القاهرة تتجنب الاستفزاز الإسرائيلي في ملف الحدود

القاهرة تتجنب الاستفزاز الإسرائيلي في ملف الحدود
القاهرة تتجنب الاستفزاز الإسرائيلي في ملف الحدود

أفريقيا برس – مصر. قال مصدر مصري مطّلع، إنّ السلطات تتعامل بحكمة مع قرار وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس اعتبار المنطقة الحدودية في رفح الفلسطينية عسكرية مغلقة، مؤكداً أن القاهرة ترفض الانجرار إلى أيّ استفزاز إسرائيلي في هذا الملف، وتدرك تماماً خلفياته السياسية والإعلامية.

وأوضح المصدر أن المسؤولين المصريين يدركون أن الغرض الحقيقي من تصريحات كاتس وقراراته التشويش على مسار الهدنة ومحاولة إفشالها، خاصة في ظلّ المداولات الجارية بين الأطراف المعنية حول ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأضاف أنّ تصريحات مثل هذه “موجّهة بالأساس إلى الداخل الإسرائيلي، وتأتي في إطار المزايدات السياسية داخل الحكومة الإسرائيلية”، مشيراً إلى أنّ القاهرة تنظر إليها على هذا الأساس ولا تمنحها أكثر من حجمها.

وشدّد المصدر على أن مصر عبرت عن اعتراضها الرسمي على القرار الإسرائيلي، لكن عبر القنوات المحدّدة والمعروفة بين الجانبين، من دون الانجرار إلى حرب تصريحات علنية. ولفت إلى أن القاهرة “تتعامل مع الملف من منطلق الحفاظ على أمنها القومي واستقرار الحدود، مع الالتزام الكامل باتفاقية السلام وبآليات التنسيق الأمني الميداني التي تنظّم العلاقة على طول الحدود المشتركة”.

التعاون الأمني بين القاهرة وتل أبيب لم يتوقف

ورغم أجواء التوتر السياسي التي أثارها قرار كاتس، أكّد المصدر أن التعاون الأمني بين القاهرة وتل أبيب لم يتوقف، وأن الفرق الفنية والأمنية من الجانبين تواصل العمل المشترك والتنسيق الميداني اليومي، خاصة في الملفات الحساسة داخل قطاع غزة. وقال المصدر إنّ “مصر تعمل حالياً، بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، على انتشال جثث عدد من الأسرى الإسرائيليين من داخل غزة، وهو ما يعكس استمرار قنوات الاتصال والتعاون الميداني رغم الضجيج السياسي والإعلامي”. وأكد أن القاهرة ستواصل التزامها بضبط النفس والحفاظ على قنوات التواصل الأمنية والدبلوماسية، مع رفضها القاطع لأيّ إجراءات إسرائيلية أحادية من شأنها تغيير الوضع القائم على الحدود أو الإضرار بمسار الهدنة والجهود المصرية المتواصلة لإرساء وقف إطلاق النار الدائم في القطاع.

وفي السياق، قال السفير محمد حجازي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، إنّ الخطوات الإسرائيلية أخيراً على الحدود مع مصر تعبّر عن حالة اضطراب استراتيجي يعيشها النظام الإسرائيلي منذ أن فُرضت عليه من جانب الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب خطة النقاط العشرين، وهي الخطة التنفيذية التي يجرى التشاور حولها حالياً بين القوى الدولية المعنية بوقف الحرب في غزة وترتيب أوضاع ما بعدها. وأوضح أن أهم ما يخص مصر في تلك الخطة هو تثبيت أن حدودها الدولية تقع مع دولة فلسطين، وليس مع إسرائيل، معتبراً أن أي حديث عن حدود مصرية – إسرائيلية في منطقة رفح “هو إقرار بالاحتلال ومحاولة لإعادة صياغة الواقع السياسي على الأرض”. وأكد أن مزاعم تهريب الأسلحة عبر الحدود المصرية “باطلة تماماً”، وقد نفتها حتى قيادة القوة متعددة الجنسيات في سيناء التي تُشرف على تنفيذ الملحق الأمني لمعاهدة السلام.

سعي لتأجيج التوتر الحدودي

وأضاف حجازي أن كاتس، ومن خلفه رموز اليمين المتطرف مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يسعون لتأجيج التوتر الحدودي، في وقت تدور فيه مشاورات جادة في مجلس الأمن بين الدول الخمس دائمة العضوية للتوصل إلى مسودة قرار نهائي لوقف إطلاق النار. وأشار إلى أن هذا القرار “يتضمّن تعديلات عديدة، لكنه لا يمنح إسرائيل أي شرعية للبقاء في رفح أو على الجانب الفلسطيني من الحدود”. وبيّن أن الولايات المتحدة دفعت في اتجاه إنشاء وحدة مدنية – عسكرية مكوّنة من نحو 200 خبير في مجالات اللوجستيات والتخطيط وإدارة المساعدات لتتولى الإشراف على الوضع الإنساني في القطاع، في صيغة توازي مقترح الاتحاد الأوروبي تفعيل التعاون الثلاثي المصري – الأوروبي – الفلسطيني الذي كان معمولاً به قبل عام 2007، أي قبل تولي حركة حماس السلطة في غزة.

وختم حجازي بأنّ التصعيد الإسرائيلي الأخير لا تمكن قراءته إلا في إطار محاولات اليمين المتطرف الهروب من الخناق السياسي الذي فرضته الخطة الأميركية، سواء بتوسيع نطاق التهديدات الإقليمية أو بتصعيد المواجهة في جبهات أخرى مثل لبنان. وأكد أن مصر “تتعامل مع هذا الملف بثبات ووعي، مدركةً أن ما تقوم به إسرائيل هو توظيف للأزمات لصرف الأنظار عن التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة نحو تسوية سياسية شاملة تضع حداً للحرب وتعيد رسم موازين القوى”.

