الأسواق المنافسة من مصادرها الأصلية، بينما تستقبل السلع الزراعية ذات الجودة العالية، التي ترتفع تكلفتها بسبب اعتمادها على مكونات أجنبية، تشمل البذور، ومعدات الري، والتسميد، والإنتاج.
يقول وزير المالية الأسبق إن تذبذب الجنيه وتراجعه المستمر أمام الدولار والعملات الرئيسية لا يمثل حقيقة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مذكراً بأنّ سعر العملة انعكاس للوضع الاقتصادي الذي نمرّ به حالياً، حيث تهمل الحكومة دعم الصناعة والإنتاج، وتعتمد على بيع الأصول وتنتظر المعونات والقروض التي يقدمها البعض مقروناً بشروط لا تليق بمصر ومكانتها التاريخية.
يحذر الوزير من تفاقم الأزمات الدولية التي تفرضها سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمتشبهين به، من قادة الدول الكبرى، بما يثير المزيد من المخاوف من تعرض الاقتصاد لمزيد من الهشاشة التي تعكس مساوئها على قيمة الجنيه ودخول الأفراد وقدراتهم الشرائية، وإمكانية حصولهم على الحد الأدنى من الخدمات العامة والسلع الأساسية.
وفقاً لإحصاءات رسمية تراجعت الصادرات إلى أقل من 40 مليار دولار عام 2024، متأثرة بزيادة الدولار والأزمات الجيوسياسية بالمنطقة، مع وجود مخاوف من تراجعها إلى مستويات أقل خلال العام الجاري، في حالة عدم التوصل إلى اتفاقات دولية واسعة بين الولايات المتحدة والأسواق الموردة لمصر، إلى خفض التعرفة الجمركية التي فرضها على نحو 180 دولة.
تعلق الحكومة آمالها على مواجهة الضغوط المالية بطرح العديد من الأصول العامة للبيع، وطرح سندات دولارية بقيمة 4 مليارات لدولار، خلال عام 2025، تمكّنها من مواجهة العجز في تمويل الموازنة العامة، وتبديل الديون قصيرة الأجل بأخرى متوسطة وطويلة الأجل، ضمن طروحات للسندات بقيمة 8 مليارات دولار خلال العام المالي 2025-2026.
يعلق اقتصاديون آمالاً على قدرة البنك المركزي على تحقيق الاستقرار النسبي في سعر الجنيه، مستندين إلى قيامه برفع احتياطات النقد الأجنبي، خلال العام المالي الجاري 2024-2025، بما مكنه من خفض معدلات التضخم والتوجه نحو خفض أسعار الفائدة، بنحو 2.25% الشهر الماضي، مع توقع بمزيد من التراجع بمعدلاتها، لتصل إلى أقل من 20% بنهاية العام الجاري.
يذكر المحلل المالي محمد عبد المجيد أن رغبة البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة، قد تتعارض مع حاجته الماسة إلى تدفقات الأموال الساخنة التي تتجه إلى الاستثمار بأدوات الدين الحكومية، والتي يوظفها في الحفاظ على الاستقرار النسبي في سعر الصرف وتحسين التصنيف الائتماني للدولة، لافتاً إلى أنّ استثمارات الأجانب في أدوات الدين المحلية، بلغت نحو 41.3 مليار دولار عام 2024، بينما ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 44.1 مليار دولار، مدفوعاً ببيع مدينة رأس الحكمة لدولة الإمارات بقيمة 35 مليار دولار، بما يجعل البنك المركزي في حاجة إلى عدم خفض معدلات الفائدة خلال الفترة المقبلة بمعدلات كبيرة، تدفع حملة الأموال الساخنة إلى الهروب من مصر إلى أسواق ناشئة أكثر ربحية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس