اشتباكات أمام بعثة مصر في نيويورك

5
اشتباكات أمام بعثة مصر في نيويورك
اشتباكات أمام بعثة مصر في نيويورك

أفريقيا برس – مصر. أثار اعتداء حرس البعثة المصرية في نيويورك، الأربعاء، على متظاهرين يطالبون بفتح معبر رفح لدخول شحنات المساعدات الدولية إلى غزة، جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية والإعلامية في مصر، وسط اعتراض على إقحام الحرس الخاص وموظفي البعثة في مواجهة أمنية مع المتظاهرين وسحبهم بالقوة إلى داخل مبني البعثة الدبلوماسية التي تقع على مسافة عشرات الأمتار من مقر الأمم المتحدة بنيويورك.

وشهد محيط البعثة الدائمة لجمهورية مصر لدى الأمم المتحدة في نيويورك توتراً حاداً بعد تداول مقاطع مصوّرة أظهرت اعتداء أشخاص داخل المبنى على متظاهرين كانوا يحتجون على الحرب الإسرائيلية على غزة ويطالبون بكسر الحصار. وأفاد شهود بأن مشادات عنيفة وقعت عند مدخل 304 East 44th Street، الذي يعد المقر الرسمي للبعثة الدبلوماسية المصرية بالأمم المتحدة، وعلى مسافة قريبة من القنصلية العامة بنيويورك، وسط انتشار أمني لشرطة نيويورك التي سارعت إلى تطويق المكان.

وبحسب ما ذكرت تقارير صحافية، فإن “أمن البعثة الدبلوماسية المصرية تصدى لمحاولة حصار المبنى”، مؤكدة أن موظفي البعثة استدعوا الشرطة الأميركية التي اعتقلت شخصين بتهمة محاولة الاعتداء على المقر. وعند مراجعة “العربي الجديد” مقاطع الفيديو المنتشرة بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي منذ حدوث الواقعة، أظهرت مشاهد سحل وضرب متظاهرين من قبل رجال أمن مدنيين ومعهم مصري بمدخل “لوبي” بناية مقابلة للمقر الدبلوماسي، ما أثار علامات استفهام حول طبيعة القوة التي تدخلت وما إذا كان الاعتداء صادراً عن موظفين دبلوماسيين أم عن أفراد أمن خاص.

وجاءت الواقعة بعد أيام قليلة من انتشار تسريب صوتي لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وجّه فيه سفراء مصر في الخارج بـ”سحب أي متظاهر يعتدي على السفارة إلى الداخل وتسليمه للشرطة”. ورغم أن الوزير كان يتحدث عن حماية المقار الدبلوماسية، إلا أن أسلوب التوجيه ولغته الصارمة أثارا انتقادات واسعة، خصوصاً بعدما تزامن التسريب مع مقاطع تظهر مشاهد عنف في نيويورك، ما اعتبره مراقبون ترجمة عملية لتلك التعليمات.

وقال الناشط إسحاق بدر على فيسبوك إن مجموعة من المحتجين “سحبوا بالقوة إلى داخل المبنى من قبل أفراد الأمن”، مؤكداً أن من بين من وصفهم بالمختطفين طفلاً قاصراً يبلغ من العمر 15 عاماً فقط. وأضاف الناشط أن المتظاهرين استدعوا شرطة نيويورك التي حضرت سريعاً إلى المكان، وأفرجت عن المحتجزين وفتحت تحقيقاً في الواقعة، مشيراً إلى أن تصرفات الأمن المصري بدت “مستفزة وهمجية”، على حد وصفه، في مقابل ما اعتبره “تعاملاً أكثر التزاماً بالقانون من جانب الشرطة الأميركية التي تدخلت لحماية المحتجين”.

وفي هذا الإطار، طالب الكاتب الصحافي علاء العطار، رئيس تحرير الأهرام العربي السابق، عبر صفحته على فيسبوك، باستقالة وزير الخارجية بدر عبد العاطي معتبراً أن الوزير “أساء للشعب المصري والدبلوماسية المصرية” باعتماده “أسلوب مواجهة المتظاهرين بالعنف، كما لو كانوا خصوماً سياسيين في الداخل، ينقل صورة قبيحة عن مصر”. وكتب العطار: “ليس من المتصور أن يدعو الوزير إلى مواجهة التظاهر أمام السفارات بأسلوب يصدر صورة قبيحة عن مصرنا الكبيرة العزيزة”، معتبراً أن ما جرى في نيويورك “كارثة دبلوماسية”.

ويمنح القانون الدولي للدول حق حماية بعثاتها الدبلوماسية، لكن الأعراف المرعية تشدد على أن هذه الحماية تحدث بالتنسيق مع سلطات البلد المضيف، لا عبر تدخل مباشر قد يُفسَّر استخداماً مفرطاً للقوة داخل الأراضي الأجنبية. ويرى خبراء في العلاقات الدولية أن تعليمات الوزير المصري، إذا فُسِّرت بأنها دعوة للعنف ضد متظاهرين سلميين، قد تعقّد علاقات القاهرة مع بعض الأطراف الحقوقية في الولايات المتحدة.

وفي السياق، قال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، إن “الحصانة الدبلوماسية خط أحمر لا يمحوه الخلاف السياسي، فهي ليست مجرد قاعدة إجرائية بل حجر الزاوية الذي يقوم عليه العمل الدبلوماسي العالمي”. وأوضح أن “هذا المبدأ يهدف إلى ضمان سير العلاقات بين الدول بسلاسة وفعالية، مؤكداً أن الدولة المضيفة تتحمل التزاماً قانونياً ملزماً بحماية البعثات الأجنبية على أراضيها”.

وأضاف سلامة أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 كرّست بشكل واضح مبدأ الحصانة والامتيازات الدبلوماسية، ومن أبرز ما تفرضه على الدولة المضيفة “الواجب الإيجابي بتأمين مقر البعثة وموظفيها، ومنع أي أعمال شغب أو تجمعات عنيفة تهدد سلامتها”، إضافة إلى احترام حرمة المقر بحيث لا يجوز لقوات الأمن دخوله إلا بموافقة رئيس البعثة.

وشدد على أن مقر البعثة، رغم تمتعه بهذه الحماية القانونية الخاصة، لا يعد جزءاً من إقليم الدولة الموفدة، بل يبقى خاضعاً لسيادة الدولة المضيفة مع وجوب احترام حصانته. واعتبر أن أي تقصير من الدولة المضيفة في هذا الجانب يُعد انتهاكاً مباشراً للقانون الدولي.

وحتى الآن، لم تُصدر السلطات الأميركية أو شرطة نيويورك بياناً رسمياً حول الحادثة، لكن منظمات حقوقية عربية وأميركية بدأت في جمع شهادات من المحتجين لرفعها إلى وزارة الخارجية الأميركية. ويشير مراقبون إلى أن الواقعة مرشحة للتحول إلى قضية سياسية ودبلوماسية إذا جرى إثبات تورط موظفين رسميين في الاعتداء. وتسلط حادثة نيويورك الضوء على التوتر المتصاعد في إدارة صورة مصر الدبلوماسية في الخارج، في وقت تواجه فيه القاهرة انتقادات حادة بسبب موقفها من حرب غزة. وبينما تتمسك الحكومة بحقها في حماية بعثاتها، يرى منتقدون أن الأسلوب الذي ظهر في التسريب وتُرجم على الأرض في نيويورك يهدد سمعة الدبلوماسية المصرية ويقوض تقاليدها التاريخية.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here