ما وراء التمويل الأوروبي لمصر

16
ما وراء التمويل الأوروبي لمصر
ما وراء التمويل الأوروبي لمصر

أفريقيا برس – مصر. تزامنت موافقة الاتحاد الأوروبي على تقديم تمويل بقيمة مليار يورو ضمن حزمة تصل إلى خمسة مليارات يورو بحلول عام 2027 لمصر مع اعتماد الرئيس عبد الفتاح السيسي قانون لجوء الأجانب. ويفتح التمويل الأوروبي لمصر إلى جانب قانون اللجوء الباب لمزيد من التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية إلى دول أوروبية، في خطوة اعتبرتها مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة ذات أهمية واضحة في سياق العلاقات الدولية والاستراتيجيات الإقليمية. وحسب المصادر نفسها، فإن إقرار مثل هذا القانون يمكن أن يُفسَّر بأنه جزء من الجهود المصرية لتعزيز الرقابة على تدفق اللاجئين والمهاجرين عبر أراضيها بما يتماشى مع المصالح الأوروبية في الحد من الهجرة غير النظامية. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يدعم مصر مالياً لتبني مثل هذه السياسات التي تُعتبر ضرورية لتجنب تحوّل مصر إلى نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين نحو أوروبا، والتي تشعر بقلق من تفاقم أزمة الهجرة التي تؤثر على أمنها واستقرارها الداخلي.

وأعلنت المفوضية الأوروبية في بيان، يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، أنها اعتمدت قراراً بصرف مليار يورو من القروض لمصر بعد استيفاء شروط السياسة المتفق عليها مع الاتحاد الأوروبي في إطار المساعدة المالية الكلية المستمرة. وأشارت إلى أن هذا الدعم المالي سيساعد مصر على تغطية جزء من احتياجاتها التمويلية للعام المالي 2024-2025، وضمان استقرار الاقتصاد الكلي، مع دعم أجندة الإصلاح المحلية بالتزامن مع برنامج صندوق النقد الدولي الجاري تنفيذه. وذكر بيان المفوضية أن “اتفاقية التمويل الخارجية هذه تشكل، إلى جانب العملية الثانية بقيمة أربعة مليارات يورو والتي تُناقَش حالياً مع المشرعين المشاركين، جزءاً أساسياً من الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الاتحاد الأوروبي ومصر”. وأضاف أن ذلك يأتي “استجابة للتحديات الاقتصادية المتعددة التي شهدتها السنوات الماضية، والتي تفاقمت بسبب الوضع الجيوسياسي المعقد في الشرق الأوسط، إذ تعد مصر ركيزة أساسية للاستقرار وشريكاً استراتيجياً للاتحاد الأوروبي”.

مغزى سياسي واقتصادي

حول التمويل الأوروبي لمصر وقرار المفوضية الأروروبية الأخير، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية عمار فايد، إن قرار المفوضية الأوروبية بشأن الشراكة مع مصر يأتي في سياق إجرائي، إذ إن الاتفاقية (الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي) قد وُقعت في مارس/آذار الماضي، ما يعكس وضوح المغزى السياسي والاقتصادي للقرار منذ ذلك الحين. وأضاف أن العلاقات بين مصر ودول أوروبا الرئيسية، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، تمتد عبر مجالات متعددة تشمل الأمن والاقتصاد والعلاقات العسكرية، مشدّداً على أن قضية الهجرة غير النظامية باتت تشكل أحد المحاور الأكثر إلحاحاً في صياغة العلاقات بين القاهرة والاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن.

ولفت فايد إلى أن توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي يعكس إدراك الأخير أهميةَ التعاون مع القاهرة بما يتجاوز قضية الهجرة، مشيراً إلى أن التحالف مع مصر يحقق مكاسب استراتيجية كبرى للشركات الأوروبية، سواء في القطاعات المدنية أو العسكرية. كما أشار إلى أن مصر وقّعت، خلال مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي الذي عُقد في يوليو/تموز الماضي، 35 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع شركاء أوروبيين وغير أوروبيين، بقيمة إجمالية تُقدر بنحو 70 مليار يورو، ما يؤكد أهمية الشراكة الاقتصادية بين الجانبين.

من جانبه، قال السفير رخا أحمد حسن، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن “الاتفاق (في مارس الماضي) بين مصر والاتحاد الأوروبي على أن يقدم الأخير دعماً للاقتصاد المصري (قروض) بقيمة إجمالية خمسة مليارات يورو في الفترة من 2024 إلى 2027، كان قد وُقّع أثناء زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إلى مصر منذ بضعة أشهر”. وأضاف أن “ذلك في إطار علاقات الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، باعتبار أن إجمالي العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول الاتحاد تعد الأكبر عالمياً”. وحول دلالة التمويل الأوروبي لمصر رأى حسن “أن تقديم هذا الدعم لمصر لا يعني بأي حال التأثير على علاقات مصر مع أي أطراف أخرى، وإنما يهدف أساساً إلى مزيد من تنمية وزيادة العلاقات بين الجانبين في كافة المجالات على أساس المصالح المشتركة والتفاهم والاحترام المتبادل”.

التمويل الأوروبي لمصر وملف الهجرة

وفي سياق التمويل الأوروبي لمصر اعتبر الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، أن القاهرة باتت شريكاً متزايد الأهمية لأوروبا، وهو ما اتضح بشكل جلي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. وأوضح أن ملف الطاقة كان محورياً في تعزيز العلاقات الأوروبية-المصرية، لكنه أشار إلى أن الأهمية الاستراتيجية لمصر لا تقتصر على قطاع الطاقة فقط، بل تمتد إلى دورها المحوري في المنطقة”، ما يجعل إقامة علاقات وثيقة مع القاهرة، وفق شاكر، مسألة لا غنى عنها بالنسبة للأطراف الأوروبية، وذلك يشمل إدارة الملفات الإقليمية الحساسة مثل العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في ما يتعلق بملف غزة وحرب الإبادة الجارية.

تطرق شاكر إلى ملف الهجرة باعتباره ملفاً حيوياً في العلاقات الأوروبية-المصرية، مشيراً إلى أن مصر تلعب دوراً مزدوجاً، كونها دولة منشأ للهجرة وأيضاً محطة عبور للمهاجرين وطالبي اللجوء. وشدّد على أن التفاهمات في هذا الشأن تشمل دعم القاهرة اقتصادياً مقابل تعاونها في الحد من تدفقات الهجرة. لكن شاكر حذّر من أن كبح الهجرة قد يؤدي إلى تكدس المهاجرين غير النظاميين في دول العبور، ما قد يخلق مشكلات اجتماعية على المديين المتوسط والبعيد. وأضاف أنه رغم ذلك، يظل الدعم الاقتصادي المقدم لمصر مرتبطاً بهذه الحسابات، مع الأخذ بعين الاعتبار دور مصر شريكاً استراتيجياً في ملفات الطاقة والهجرة وإدارة العلاقات الإقليمية. ولفت إلى أن أوروبا تدرك محاولات مصر تنويع شراكاتها وعلاقاتها الخارجية، ما يعزز أهمية الحفاظ على علاقات حيوية معها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here