وأثار إعلان كاتس، مساء الأربعاء الماضي، توجيه الجيش الإسرائيلي لتحويل الشريط الحدودي الملاصق لسيناء، الذي يفصلها عن الأراضي الإسرائيلية، إلى “منطقة عسكرية مغلقة”، مع تعديل قواعد الاشتباك بحيث تصبح أي جهة تدخل تلك المنطقة تتعرض “للأذى أو الهجوم” فوراً، جدلاً مصرياً واضحاً. فمن جانب القاهرة، فإن المسألة لا تُعدّ قراراً داخلياً إسرائيلياً محضاً، بل تتقاطع مع التزامات أمنية وقانونية تم الاتفاق عليها بين مصر وإسرائيل منذ معاهدة السلام عام 1979 وما انبثق عنها من ملحقات أمنية وترتيبات لاحقة خلال عام 2005.

القاهرة ترفض أي تغييرات أحادية

وأكدت القاهرة، في مواقفها العلنية، أنّها لا تقبل بأي تغييرات أحادية أو دائمة في الترتيبات الحدودية أو نحو تثبيت وجود إسرائيلي داخل القطاع أو على المحور المُلاصق لرفح، وهو ما تعتبره انتهاكاً لمعاهدة السلام والملحق الأمني المرافق لها، وكذلك لاتفاقات حركة المعابر عام 2005. ووفقاً لما أدلى به مسؤول مصري، فإنّ عودة البنية الأمنية على الحدود يجب أن تكون إلى “وضع ما قبل الحرب”، بمعنى انسحاب القوات الإسرائيلية من محور صلاح الدين (فيلادلفي)، واستئناف تشغيل معبر رفح ضمن الصيغة التي تم الاتفاق عليها آنذاك.

وحسب مراقبين، فإن إعلان كاتس بهذا الشكل يضع القاهرة أمام سيناريوهات عدة: أولها تحليل ما إذا كان القرار مجرد إجراء داخلي إسرائيلي في منطقة إسرائيلية خالصة ولا يمسّ التزامات المعاهدة، ونقطة التحوّل في حال وجود تعزيزات أو عمليات عبر الحدود أو ملاحقة لمسيّرات من داخل الأراضي المصرية، ما يُعد تجاوزاً قد يدفع القاهرة إلى تفعيل آليات اللجنة المشتركة أو مخاطبة قيادة القوة متعددة الجنسيات في سيناء أو اللجوء للدبلوماسية الدولية. ومن جهة ثانية، فإن استمرار الوجود أو التحكّم الإسرائيلي في محور صلاح الدين، أو أي تحكّم مفرد في معبر رفح، هو ما تعتبره مصر خطاً أحمر، وتؤكد أن أيّ تثبيت من هذا النوع يُعدّ مصادرة لترتيبات 2005 وانتهاكاً لوضع ما قبل الحرب. وفي المجمل، فإن موقف القاهرة يُعبّر عن رفض لأي مساس بمضمون الترتيبات الراسخة، لا سيما تلك التي تضمن نفياً لأي وجود إسرائيلي دائم في القطاع أو على حدود مصر من الجانب الغربي، مع التمسّك بحقها في اتخاذ التدابير التي تحافظ على الأمن في سيناء والحدود من دون تجاوزات تُعكّر اتفاقية السلام.

وفي السياق، قال العقيد حاتم صابر، خبير مقاومة الإرهاب الدولي وحرب المعلومات، إن قرار كاتس تحويل الشريط الحدودي مع مصر إلى “منطقة عسكرية مغلقة” وتعديل قواعد إطلاق النار يمثل “تسارعاً خطيراً” في السياسات الأمنية الإسرائيلية، ويعكس تحولاً من مقاربة ردعية تقليدية إلى مقاربة أكثر عدوانية في التعامل مع ما تُسميه تل أبيب تهديدات التهريب بالمسيّرات.

وعن دوافع القرار، ربط صابر بين بعدين متوازيين: الأول أمني يرتبط بمحاولات تل أبيب الحدّ من تهريب أسلحة عبر المسيّرات، والثاني سياسي داخلي يستهدف استرضاء عناصر اليمين المتطرف، لا سيما بعد إشادات قادة من هذا التيار بالقرار وصياغته باعتباره “رؤية أمنية صلبة”. ولفت إلى أن خطوات مثل هذه غالباً ما تكون لها خلفية سياسية تهدف إلى امتصاص الضغوط الداخلية والتغطية على إخفاقات أو خلافات إدارية. وأضاف أن الأبعاد العملية لهذا القرار قد تؤدي إلى اختراق ضمني لروح اتفاقية كامب ديفيد، وتحول إلى تثبيت وجود عسكري دائم أو إلى توسيع لنوعيات التسليح قرب الحدود، مشيراً إلى أن النصوص القانونية وملحقات الاتفاقية تمنح إطاراً يجب احترامه لتفادي أي احتكاك دولي أو شكاوى قانونية. ونبه إلى أن السماح بإطلاق النار فوراً على “كل من يدخل المنطقة المحظورة” يفتح احتمالات لوقوع إصابات عرضية أو احتكاكات مع مدنيين أو قوافل إنسانية، وهو ما قد يعقّد مسارات التهدئة القائمة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here