أفريقيا برس – مصر. ترسخ زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى مدريد، والتي أنهاها أمس الخميس، متجهاً إلى السعودية للمشاركة في القمة العربية المصغرة بشأن غزة، تحولاً استراتيجياً في العلاقات المصرية الإسبانية. يتجسد هذا التحول في إعلان مشترك، صدر عقب اجتماع السيسي ورئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز، أول من أمس الأربعاء، وقرر رفع مستوى التعاون بين البلدين إلى شراكة استراتيجية.
العلاقات المصرية الإسبانية أو التحالف بين البلدين، في إطاره الجديد يأتي في وقت تواجه فيه منطقة البحر المتوسط تحديات غير مسبوقة، بدءاً من الأزمات الأمنية، مروراً بقضية الهجرة غير النظامية، وصولاً إلى الملفات الساخنة في الشرق الأوسط وأفريقيا، تحديداً الوضع في قطاع غزة. ويكشف البيان المشترك الصادر عن اللقاء عن إدراك الطرفين لدور كل منهما في صياغة استقرار المنطقة، إذ تؤكد مدريد أهمية مصر شريكا محوريا، فيما تنظر القاهرة إلى إسبانيا بوابةً رئيسية إلى الاتحاد الأوروبي وصوتا داعما لمصالحها في الساحة الدولية. ولا يقتصر التعاون المصري-الأوروبي، في هذا المجال على البعد الأمني فقط، بل يشمل دعماً اقتصادياً وتنموياً يهدف إلى خلق فرص عمل داخل مصر، ما يحدّ من دوافع الهجرة لدى الشباب المصري والمقيمين من دول الجوار الأفريقي.
ملفات تحكم العلاقات المصرية الإسبانية
بحسب مصادر دبلوماسية، فإن من بين القضايا التي حازت اهتماماً خاصاً خلال الزيارة، هي ملف الهجرة غير النظامية، إذ تدرك مدريد أن القاهرة ليست مجرد دولة عبور، بل شريك فاعل في ضبط الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي. يفسر ذلك حرص الحكومة الإسبانية على تعزيز التعاون الأمني مع مصر لمكافحة تدفقات الهجرة غير النظامية، إلى جانب توسيع مجالات التعاون الاقتصادي بما هو بديل مستدام لمعالجة جذور الظاهرة. وتبرز ملفات أخرى في سياق تمتين العلاقات المصرية الإسبانية. فقد أشارت تلك المصادر إلى أنّ من ضمن الملفات التي تم بحثها خلال زيارة السيسي إلى إسبانيا، أزمة الطاقة التي تعصف بالقارة الأوروبية، إذ أصبحت مصر أحد الفاعلين الأساسيين في سوق الغاز العالمي، وهو ما يضعها في موقع تفاوضي قوي مع الشركاء الأوروبيين، من بينهم إسبانيا التي تعتمد بشكل كبير على إمدادات الطاقة المستقرة.
ولم تقتصر المباحثات المصرية-الإسبانية على القضايا الثنائية، بل امتدت إلى ملفات إقليمية أوسع تشمل ليبيا والسودان وأمن البحر الأحمر. تقول المصادر إن ملف “مكافحة الإرهاب” كان محور مباحثات السيسي وسانشيز في مدريد، فمنذ اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، أدركت أوروبا أن أمنها الداخلي بات مرتبطاً مباشرة بأوضاع الأمن في دول الجوار، “وهنا يأتي الدور المصري في محاربة الجماعات الإرهابية بوصفه عاملا رئيسيا في منع انتقال التهديدات إلى الأراضي الأوروبية”. وتلفت المصادر نفسها إلى أنه “بفضل خبراتها الأمنية والعسكرية، ساهمت مصر في تفكيك شبكات إرهابية، وشاركت في تبادل المعلومات مع الاستخبارات الأوروبية، ما ساعد على إحباط العديد من المخططات الإرهابية التي كانت تستهدف مدناً أوروبية”. وتضيف أن “القاهرة تؤدي دوراً في مواجهة الفكر المتطرف عبر مؤسساتها الدينية، مثل الأزهر، الذي يعد مرجعية دينية وسطية تعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تستغلها التنظيمات المتطرفة في التجنيد”.
كما أن إحدى القضايا المحورية، والتي برزت بقوة خلال المباحثات التي عقدت بين السيسي وسانشيز، هي الوضع في قطاع غزة. فقد أبدت إسبانيا دعماً واضحاً للموقف المصري، مؤكدة رفضها تهجير الفلسطينيين من القطاع، مع التشديد على ضرورة الالتزام بحل الدولتين أساسا لأي تسوية مستدامة. بالمقابل تحظى مدريد بإشادة مصرية على دورها في دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، وقرارها المبدئي بالاعتراف بدولة فلسطين، وهي خطوة تضع إسبانيا في طليعة الدول الأوروبية المناصرة للحقوق الفلسطينية.
العلاقات مع الاتحاد الأوروبي
ترتبط العلاقات المصرية الإسبانية بعلاقات القاهرة مع الاتحاد الأوروبي. ويقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور عمار فايد، إن “الهجرة غير النظامية باتت من القضايا الأكثر أولوية في تشكيل العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي (وإسبانيا جزء منه) في الوقت الراهن، وورقة ضغط تستخدمها القاهرة للحصول على دعم اقتصادي أوروبي”. كما تستخدم مصر هذه الورقة “للحد من الانتقادات المحتملة للسياسات الأمنية المحلية، التي يتم تبريرها في إطار تحقيق الاستقرار وتجنب الفوضى في بلد يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة”.
في المقابل يرى السفير رخا أحمد حسن، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، أن “الاتفاق بين مصر والاتحاد الأوروبي، والذي ينص على تقديم دعم للاقتصاد المصري بقيمة إجمالية تصل إلى 5 مليارات يورو خلال الفترة من 2024 إلى 2027، يأتي في إطار علاقات الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي”. ويلفت إلى أن “إجمالي العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين يعد الأكبر على مستوى العالم”، معتبراً أن تقديم هذا الدعم “لا يعني بأي حال من الأحوال التأثير على مصر، بل يهدف بالأساس إلى تعزيز وتطوير العلاقات بين القاهرة والاتحاد الأوروبي في كافة المجالات، استناداً إلى المصالح المشتركة، والتفاهم، والاحترام المتبادل”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس